إسرائيل تخشى طموح إيران الإقليمي أكثر من "النووي"

إسرائيل تخشى طموح إيران الإقليمي أكثر من "النووي"


كاتب ومترجم فلسطيني‎
29/04/2021

لم تفلح إسرائيل في جهودها لإفشال محادثات فيينا، التي انطلقت في 6 نيسان (أبريل) الجاري، لإعادة إحياء الاتفاق النووي بين طهران وأمريكا والدول الأوروبية الكبرى، فبعد محاولات الضغط التي مارستها إسرائيل على الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي طالبت من خلالها بعدم تخفيف الضغوط على طهران والامتناع عن العودة إلى الاتفاق النووي، إلا أنّ إسرائيل صدمت بخيبة أمل كبيرة، بعد التقدم في العديد من الملفات العالقة خلال المحادثات الجارية.

"التهدئة، لا المصالحة، هي العنوان الأنسب لوصف العلاقة بين إسرائيل وإيران حالياً، كبديل عن المواجهة والتصعيد في حال وقّعت الدول الكبرى اتفاقاً مع طهران

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، خطيب زادة، إنّ "محادثات فيينا لإحياء الإتفاق النووي تشهد تقدماً كبيراً، في حين تسير الأمور على المسار الصحيح، لكن لا يعني ذلك أنّ الجانبين وصلا إلى اتفاق نهائيّ"، مضيفاً أنّ "إيران تريد أن ترى نتائج عملية لمحادثات فيينا، كتنفيذ واشنطن لشروط الاتفاق النووي، خاصة رفع العقوبات المفروضة عليها".

اقرأ أيضاً: هل ستتطور الهجمات البحرية بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة مفتوحة؟

وتوقّع مسؤولون إسرائيليون أن تؤدّي المفاوضات الجارية في فيينا، إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المبرَم عام  2015، فيما يخيّم القلق على الحكومة الإسرائيلية إزاء احتمالية عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، بينما ما تزال إسرائيل تقاتل من أجل منع إدارة بايدن من التوصل إلى أيّ اتفاق مع إيران.

استياء أمريكيّ من إسرائيل

ونقلت الإدارة الأمريكية رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية، عبّرت فيها عن استيائها من الهجمات الإسرائيلية ضدّ أهداف إيرانية، في موازاة بدء حوار غير مباشر بين واشنطن وطهران في فيينا بوساطة دول أوروبية، فيما تبدو إسرائيل، والتي سعت لإفشال المحادثات، غير راضية عن التقدم في المفاوضات، وهو ما يجعل إسرائيل لوحدها في مواجهة إيران.

وبحسب تقرير صادر عن "معهد الأمن القومي" في إسرائيل؛ "فرغم رغبة الجانبين، في واشنطن وطهران، في التوصل إلى اتفاق كهذا، إلا أنّ الطريق إلى هناك مليئة بعقبات، إضافة إلى أنّ إيران ستواجه انتخابات، في 18 حزيران (يونيو) المقبل، وربما تغيّر نتائجها مسار المحادثات وصولاً إلى انهيارها".

وقال الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي، عاموس هرئيل؛ إنّ "الولايات المتحدة بموجب كافة المؤشرات عازمة على الاستمرار في المحادثات الدبلوماسية، بهدف توقيع اتفاق جديد، وهذا هو الهدف الذي وضعه جو بايدن لدى توليه منصبه"، مشيراً إلى أنّ "الاتفاق بات قريباً وقد يتبلور خلال أسابيع".

ردّ إيراني على إسرائيل

وحذّر الكاتب هرئيل، من تراكم هجمات إسرائيلية قد تلزم إيران بردّ عليها الآن أو لاحقاً، مضيفاً: في الوقت نفسه يوجد هناك هدف إستراتيجياً تصرّ القيادة الإيرانية على تحقيقه، وهو عودة أمريكية إلى الاتفاق النوويّ ورفع العقوبات المفروضة على إيران، وضمان اتفاق لا يضع قيوداً صارمة للغاية على البرنامج النووي.

وقالت صحيفة "إيديعوت أحرونوت" إنّ "المجلس الوزاري الأمني المصغّر في إسرائيل، عبّر عن بالغ استيائه من المفاوضات الجارية في فيينا"، معتبراً ما يعرضه الأمريكيين من تنازلات تجاوزت ما تريده إيران بهدف التوصل إلى اتفاق بأيّ ثمن، فيما باتت إيران مطمئنة بأنّه في نهاية المطاف سيتم التوصل إلى اتفاق، وعليه تبذل كلّ جهودها لتحقيق أكثر ما يمكن من الإنجازات".

اقرأ أيضاً: كيف سيشكل الامتناع عن التعاون مع المحكمة الجنائية ضرراً لإسرائيل؟

وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم": إنّ "الحكومة الإسرائيلية تواجه انتقاداً كبيراً إزاء سياساتها في المسألة الإيرانية، ومن المفضل طرح بديل بتبني سياسة "أقعد ولا تفعل شيئاً"، على أمل أن ينقضي التهديد الإيراني من تلقاء ذاته، أو أن تعالجه واشنطن نيابةً عن إسرائيل، فيما يجدر الاعتراف بأنّ السياسة الإسرائيلية في العقود الأخيرة، نجحت في تأخير طريق إيران نحو النووي وكبح تموضع طهران في سوريا، لكنّ الحديث يدور عن كبح وليس عن توقّف تام".

التأثير على المفاوضات

ودعا رئيس لجنة الطاقة الذرية سابقاً في إسرائيل، جدعون فرانك، تل أبيب إلى التركيز على محاولات التأثير في مواقف الولايات المتحدة من المفاوضات الجارية، وليس على تثبيت حقائق على الأرض، فيما يرى فرانك؛ أنّ رفع إيران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المئة، لا يعني أنّ إيران وصلت إلى القنبلة النووية، فالوصول إليها يحتاج إلى تشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي من الطراز الجديد. 

في سياق ذلك، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي ومدير مركز "مسارات" للدراسات، نهاد أبو غوش إنّ "إسرائيل ليست وحدها، ولم تكن يوماً لوحدها في مواجهة إيران، لكنّها تلعب دوراً كبيراً بالتوافق والانسجام مع قوى محافظة في الغرب لمواجهة إيران، كما أنّ لإسرائيل زاويتها الخاصة والإقليمية للنظر إلى إيران، بخلاف النظرة الكونية للولايات المتحدة".

 المختص في الشأن الإسرائيلي ومدير مركز "مسارات" للدراسات، نهاد أبو غوش

ويضيف أبو غوش، في حديثه لـ "حفريات": "إسرائيل تسعى دائماً إلى تضخيم وتهويل خطر النووي الإيراني، وذلك سعياً للتملص من أية استحقاقات سياسية تجاه القضية الفلسطينية، كما تسعى لإبقاء الشأن الأمني والعسكري طاغياً ومتصدراً لملفات الشرق الأوسط، وكذلك لجلب مزيد من المساعدات والدعم العسكري والمالي، وغضّ النظر عن انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الفلسطينيين، واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية". 

تواصل الهجمات الإسرائيلية

ويشير المختص في الشأن الإسرائيلي: "إسرائيل لا يمكن أن تنفرد باتّخاذ قرارات إستراتيجية تجاه إيران دون الرجوع لأمريكا، فهي لن تغامر بعلاقاتها ومكانتها عند الولايات المتحدة، وهي رأسمالها الأعلى، وفي حال وقّعت واشنطن اتفاقاً مع طهران، فإنّ إسرائيل في الأغلب ستواصل هجماتها وتحرشاتها بإيران، لكن ضمن هوامش متفاهم عليها مع الولايات المتحدة، أي ضربات نوعية وذات طابع أمني وسيبراني، لكن دون التورّط في مواجهة مفتوحة".

اقرأ أيضاً: انسداد سياسي في إسرائيل يهدّد بالتوجه إلى انتخابات خامسة

ويوضح أبو غوش: "مشكلة إسرائيل مع إيران ليست في القدرات النووية والسلاح النووي"، وإنما في طموح إيران لأن تكون قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة، وهي بذلك تنافس إسرائيل على مجالها الحيوي، لذلك إسرائيل تريد التعايش مع محيط عربي وإسلامي مسالم وضعيف، ومعتمد على الغرب، بالتالي، يتعايش هذا المحيط مع إسرائيل ضمن علاقات طبيعية، ويكون لإسرائيل مكان الصدارة العسكرية والتكنولوجية".

المحلل السياسي نهاد أبو غوش لـ"حفريات": مشكلة إسرائيل مع إيران ليست في القدرات النووية والسلاح النووي، وإنما في طموح إيران أن تكون قوة إقليمية مؤثرة

وبسؤاله عن محاولات إيران تطوير سلاحها النووي سرّاً، حال وقّعت على اتفاق مع أمريكا ضمن المحادثات الجارية في فيينا، أجاب أبوغوش بأنّه "من المستبعد أن تقدم إيران على تطوير السلاح النووي، ففي حال وقّعت طهران الاتفاق، فستصبح كلّ نشاطاتها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى أنّ إيران ما تزال بعيدة جداً عن ذلك، سواء من جهة نسبة تخصيب اليورانيوم والكميات، أو طبيعة ونوعية أجهزة الطرد المركزي".

إلى ذلك، ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية؛ أنّ إسرائيل تواجه صعوبات في التأثير على إدارة بايدن حيال موقفها من الاتفاق النووي مع إيران، إلى جانب أنّ هناك امتعاضاً وقلقاً إسرائيلياً من واشنطن بسبب الكشف مؤخراً عن الدور الإسرائيلي في ضرب السفينة الإيرانية "سافيز"، والكشف عن استهداف إسرائيل لعشرات السفن الإيرانية في عرض البحر منذ عام 2019.

تعارض أمريكي إسرائيلي

في إطار ذلك، بيّن المختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات؛ أنّ "الموقف الإسرائيلي يتعارض كثيراً مع موقف إدارة بايدن حيال ملف النووي الإيراني، في ظلّ رغبة إسرائيل بعدم وجود أيّ اتفاق أو حلول لمشكلة النووي بالتفاوض، لاعتبارات لها أبعاد سياسية، وليست أمنية وعسكرية، على اعتبار أنَ الملفّ النووي الإيرانيّ ورقة تمّ استثمارها من قبل إسرائيل، وذلك لحرف مسار الصراع في المنطقة".

المختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات

وأشار شبات، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "أمريكا ستجبر إسرائيل على منع توجيه ضربات ضدّ أهداف إيرانية دون التنسيق معها، في ظلّ رغبة أمريكا لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط ومنع وقوع أيّ صدام عسكريّ، لأنّ ذلك يعرّض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر، لكنّ أمريكا ستتفهم بعض الخطوات التي ستقدم عليها إسرائيل، خاصّة ضدّ التموضع الإيرانيّ في سوريا".

وأوضح شبات؛ أنّ "ما يقلق إسرائيل من نتائج المحادثات، هو رفع العقوبات عن إيران وتحسين ظروفها الاقتصادية، فتحسّن الواقع الاقتصاديّ سينعكس إيجابياً على حلفاء إيران، وهو ما سيشكّل ضرر بعد عودة إيران تقديم الدعم السّخي لحركات المقاومة، خاصّة في لبنان وفلسطين، وهذا الدّعم سيعزز قوة المقاومة العسكرية في مواجهة إسرائيل، بعد أن تراجع لسنوات نتيجة العقوبات المفروضة على إيران". 

علاقات تاريخية

وأضاف: "إسرائيل وأمريكا تربطهما علاقات عميقة وتاريخية، لكن هناك خلافات حول وجهات النظر بينهما، فيما يخصّ الملفّ النوويّ الإيرانيّ، وهذه الخلافات لا يمكن أن تصل إلى حدّ القطيعة بين الجانبين، لكنّ إدارة بايدن باتت قلقة من رفع طهران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المئة، وترى أمريكا أنّ إيران تقترب من استخدام اليورانيوم في الصناعات العسكرية، لذلك المعالجة تكمن في المفاوضات لا في القطيعة والحصار".

اقرأ أيضاً: هل يُسقط الإسرائيليون نتنياهو في المعركة الانتخابية الرابعة؟

ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي؛ أنّ "التهدئة، لا المصالحة، هي العنوان الأنسب لوصف العلاقة بين إسرائيل وإيران حالياً، كبديل عن المواجهة والتصعيد في حال وقّعت الدول الكبرى في أوروبا وأمريكا اتفاقاً مع طهران، خاصة أنّ ثمة قضايا إقليمية كثيرة ما تزال مشتعلة، فالتصعيد والمواجهة ليسا من مصلحة أحد، وذلك مع تعدّد واتّساع نقاط الاحتكاك بين إيران وإسرائيل".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية