منذ أواخر 2019 بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية تتبلور في لبنان، بسبب هبوط العملة وارتفاع التضخم لمستويات تاريخية وشحّ حاد في وفرة النقد الأجنبي.
واستقبل اللبنانيون عام 2020 بمجموعة قرارات مصرفية تتعلّق بوضع حد للسحوبات بالدولار، وتعميم من مصرف لبنان لفتح اعتمادات بالدولار مخصّصة لاستيراد المحروقات والقمح والأدوية، ما فاقم أزمة اللبنانيين، إلى أن وقعت كارثة تفجير مرفأ بيروت، التي قضت على آمال اللبنانيين المتعلقة بتحسن الأحوال الاقتصادية.
ومع اشتداد وتيرة الأزمة الاقتصادية يقترب لبنان شيئاً فشيئاً من الانهيار الاقتصادي والإفلاس، فيما يخوض حزب الله حربه للسيطرة على عملة الدولار وقطاع الصيرفة في البلاد.
وبدأت الأزمة على يد حزب الله اللبناني الذي اتخذ من القطاع المصرفي والعملة الصعبة الوسيلة المثلى للسيطرة على المصارف وعلى القطاع المالي بأكمله في لبنان، وهو ما جعل الحزب أحد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية في لبنان، وفقاً لما نقلته شبكة "الحرّة" عن مراقبين في شهر أيار (مايو) الماضي.
اقرأ أيضاً: طلبة الجامعات يجددون الاحتجاجات اللبنانية.. ما الجديد؟
ورغم تصريحات زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنه لا نية للسيطرة على القطاع المصرفي أو سوق الصيرفة في البلاد، إلّا أنّ مراقبين أكدوا أنه لا نية لديه للسيطرة لأنه هو المسيطر فعلياً على هذا القطاع، وهو من يتحكّم بسعر صرف الدولار أمام الليرة، ولديه أدوات مالية وتجارية يتحكّم بها، ناهيك عن السوق الموازية التي يديرها الحزب.
خبير مالي: حزب الله يمارس ضغطاً كبيراً على المصارف، سواء من أجل خرق العقوبات أو من أجل التحكم بالدولار في البلاد
وألمح الخبراء إلى أنّ الدولة اللبنانية أصبحت "مختطفة" من حزب الله، فيما تنشغل الطبقة السياسية بـ"حماية فسادها، والشعب اللبناني هو الخاسر الأكبر".
وفي تصريح سابق للخبير المالي الدكتور مكرم رباح قال: إنّ حزب الله يمارس ضغطاً كبيراً على المصارف، سواء من أجل خرق العقوبات أو من أجل التحكم بالدولار في البلاد.
اقرأ أيضاً: لبنان: لماذا أشعل اتهام دياب أزمة بين السنة ورئاسة الجمهورية؟
وأضاف، وفق ما أورد وقع "الحرة": إنّ حزب الله يسيطر على منظومة كاملة من محلات الصيرفة التي تتحكم بالمعروض من العملة الأجنبية وبأسعار الصرف، ما يعني أنّ تصريحات نصر الله ما هي إلّا مغالطات، ولا تتضمّن الحقيقة لما يحصل في الاقتصاد اللبناني وسط غياب الجهات التنظيمية.
ويرى رباح أنّ حزب الله يضغط على البنوك من أجل الحصول على العملة الصعبة بأية طريقة كانت، والتي لا تخدمه فقط في لبنان، وإنما في سوريا أيضاً، وما يحصل من شحٍّ في سيولة العملة الصعبة، فإنّ حزب الله خلفها.
ويؤكد أنّ الدولة والطبقة السياسية رهينة للتعاون مع حزب الله، حيث تتذرع الطبقة السياسية بسلاح حزب الله من أجل الاستمرار في فسادها، رغم أنّ موقف الشارع بات واضحاً من هذا الأمر، والمطلوب استعادة الدولة من الطبقة السياسية واسترداد السيادة.
وكانت وكالة "أسوشيد برس" قد كشفت الآليات التي يستخدمها حزب الله في التحكم بالدولار بالسوق اللبنانية، والتي تبدأ من وجود صرّافين مؤثرين تابعين له يتحكّمون بسعر الصرف وبكمية المعروض في الأسواق وبما يخدم مصلحتهم.
اقرأ أيضاً: المجلس الشيعي الأعلى في لبنان.. كشف المستور
وأضافت الوكالة نقلاً عن خبير مالي لبناني: إنّ حزب الله يستخدم هؤلاء الصرّافين، ليس فقط من أجل أسعار الصرف، وإنما لأجل تهريب الدولار إلى سوريا ولجلبه من سوريا أيضاً، حيث يتم تهريب وبيع المحروقات المستوردة، والتي هي مخصصة للسوق اللبنانية بالأصل.
حزب الله يسيطر على منظومة كاملة من محلات الصيرفة التي تتحكم بالمعروض من العملة الأجنبية وبأسعار الصرف
وذكر أنّ الجهات المنظمة والمسؤولة تتحاشى متابعة هؤلاء الصرّافين، وكلّ جهة تتنصل من المسؤولية وتلقي بها على جهة أخرى، فوزارة الاقتصاد تقذف المسؤولية إلى لجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان، واللجنة تقذفها على المدعي العام المالي، فيما يقف مصرف لبنان عاجزاً عن ثني البنوك التي تحجم عن منح المودعين أموالهم بالدولار.
اقرأ أيضاً: غليان مكتوم في الجنوب اللبناني بأمر حزب الله.. ما القصة؟
ولدى حزب الله أيضاً منظومة من مستوردي المحروقات، الذين يقومون بتهريبها إلى سوريا وبيعها هناك وأخذ النقود بالدولار، وإعادتها إلى لبنان عبر الصرّافين المتعاونين معها، ولكنّها لا تُطرح في السوق، بل تذهب إلى أعمال الحزب بطريقة أو بأخرى.
الجامعات اللبنانية تقرر دولرة الرسوم الجامعية، أي دفعها بالدولار حصراً بدلاً من الليرة اللبنانية، ما فجّر غضب الطلاب
ويمتلك الحزب أيضاً القدرة على تهريب وإدخال ملايين الدولارات إلى البلاد، والتي يمكن أن تأتي عبر طائرات قادمة من إيران أو العراق، وهو يحتاجها من أجل تمويل عناصره في لبنان وسوريا الذين يتم تسليمهم الرواتب بالدولار، والتي تقدّر بـ40 إلى 60 مليون دولار شهرياً، وحتى مع افتراض أنه يدخل عملة صعبة إلى البلاد، فهي لا تخدم الاقتصاد ولكنها تخدم الاقتصاد الموازي الذي خلقه حزب الله.
وأكد أنّ ما يحصل الآن بأسعار الصرف وما تقوم به البنوك ليس وليد الأزمة الحالية، وإنّما تعود جذور ذلك إلى 2019، فقد هدّد نصر الله في أيار (مايو) البنوك، وقال لهم: "يا أصحاب المصارف في لبنان، إن لم تتعاونوا في معالجة الوضع الاقتصادي، فحتى رؤوس أموالكم لن تعود إليكم".
ولكنّ أزمة شحّ الدولار بدأت تتعمق مع استغلال المصارف والصرّافين وحزب الله للاحتجاجات التي حصلت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي تسببت بما وصلت إليه البلاد اليوم.
اقرأ أيضاً: حزب الله 2020.. هيمنة على الخراب تفاقم أزمة لبنان
وتنبّأت الولايات المتحدة منذ زمن بنشاطات حزب الله في لبنان، فقد أعربت السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا عن قلق بلادها من حزب الله، قائلة: "لدينا قلق بالغ من (حزب الله) في لبنان الذي نصنفه إرهابياً"، وفق ما أوردت شبكة "سي إن إن "في حزيران (يونيو) الماضي.
حزب الله لديه منظومة من مستوردي المحروقات الذين يقومون بتهريبها إلى سوريا وبيعها هناك وأخذ النقود بالدولار
وأشارت شيا في مقابلة مع قناة "الحدث" إلى أنّ "حزب الله بنى دولة داخل الدولة استنزفت لبنان"، وأنّ "دويلة حزب الله كلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات". وقالت: "مليارات الدولارات ذهبت إلى دويلة (حزب الله) بدل الخزينة الحكومية".
وقد تجدّد الغضب بما يتعلق بالعملة الصعبة في لبنان، أمس، مع تصريحات مدير شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية "محمد الحوت" حول توجّه الشركة لحصر عمليات بيع التذاكر بما وصفه بـ "الدولار الفريش"ح أي فئة الدولارات الأمريكية المحوّلة حديثاً إلى لبنان، بحسب ما أفادت به وكالة "رويترز".
اقرأ أيضاً: هل أصبح لبنان عبئاً على العرب بسبب "حزب الله"؟
ولم يحدّد "الحوت" موعداً ثابتاً لصدور القرار بشكلٍ رسمي، إلّا أنه من المرجح أن يصدر القرار خلال أعياد رأس السنة أو مطلع العام 2021
.
في السياق ذاته، أشارت مصادر لبنانية إلى أنّ سبب حصر الشركة بيع التذاكر بالدولار الداخل حديثاً إلى لبنان، هو أنّ الدولار الحديث لا يخضع للقيود المفروضة من السلطات المالية منذ بدء الأزمة المالية في البلاد، لافتة إلى أنّ القرار سيزيد من مأساة الليرة اللبنانية وانهيارها.
كما أوضحت المصادر أنّ القرار سيؤدي إلى رفع أسعار التذاكر، ويزيد من صعوبة تأمين الدولار بالنسبة إلى المسافرين، خاصة أنّ معظم المودعين يملكون أموالاً بدولار متداول قديماً في لبنان.
مدير شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية يكشف عن توجّه الشركة لحصر عمليات بيع التذاكر بما وصفه بـ "الدولار الفريش"
وإعلان "الحوت" يأتي بعد أيام قليلة من قرار الجامعات بدولرة الرسوم الجامعية، أي دفعها بالدولار حصراً بدلاً من الليرة اللبنانية، وهو ما فجّر غضب الطلاب، الذين خرجوا أوّل من أمس في مظاهرات أمام الجامعة الأمريكية في بيروت، مطالبين بإلغاء القرار لما فيه من رفع كبير للرسوم بسبب فرق العملة.
يُذكر أنّ الليرة اللبنانية سجلت خلال الأسابيع الأخيرة انخفاضاً قياسياً جديداً أمام الدولار، الذي وصل سعره في السوق السوداء إلى 8200 ليرة، في حين تتعامل الحكومة اللبنانية مع أسعار صرف البنك المركزي، والتي حدّدها بـ 3900 ليرة.
ويعاني لبنان من أزمة الدولار وندرته في السوق منذ العام الماضي، ما تسبّب بأزمة إنسانية ومعيشية كبيرة، دفعت السلطات اللبنانية إلى وضع حدٍّ أقصى لسحب الدولار من المصارف بـ500 دولار شهرياً.
ويُعدّ لبنان من أكثر الدول مديونية في العالم، وتبلغ قيمة ديونه 92 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 170% من ناتجه المحلّي.
وفي آذار (مارس)، أعلنت الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين، هدفها حماية احتياطات البلاد من العملة الأجنبية التي تراجعت خلال الأشهر الماضية بشكل كبير.