كيف تُثري مضاربة إيران بالعملات المشفرة الحرس الثوري وتستنزف الدولة؟

كيف تُثري مضاربة إيران بالعملات المشفرة الحرس الثوري وتستنزف الدولة؟

كيف تُثري مضاربة إيران بالعملات المشفرة الحرس الثوري وتستنزف الدولة؟


03/07/2025

في أعقاب إعادة فرض عقوبات “الضغط الأقصى” الأمريكية عام 2018، لجأت الحكومة الإيرانية إلى العملات المشفرة ليس فقط كأداة للالتفاف على القيود المصرفية في التجارة الدولية، بل أيضاً كوسيلة استراتيجية لتمويل الجماعات التابعة لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. إلا أن ما بدأ كحلّ مبتكر تحول إلى تحدٍّ كبير؛ إذ ساهم في هروب رؤوس الأموال، والفساد الداخلي، وتفاقم أزمة الطاقة، وتعزيز قبضة الحرس الثوري القوية والمريبة على البلاد.

في عام 2022، تبنت الحكومة الإيرانية تعدين العملات المشفرة، فأصدرت تراخيص لأكثر من 10 آلاف منشأة تعدين، بالإضافة إلى تشغيل حوالي 90 منصة لتداول العملات المشفرة في جميع أنحاء البلاد. وفي عام 2024، قُدرت قيمة العملات المشفرة التي غادرت إيران بنحو 4.18 مليار دولار وفقاً لشركة تحليلات بلوكتشين “تشين أناليزيس”.

كان لهذا التحول المدعوم من الدولة نحو العملات المشفرة عواقب غير مقصودة، أبرزها تفاقم أزمة الكهرباء. في حين بدأت شبكة الكهرباء الإيرانية تعاني من نقص موسمي منذ عام 2018، احتدت المشكلة بشكل كبير مع بدء تعدين العملات المشفرة. واليوم، تواجه البلاد عجزاً في الكهرباء يصل إلى 15 ألف ميغاواط في المواسم الباردة و25 ألف ميغاواط في المواسم الحارة، مما يعيق السير الطبيعي للصناعة والحياة اليومية.

على الرغم من صدور أوامر من الحكومة بوقف تعدين العملات المشفرة خلال فترات ذروة الطلب، لا تزال هذه العمليات تستهلك ما يصل إلى 2000 ميغاواط وفقاً لوزارة الطاقة الإيرانية. وفي حين أن هذا الرقم قد يكون مبالغاً فيه، فلا شك أن إيران لا تزال واحدة من أهم مراكز تعدين العملات المشفرة في العالم.

في عام 2021، قدرت شركة التحليلات “إليبتيك” أن 4.5٪ من إجمالي تعدين البيتكوين كان في إيران. في ذلك الوقت، استُهلك حوالي 600 ميغاواط من الكهرباء لتوليد مليار دولار من عائدات العملات المشفرة السنوية. يفاقم دعم الدولة للكهرباء المشكلة، إذ تصل تكلفة تعدين بيتكوين واحد – الذي تبلغ قيمته حالياً حوالي 104 آلاف دولار – إلى 1300 دولار فقط. هذا الحافز الاقتصادي يجعل فرض قيود على التعدين شبه مستحيل.

ولا يقتصر تأثير التعدين غير المقيد للعملات المشفرة على إيران: فقد أدت الحملة الأمنية الأخيرة على التعدين غير القانوني للعملات المشفرة في مدينة الوفرة جنوب الكويت إلى انخفاض كبير في استهلاك الكهرباء، مما يؤكد التأثير الكبير للتعدين على استخدام الطاقة.

أصبح الحرس الثوري الإيراني مهووساً بتعدين العملات المشفرة، معطياً الأولوية لعملياته على المصلحة الوطنية. في عام 2021، حاولت وزارة الطاقة الإيرانية إغلاق عملية تعدين غير قانونية، لكن الحرس الثوري قاومها بالقوة. ناشدت وزارة الطاقة وزارة الاستخبارات لتقديم المساعدة، لكنها لم تتلق أي رد، مما يسلط الضوء على قدرة الحرس الثوري على الافلات من العقاب. في غضون ذلك، كشفت شركة “تشين أناليزيس” أن مضاربة الحرس الثوري الإيراني بالعملات المشفرة تدر عليه مليارات الدولارات.

بدلاً من اتخاذ إجراءات صارمة، أقر البرلمان الإيراني عام 2022 تشريعاً يمنح المؤسسات العسكرية الحق في إنشاء شبكات كهرباء خاصة بها. وقد أتاحت هذه الخطوة فعلياً للحرس الثوري الوصول إلى الكهرباء المدعومة وأجزاء من الكهرباء المجانية المخصصة للاستخدام العام، وهي موارد يمكن إعادة توجيهها إلى تعدين العملات المشفرة في ظل رقابة حكومية محدودة أو معدومة.

طلبت الحكومة مؤخراً من مراكز تعدين العملات المشفرة تركيب ألواح شمسية، وهو أمر يكلف مئات الملايين من الدولارات. عقب هذا الإعلان، نشرت وسائل إعلام تابعة للحرس الثوري تقارير عن حملات قمع شنتها قواته على عمال المناجم غير المرخص لهم، وهو إجراء يبدو أنه محاولة لتحويل انتباه الرأي العام عن مسؤولية الحرس الثوري عن أزمة الكهرباء، حيث أن مكافحة التعدين غير القانوني ليست من اختصاصه.

على عكس الآمال الأولية للحكومة، لم يُكتب النجاح لاستخدام العملات المشفرة في التجارة الخارجية. على سبيل المثال، صرح مصطفى صالحي نجاد، الأمين العام لغرفة التجارة الإيرانية القطرية المشتركة، بأن التجار الإيرانيين سيحتاجون إلى نقل الأموال أولاً إلى الإمارات العربية المتحدة لتحويلها إلى عملة مشفرة، وهي عملية ستؤدي إلى خسائر وعمولات بنسبة 20%. بالإضافة إلى ذلك، تسهم العملات المشفرة في هروب رؤوس الأموال. فوفقاً لأحدث تقرير صادر عن البنك المركزي الإيراني، غادرت 14 مليار دولار البلاد في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2024. ومنذ عام 2018، ازداد هروب رؤوس الأموال بنسبة 450%. ويبدو أن هذا مرتبط ارتباطاً مباشراً بالعملات المشفرة. كما أفادت شركة “تشين أناليزيس” بارتفاع تدفقات العملات المشفرة الخارجة من إيران بنسبة 70% في عام 2024 لتصل إلى 4.18 مليار دولار. وتزامن هذا الارتفاع مع فترات التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل، مما يشير إلى أن المواطنين العاديين وأفراد النظام يستخدمون العملات المشفرة لحماية الأصول في الخارج.

ما بدأ كحل للعقوبات برعاية الدولة تحول إلى ثغرة أمنية. أصبحت علاقة الحرس الثوري بالحكومة الإيرانية علاقة طفيلية، لا علاقة تكافلية؛ إذ يُثري الحرس الثوري نفسه بينما تتسبب أفعاله في هروب رؤوس الأموال، وانقطاع التيار الكهربائي، وتفكيك سيطرة الحكومة على الاقتصاد.

المركز العربي لدراسات التطرف




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية