"قافلة الصمود"... تسييس المعابر أو الجهل بالحقائق الجغرافية والسياسية والعسكرية

"قافلة الصمود"... تسييس المعابر أو الجهل بالحقائق الجغرافية والسياسية والعسكرية

"قافلة الصمود"... تسييس المعابر أو الجهل بالحقائق الجغرافية والسياسية والعسكرية


16/06/2025

في ظل الوضع الإقليمي المتوتر والمتخم بتعقيدات عسكرية وجيوساسية عديدة، فإنّ الاستثمار في الأزمات لا يتوقف من قبل المحاور الإقليمية التي تُعدّ حواضن لجماعة الإخوان، وقوى الإسلام السياسي، في حين تسعى إلى تحريك أو بالأحرى تجييش عناصرها واقعياً وافتراضياً عبر منصات التواصل الاجتماعي، للاستمرار في استراتيجية ابتزاز الدول المركزية، وعلى رأسها مصر، وتوريطها داخل كرة اللهب التي تلامس نقاطها الحدودية، وتضع أمنها القومي أمام تحدٍّ تاريخي. 

ما سُمّيت بـ "قافلة الصمود"، لا تعدو كونها أكثر من مجرد حيلة ساذجة لصناعة مشهد استهلاكي لكل الأطراف المشتبكة معه. فبعيداً عن الوضع غير القانوني للقافلة، وفوضويتها، بدا واضحاً تفريغ السياسي من معناه ومضمونه لصالح النشاط الحقوقي الذي يبدو مثل عمليات الربح السريعة، حيث إنّ المراهنة فقط على بازار العواطف الغرائزية بدعوى المظلومية في غزة، وذلك على حساب العقل وتغييبه.

بديهيات لا يعترف بها الإخوان

من البدهي ألّا تقبل دولة لها سيادتها بمرور أفراد أو جماعات من حدودها بدون تنسيق. لكنّ واقع الحال يؤشر إلى جوانب أخرى يتعين النظر إليها، وعدم غضّ الطرف عنها، بشأن الحمولة السياسية والإيديولوجية لهذه القافلة، لا سيّما مع التشنيع المتواصل بحق النظام المصري، والاتهامات المتواصلة والتحريضية ضده. فالدولة بمؤسساتها وكل ما تقدمه من وساطة ودور تاريخي للقضية الفلسطينية، سواء في ما يخصّ المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، أو إنهاء دوامات الصراع والحروب مع إسرائيل، ومن دون الارتهان لطرف على حساب آخر، لا تساوي شيئاً في قناعة القوى الإسلاموية، طالما لا تصطف مع منطقها البراغماتي، ومصالحها الفئوية، والأمر ذاته ينطبق مع عدم تأييد تلك المحاولة العبثية وغير المحسوبة للقافلة، والتي يقودها ناشطون زعموا أنّ تحركهم عفوي (؟!)، وهبطوا على المنطقة لفرض أمر واقع، قد يترتب عليه متغيرات جمّة، ولن يكونوا جزءاً منها أو يتحملوا مآلاتها.

"قافلة الصمود"، لا تعدو كونها أكثر من مجرد حيلة ساذجة لصناعة مشهد استهلاكي لكل الأطراف المشتبكة معه

ليس خافياً أنّ هناك رغبة محمومة ومشبوهة من أطراف عديدة تتحرى تقزيم الدور المصري، وتحوير الحقائق حول مركزيته، والتعتيم على إنجازاته، لغرض أن يظل في نطاق الاتهام وهدفاً للتشويه، بل اعتباره عائقاً في سبيل إنهاء الحصار بغزة. وتظل المعادلة هي منح أرصدة مجانية من حساب المقاومة المفتوح لتيارات الإسلام السياسي، بشقيها السنّي والشيعي، بداية من حماس مروراً بالحوثي وباقي القوى الفصائلية الولائية التي هندستها إيران في الإقليم، وتشويه أيّ أطراف لا تصطف معها. فإمّا أن نقبل بالإدارة السياسية التدميرية والتخريبية للمنطقة على طريقة ما جرى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) قبل عامين، وإمّا أن نصبح في زمن الخذلان!، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذا الزمن لم يأخذ دورته، و"الولي الفقيه" ينتظر زمناً مهدوياً آخر للدفاع عن جبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن، في حين دفع المدنيون في تلك العواصم العربية أثماناً هائلة على مستوى المدن والبشر، قتلاً وتشريداً، فضلاً عن النزوح والهرب من القصف والبيوت المدمرة المتهالكة.

تحريض فج

بالعودة إلى القافلة التي تزعم أنّها تحركت لكسر حصار غزة، وهي عبارة مبهمة وتحمل التباسات ملغزة بقدر بلاغتها المصنوعة، لتكون وسيلة تعبوية وآلة شحن ضد المعادين لها، تُعدّ امتداداً لدعاوى لم تتوقف من قوى إسلاموية عديدة، منها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وقيادات الإخوان، بين الدوحة وأنقرة ولندن. 

فالقيادي الإخواني الهارب من مصر إلى تركيا، محمد الصغير، حرّض المصريين على الوصول إلى رفح، بينما زعم بصورة فجة ومشبوهة أنّ مصر لا سيادة لها على رفح، بما يفضح الأهداف الخفية وغير المعلنة، بأنّ ثمة رغبة لزلزلة الأرض تحت أقدام النظام في مصر، وإحداث دورة عنف قصوى بين الفئات الشعبية والسلطات في مصر، ووضع الطرفين في مواجهة بدعاوى تلفيقية تتخذ صفة المظلومية، كالعادة، سواء دينية أو تاريخية، بهدف تحريك وعي غرائزي، ينجم عنه ليس عملاً سياسياً وإنّما هجمة انتحارية وموت خلاصي. لهذا قال القيادي الإخواني من إسطنبول، بينما من حوله يهتفون "الله أكبر": إن عليّ أن أعلن لكم أمراً؛ عليكم وعلى الشعوب العربية جميعاً، وأوّلاً على أهل مصر الكرام، على أبناء عمرو بن العاص أن يتحركوا إلى رفح، أن يحرروا هذا المعبر الذي احتلته مصر الآن، مصر لا سيادة لها على رفح، ثانياً على شباب مصر، على ملايين الشباب في مصر أن يتحركوا إلى معبر رفح، على شباب الأردن ألّا يقفوا في الميادين، وإنّما أن يقفوا على الحدود، إلى سوريا الحرة، إلى سوريا المحررة، إلى سوريا المجاهدة، أنتم الآن في ظل حكومة شرعية يقرّها الشرع، في ظل حكومة انتصرت بالسيف والجهاد، وإنّ فلسطين هي قرّة العين، إنّ فلسطين هي قرّة الأمة، وإنّ الشام هي القلعة لهذه الأمة، فلا بد لهذا القلب أن ينبض ثورة تتحقق في القدس". 

ذلك ما يمكن عدّه صدى لما سبق  أن صرّح به الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي محيي الدين القره داغي، وقد سعى إلى الدور التعبوي ذاته، وبعث  برسالة إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب دعاه فيها إلى مطالبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بكسر حصار غزة وإدخال المعونات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. في حين غرّد على حسابه الرسمي بمنصة (إكس): "رسالة إلى شيخ الأزهر الشريف: قدنا إلى معبر رفح رجاء ، ولا نرجع حتى ندخل غزة ونُشارك أهلنا الصامدين، وندخل معنا قوافل الإغاثة". وأعاد حديثه مطالباً الطيب بالإلحاح على السيسي لفتح معبر رفح: "لا شك أنّ موقف فضيلة أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف موقف مشرّف نشكره عليه، ولكنّه لا تكفي منه الإدانة وهو بهذا المنصب الكبير، وفي بلد يتحكم في معبر رفح، ولفضيلته فضل على رئيسه، ولا أشك أنّه يستجيب له لو ألحّ عليه".

وتابع القره داغي: "نحن في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نقف جميعاً خلف فضيلته في هذه الخطوة التي تُعدّ من واجب الوقت، والتي تليق بالعلماء، وأوّلهم أنا، حيث بمجرد موافقته طرت إليه... رأيت فضيلة شيخ الأزهر الشريف يلقي بياناً حول غزة العزة وهو متأثر جداً فيما يحدث، وهذا هو ما شجعني على هذا الطلب. فلا يخفى أنّه لا يجوز شرعاً السكوت عن هذه المحرقة الجماعية، والإبادة الشاملة، والتدمير الشامل، وقتل الآلاف من النساء والأطفال".

 الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: علي محيي الدين القره داغي

الاتحاد، الذي تشكّل ليكون ضمن مؤسسات دينية عديدة لها مزاج سياسي مؤدلج، ويقدّم وضعاً رعائياً للإخوان وقوى الإسلام السياسي، بينما يهدف إلى مزايحة الدور التاريخي للأزهر ومماثله في تونس جامع الزيتونة، له تاريخ حافل في الصمت والإذعان لجرائم عديدة لا تمنحه فوائد سياسية واستحقاقات إقليمية، مثل جرائم تركيا في شمال شرقي سوريا، وهي جرائم حرب كما وصفتها المنظمات الأممية. والمفارقة أنّ تلك الجرائم من إبادة وتهجير وتغيير ديموغرافي كانت بحق المناطق الكردية، وهي القومية ذاتها التي ينتمي إليها القره داغي. كما نأى الاتحاد بنفسه عن المناورة العسكرية التي خاضتها الدوحة مع إسرائيل قبل شهرين ومع تصاعد الأحداث في غزة، ثم فضيحة "قطر غيت" التي انكشف فيها دور اضطلع به مسؤولون قطريون بدفع أموال رشوة لمستشارين في حكومة بنيامين نتنياهو لتضخيم دورها بالداخل الإسرائيلي، وإضعاف الدور المصري بالوساطة لإنهاء حرب غزة

بالتالي، فإنّ الأحداث والملابسات والخطابات المرتبطة بالقافلة تؤشر إلى طابع سياسي دعائي، يسعى إلى استكمال سياسة الابتزاز والتشويه والتلفيق بحق الدولة المصرية لاستمرار سردية مسؤولية الأخيرة عن الحصار في غزة

شعارات تخفي أجندات سياسية

السمة الرمزية والشعاراتية في مقابل غياب برنامج إغاثي حقيقي أو خطة واضحة لتوصيل مساعدات إنسانية بشكل عملي، تكشف عن الأهداف التي تبحث عن مكاسب سريعة، وتهافت على الصخب الإعلامي والسياسي. فخطابات رموز الجماعة، في إسطنبول أو لندن أو قطر، لم تألُ جهداً في التحريض العلني على القاهرة، واتهام النظام بالتواطؤ مع الاحتلال، وتحميله مسؤولية دماء أطفال غزة، في تجاهل كامل للحقائق الجغرافية والسياسية والعسكرية.

كما أنّ تسييس المعابر، وتجاهل الضغوط التي تواجهها مصر، أمنياً، على حدودها مع قطاع غزة، وفي مناطق حدودية أخرى، لا يبدو عفوياً، بل مقصوداً ومتعمداً، وضمن محاولات تحريف للواقع، لبناء مشهد مصنوع وانتقائي، يتجاهل إدخال المساعدات، واستقبال الجرحى، والوساطة في وقف إطلاق النار. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية