الاقتصاد التونسي يدفع ضريبة حكم الإخوان

الاقتصاد التونسي يدفع ضريبة حكم الإخوان


20/02/2022

بعد أعوام عدّة من تجنب اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، تجد تونس نفسها بين خيارين هما الأصعب على الإطلاق؛ فإمّا القبول بشروط الصندوق التي قد تفجّر أزمة داخلية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وإمّا التخلف عن سداد الديون.

ومطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بدأت تونس مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة تتراوح بين الـ(4 إلى 5) مليارات دولار.

حزمة إجراءات حاسمة

بينما ما يزال الاقتصاد التونسي يعاني من ترهلات الماضي وفساد أعوام حكم الإخوان الـ10 الأخيرة، ممّا يمثل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن، سارع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى فرض إجراءات حاسمة، في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، لضبط الاستثمارات والأسواق، ومكافحة الفساد، من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية ومنع احتكار السلع وتوفيرها للمواطنين بعيداً عن تجار الفساد والمضاربة.

وأعلن سعيد حزمة قرارات اقتصادية جديدة، من شأنها ضبط الأسواق والتصدي للفاسدين والمحتكرين، وذلك بالتزامن مع ارتفاع حاد بأسعار السلع، ومصادرة كميات ضخمة مخزنة منها بغرض المضاربة، مؤكداً مراراً أنّه سيتعامل بحزم مع محتكري السلع والخدمات، وأنّه لا مجال للتسامح مع المتورطين.

 

اقرأ أيضاً: "النهضة" في مرمى نيران هيئة الدفاع عن بلعيد... العويني: الإخوان يتجسسون على التونسيين

ووفق المؤشرات الاقتصادية، شهد الاقتصاد التونسي معدلاً منخفضاً للنمو بمتوسط 1.8% في الفترة من عام 2011 إلى 2019. وفي عام 2020 انكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 8.8%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي 9% عام 2020، وتفاقم العجز التجاري إلى 11.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني مواصلة الاقتراض الخارجي. وتقدّر الإحصاءات نصيب الفرد التونسي من الدين الخارجي بـ (2600) دولار.

 

بعد أعوام عدّة من تجنب اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، تجد تونس نفسها بين خيارين هما الأصعب على الإطلاق؛ فإمّا القبول بشروط الصندوق، وإمّا التخلف عن سداد الديون

 

وفيما توقّع البنك الدولي نمو الاقتصاد التونسي بنسبة 3% في العام الماضي 2021، دعا إلى اتخاذ إصلاحات هيكلية "حاسمة"، وتحسين مناخ الأعمال، مشدداً على أنّ تلك الإصلاحات "أمر ضروري" لوضع الاقتصاد التونسي على مسار أكثر استدامة، وخلق فرص عمل للشباب المتنامي، وإدارة عبء ديون البلاد بشكل أفضل.

مستقبل المفاوضات مع صندوق النقد

تتجه تونس لخوض تجربة إصلاح اقتصادية جديدة، والحصول على قرض من صندوق النقد الدولي هذا العام، إلّا أنّ مستقبل المفاوضات التي ستخوضها تونس مع هذه المؤسسة المانحة ما يزال غامضاً، خاصة في ظلّ ضبابية المشهد السياسي، وغياب برنامج إصلاحات اقتصادية واضح.

 

اقرأ أيضاً: تونس: بودربالة يدعو القضاء النزيه إلى التقاط مجهودات هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي

وعلى مدار العقود الماضية، لم تكن علاقة تونس بصندوق النقد الدولي مفروشة بالزهور، على خلفية مساعي الأخير لتحرير الاقتصاد التونسي، وفرض شروط من بينها خفض عدد العاملين بالقطاع العام، ورفع الدعم عن السلع والمحروقات، وتصفية مؤسسات القطاع العام المتعثرة.

ويرى مراقبون أنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لن تكون سهلة، في ضوء الشروط التي حددها الصندوق، ومنها خفض عدد موظفي القطاع الحكومي، إلّا أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو اتحاد قوي فاز بجائزة نوبل للسلام في عام 2015، يعارض ذلك.

 

الاقتصاد التونسي ما يزال يعاني من ترهلات الماضي وفساد أعوام حكم الإخوان الـ10 الأخيرة، ممّا يمثل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن

 

وفي كانون الثاني (يناير) تمّ دفع أجور (680) ألف موظف مدني - كتلة تساوي من (15 إلى 20%) من الناتج المحلي الإجمالي الذي يأكل حوالي نصف الميزانية- متأخرة بنحو أسبوعين.

تحديات في الداخل التونسي

خفض قوة العمل، ورفع الدعم عن السلع التموينية والمحروقات، وتصفية مؤسسات القطاع العام المتعثرة، كلها مطالب قد تفجّر موجة من الاحتجاجات، في الوقت الذي يحارب فيه الرئيس التونسي قيس سعيد الفساد على أكثر من جبهة، وعلى رأسها الفساد المالي لجماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة التابعة للجماعة، في ضوء الوثائق التي كشفت عنها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي مطلع الشهر الجاري.

وفي نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي: إنّ الاتحاد "لن يدعم أيّ خيارات تمسّ من قوت الشعب التونسي، أو تضرب القطاع العام، أو الاستحقاقات الوطنية".

 

اقرأ أيضاً: تونس.. زلزال يضرب الإخوان بعد ثبوت تجسس الغنوشي على الأمن

ويشترط صندوق النقد الدولي، وفقاً للبنك المركزي التونسي، إشراك جميع الأطراف الوطنية في إجراء هذه الإصلاحات، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف والأحزاب الفاعلة في البلاد.

هل ينقذ موقع تونس الجغرافي مستقبلها الاقتصادي؟

تتعامل بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها إيطاليا، مع تونس وبعض الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط على أنّها جزء من أمنها القومي، وتحرص على الحفاظ على استقرار هذه الدول، ومن هذا المنطلق دفعت المخاوف من أن يؤدي تطبيق اشتراطات صندوق النقد الدولي إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار بعض المحللين السياسيين إلى دعوة الاتحاد الأوروبي لمساعدة الاقتصاد التونسي على التعافي، كما فعل مع اليونان وأيرلندا والبرتغال، وهي دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي.

 

مستقبل المفاوضات التي ستخوضها تونس مع هذه المؤسسة المانحة ما يزال غامضاً، خاصة في ظلّ ضبابية المشهد السياسي، وغياب برنامج إصلاحات اقتصادية واضح

 

وفي حوار لوكالة نوفا الإيطالية للأنباء، دعا أومبرتو تريلوتسي، بروفيسور السياسة الاقتصادية بجامعة روما "لا سبينسا"، الاتحاد الأوروبي إلى "إنقاذ" تونس تيمّناً بما حدث مع اليونان وأيرلندا والبرتغال، مع اختلاف بسيط هو أنّ تونس "ليست عضواً بالاتحاد".

واستطرد قائلاً: "تونس بحاجة إلى إصلاحات كبيرة، لكنّ طريقها محفوفة بالصعوبات، ولا يمكنها القيام بذلك بمفردها. نأمل في تضامن دولي يجب أن تقدّمه أوروبا بشكل أساسي، حيث تذهب 80% من الصادرات التونسية إلى أوروبا، و60% من واردات تونس تأتي من أوروبا".

موارد الاقتصاد التونسي

الدين الخارجي التونسي ليس كبيراً مقارنة بدول أخرى في المنطقة وحتى في أوروبا، إلّا أنّ مشكلة تونس تكمن في أنّه ليس لديها موارد داخلية. ووصل الدين التونسي إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي نفسه، بما يعادل حوالي (30) مليار يورو.

 

المخاوف من أن يؤدي تطبيق اشتراطات صندوق النقد الدولي إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار دفعت بعض المحللين السياسيين إلى دعوة الاتحاد الأوروبي لمساعدة الاقتصاد التونسي على التعافي

 

ونقلت "نوفا" عن باتريريتسيو بازاليا، المحلل الاقتصادي المستقل قوله: "إنّ الدين التونسي مموّل بشكل كبير من الخارج. ثم إنّ هناك أمراً حاسماً، حيث يشير تصنيف موديز للدين التونسي عند: (Caa3) إلى مخاطر عالية جداً للتخلف عن السداد"، موضحاً: "المشكلة مع تونس أنّها اقتصاد بلا موارد طبيعية وقيمة مضافة منخفضة: أي أنّها لا تُقدّم هوامش ربح عالية".

وأضاف بازاليا: "من الواضح أنّه في كل مرّة يتدخل فيها صندوق النقد الدولي، فإنّه يطلب إصلاحات هيكلية كبيرة كشرط. وفي حالة تونس، سيكون خفض قوة القطاع العام، وهو أحد أهم عناصر الإنفاق العام في تونس"، معرباً عن اعتقاده بأنّ تونس سوف تقبل حتماً اشتراطات صندوق النقد الدولي، قائلاً: "أعتقد أنّه سيتمّ التوصل إلى اتفاق".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية