أي مصير ينتظر قطاع غزة؟

أي مصير ينتظر قطاع غزة؟

أي مصير ينتظر قطاع غزة؟


31/10/2023

طارق فهمي

بصرف النظر عما تفضي إليه الأوضاع في المواجهات الراهنة بين إسرائيل وحركة "حماس"، وسواء اتجهت إسرائيل إلى عملية شاملة أو جزئية، فإن ما سيجري مرتبط بمصير قطاع غزة، وما ستفضي إليه الأوضاع في القطاع من تطورات متعلقة بما هو جار من أحداث مفصلية ستطاول مستقبل القطاع في الفترة المقبلة، وترتبط بطبيعة الحال بما هو مقبل من سيناريوهات نظرية أكثر منها عملية، وبرهانات تقام منذ الآن على العمل السياسي والعمل العسكري، وتزامن الأمرين معاً في ظل سعي دولي وعربي لإنهاء ما يجري، والبدء بمسار سياسي جديد، يمكن أن يغير طريقة المعاجلة الراهنة في غزة، بخاصة أن السلطة الفلسطينية على مقربة مما يجري من تطورات تطاول الأراضي الفلسطينية ودول الجوار معاً.

مخطط مرتبك

وتتحدث إسرائيل الرسمية عن مراحل ثلاث لإتمام العمل العسكري وصولاً إلى حل أزمة قطاع غزة بالكامل، وهو أمر مرتبط بما هو متوقع من مسار العمليات المتوقعة، بخاصة أن الخيارات تدور في اتجاهات محددة ومعلنة.

الاتجاه الأول: تقويض حركة "حماس" وبنيتها العسكرية، وهذا يتطلب جهداً كبيراً ومكثفاً مع تطوير أساليب المواجهات العسكرية، التي ربما تستمر أشهراً عدة، وهو ما تتحمله إسرائيل اقتصادياً في ظل استمرار حالة الانكسار داخل المؤسسة العسكرية، والتخوف من تبعات "اليوم الثاني"، الذي قد يكون مكلفاً على تلك الدولة، وقد يؤدي إلى مزيد من التوتر والتجاذب داخل المجتمع بأكمله، وهو ما تستطيع إسرائيل الإقدام عليه مع تتالي التحذيرات السياسية من داخل إسرائيل وخارجها من الإقدام على عمل عسكري، والاتجاه إلى نفي "حماس" من القطاع، أو إنهاء وجودها، ما قد يتطلب قدرات غير تقليدية ومتابعة، بل وتصعيداً مؤثراً ومنضبطاً، الأمر الذي يعني أن إسرائيل لا يمكنها في وقت محدد حسم وجود "حماس"، بل وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، وأهمها "حركة الجهاد الإسلامي".

الاتجاه الثاني: التعامل وفق نظرية محددة، وهو الجاري في إطار العمل العسكري، وإعطاء فرصة حقيقية لإمكانية الإفراج عن الرهائن، الأمر الذي يتوافر في الوقت الراهن عبر ما يعرف بدور العمل الاستخباراتي والأمني، وهو الجاري بتنسيق كبير من الولايات المتحدة، وعبر عناصرها الاستخبارية، ما يؤكد أن الأمرين سيمضيان معاً، العسكري والمدني، وصولاً إلى أهداف حقيقية على الأرض، وهو ما يعني أن إسرائيل ستمنح نفسها حق الاستمرار في المواجهة إلى وقت طويل.

الاتجاه الثالث: الوضع الإقليمي في الوقت الراهن، لكن مع تصميم إسرائيل على تحقيق نتائج مناسبة من العملية الراهنة، وغلق باب الاتصالات مع الإدارة الأميركية، لأن استجداء السلام بهذه الصورة سيمكن إسرائيل من المضي قدماً في خطواتها، وبما قد يضر بالأمن القومي المصري، بخاصة أن أي ترتيبات أمنية قد تكون مدخلاً إلى توافقات سياسية واستراتيجية، لن تقتصر على الطرفين.

الاتجاه الرابع: أن إسرائيل ترتب عدتها للتعامل مع القطاع انطلاقاً من حسابات ضيقة، يمكن أن تعبر عن حضورها، ولعل هذا الأمر يحذر من فتح الجبهات الأخرى، أي على أخطار واردة من جبهات مناوئة كبيرة، بخاصة "حزب الله"، وهو المتوقع في ظل حالة تصعيد غير مسبوقة في تاريخ الصراعات السابقة، ومن ثم فإن إسرائيل لن تتجاوب مع عقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية في ظل القوة السياسية الدولية التي تعمل من أجل بقاء المواجهة عند درجة معينة من الحسابات السابقة كمدخل للحسابات المستجدة.

سيناريوهات مطروحة

ستفكر إسرائيل في استمرار المواجهة لتحقيق أعلى مكاسب سياسية وحزبية في الوقت الراهن، وهو ما تعمل الحكومة وكبار المسؤولين عليه، ما يؤكد أن النقطة الراهنة هي عبور المرحلة مع القدرة على الجزم والحسم في التعامل مع وضع القطاع حتى لو استمر الأمر بعض الوقت في ظل خيارات عدة تبدأ بالعمل في الشمال مع الانتقال المواجهة إلى الوسط والجنوب، وفرض استراتيجية تقطيع القطاع إلى كانتونات كاملة، ويؤكد ذلك أن الأمر مرتبط بالفعل برؤية أمنية واستخباراتية على الأرض، يمكن أن تمنح فرصة للتعامل في سياقات محددة، وهو ما يشير إلى أن العمل العسكري سيفرض التفاوض بعد وقف إطلاق النار، وبدء الحديث في شأن مستقبل حركة "حماس".
أياً كان مستقبل "حماس"، وأياً كانت الخيارات المتاحة للتعامل مع قطاع غزة، فإن الأمر سيرتبط بالفعل بمسارات حقيقية وممكنة في إطار استراتيجية الأمر الواقع، وهو استمرار الأوضاع في القطاع على رغم محاصرته واستمرار تقطعه، ما يعني عدم انتقال الأمر إلى مرحلة تالية مع إطالة أمد المواجهة، واستمرار إنهاك كل من الطرفين للآخر، مع التوقع بأن تكون حرباً طويلة وممتدة ستكون إسرائيل خاسرة فيها، مع الضغوط التي تتعامل معها في الداخل.

ويتوقع تنامي حالة التذمر لدى الرأي العام الإسرائيلي بحال استمرار المشهد الراهن لأشهر عدة أو وقوع مواجهات جديدة، وفشل كل مساعي التهدئة، وعدم إخراج الرهائن أو الأسرى من القطاع، ما يفرض استراتيجية محددة متعلقة بالوضع السياسي والأمني للقطاع، ولمن تؤول السلطة فيه، هل إلى السلطة الفلسطينية بوضعها الراهن، أم أن الأمر سيرتبط بوضع غزة تحت الانتداب الدولي المباشر مع التحرك في إطار دولي أو أوروبي، أو من خارج الأمم المتحدة.

وقد يتجاوز ذلك موضوع إبقاء القطاع في دائرته الضيقة، بخاصة أن دول الجوار ومنها مصر لن تقبل بأي حلول وسط قد تثير مزيداً من الجدال السياسي والاستراتيجي حول مستقبل حركة "حماس" والقطاع، مقابل ما يطرح أوروبياً بأنه سيكون أفضل لقطاع غزة العمل من خلال حرث الأرض تحت أقدام "حماس"، مع التوقع بأنه في كل الأحوال لن تختفي الحركة، أو تفكك بنيتها الاستراتيجية، بل على العكس قد يكون البديل الاتجاه إلى بناء "حماس" أخرى، وهو سيناريو غير وارد، بل على العكس سيعمل في نطاق من الخيارات الصعبة، بخاصة أن إسرائيل ليس لديها بدائل كثيرة بانتظار "اليوم التالي" لإنهاء العمليات في غزة والبناء على سياسات مختلفة بالفعل.

خيارات منضبطة

يمكن التأكيد أنه ليس أمام إسرائيل خيارات عدة في غزة، وأنها تتحسب لما سيجري، بخاصة أنها تتحرك بدعم دولي غير مسبوق يعمل حالياً لصالحها، ما يتطلب العمل على خيارات بديلة يمكنها أن تعالج أخطاء ما يجري في المستويين السياسي والعسكري. ويشير ذلك إلى أن إسرائيل قد تبدأ في مواجهة ما يجري من خيارات حقيقية بدءاً بقبول استراتيجية الأمر الواقع، مروراً بتهدئة الأوضاع، ووصولاً إلى شطر غزة، وانتهاءً باستراتيجية وضع القطاع تحت المراقبة أو الائتمان الدولي، ما يؤكد أن إسرائيل ستظل تطرح إشكالية استمرار القطاع بوضعه الراهن، والآن تريد إسرائيل اقتطاع المنطقة الشمالية للقطاع بشكل كامل، حيث كانت المساحة الحقيقية لغزة بحسب اتفاقية الهدنة هي 555 كيلومتراً مربعاً، اقتطعت إسرائيل 193 كيلومتراً مربعاً منها، بزحزحة خط الهدنة خلافاً لاتفاقية الهدنة الرئيسة، كما اقتطعت مساحة 34.5 كيلومتراً مربعاً تزيد في بعض المواقع إلى 60 كيلومتراً مربعاً، كمناطق محظور على أهالي المنطقة الاقتراب منها.

مشهد القوة

الواقع أن القوة الممنهجة لا يمكن أن تحل الصراع المعقد الممتد الذي قد يذهب بأمن إسرائيل واستقرارها، بل ووجودها في الإقليم، ويتطلب بالفعل قدرة على الحسم في ظل غياب القوى الضابطة للمجتمع الإسرائيلي، وإعلاء التوجه العسكري الانفعالي على أي توجه راهن، مع التقدير بأن إسرائيل ستعيش مع أي حكومة، بما في ذلك الحكومة الراهنة، في حالة من الانكسار والإخفاق الذي يتطلب إعادة قراءة المشروع الصهيوني، وما الذي أنجزه مع الاتجاه إلى بناء نظرية جديدة للأمن القومي.
في المقابل فإن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويمكن أن يكون الخط الأخضر المحدد من عام 1949 إلى عام 1967 بمثابة أساس حدود بين الدولتين.

الخلاصات الأخيرة

إن تحديد مستقبل قطاع غزة ستحكمه معايير دولية، وقد يكون عقد مؤتمر دولي لتحديد مصيره وارد، أو بدء مفاوضات عربية - إسرائيلية لحسم تلك المسألة، أم أن هناك خيارات أخرى منها تدويل شأن القطاع، ووضعه تحت الانتداب الدولي بما يقر بمرحلية الحل، واطمئنان إسرائيل إلى ما يمكن أن يجري، بخاصة أنها ستكون شريكةً في تقرير مصير القطاع، وإلا فإنها ستعبث بالبنية الديموغرافية للقطاع، وبما يمكن أن يكون مدخلاً لخيارات أخرى، تتعلق بمسار التسوية النهائية بكل ملفاتها المعقدة الأخرى.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية