كيف أظهرت حرب غزة الوجه الخفي للإخوان والقوى الإسلاموية؟

كيف أظهرت حرب غزة الوجه الخفي للإخوان والقوى الإسلاموية؟

كيف أظهرت حرب غزة الوجه الخفي للإخوان والقوى الإسلاموية؟


10/04/2025

ما تزال تداعيات عملية ما عُرف بـ "طوفان الأقصى" تثير حالة من الاستقطاب بفعل الأجواء المحتدمة المنبعثة من قوى الإسلام السياسي. ولا تكفّ هذه القوى والجماعات عن ممارسة الانتهازية في تعاطيها البراغماتي تجاه الحرب التي أشعلتها حركة حماس، مثلها مثل كل المواقف المماثلة من المسألة الفلسطينية، بداية من محاولة الاحتماء بالقضية واعتبارها الممثل الشرعي للدفاع عن "مقدسات الأمة"، مروراً بابتزاز القوى العربية المعتدلة التي تتخذ مواقف سياسية نحو حلحلة الصراع، وكسب مواقف عقلانية على أرضية من التفاوض والتفاهم السياسيين، منها مصر، حتى رغبتها في تعويم نفسها والقفز على السلطة بهذه الورقة التلفيقية التي تمنحها الشرعية.

محاولات التعويم السياسي

مع اندلاع الحرب في غزة إثر هجمات حماس على إسرائيل، وجدت قوى الإسلام السياسي، على اختلاف مرجعياتها وتنوعها الحركي، الفرصة أمامها لتعويم نفسها والترويج لخطابها بعد نبذها المجتمعي والسياسي في المنطقة، خاصة في البلدان التي وصلت فيها إلى الحكم، وتكشفت "عشرية سوداء" عانى فيها المواطنون من القمع والعنف وصل إلى حدّ اغتيال الخصوم السياسيين كما في مصر، وفي تونس مع القياديين اليساريين بتونس شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بينما في مصر كان الواقع أسوأ، فقد ارتكبت الجماعة المصنفة إرهابية عمليات إرهابية عنيفة طالت قوات الشرطة والجيش والقضاء. وهذا العنف الدموي بدا سبباً قوياً في عدم انجذاب الجماهير للخطاب الإيديولوجي والمسيس للإسلامويين مع حرب غزة، أو الاستجابة لدعواتهم، أو الوقوع في أفخاخ شائعاتهم.

 القياديان اليساريان-الراحلان- بتونس: شكري بلعيد ومحمد البراهمي

ويبدو أنّ وقوع الإخوان تحديداً في الترويج للعنف، رغم محاولات التعمية عن دورهم أو ميلهم للعمل المسلح، يتأتى نتيجة غياب الحاضنة لأفكارهم ومقولاتهم، بما يكشف عن الجانب الخفي والحقيقي. وعليه، لم يكن مفاجئاً دعوات ما يُعرف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى حمل السلاح و"الجهاد". فقد سبقت دعوة الاتحاد، المعروف بصلاته بالتنظيم الدولي للإخوان ويقوده محي الدين القره داغي، عدة بيانات صادرة عن الأمانة العام للإخوان تحضّ بشكل واضح ومباشر على العنف، وتعتمد على الآيات القرآنية التي توظفها لغايات حربية مقدّسة. ففي النصف الثاني من آذار (مارس) الماضي صدر بيان الإخوان: "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ" (التوبة - 14)". وقال البيان: "ما تزال أمريكا غارقة في أوهام الإمبراطوريات البائدة، غير مدركة أنّ العصر قد تبدّل وأنّ طوفان المقاومة قد اجتاح العالم، ولن توقفه غطرستها التي تتوهم بها أنّها إله في الأرض، تفرض كلمتها بالحديد والنار. فمنذ أكثر من عام ونصف عام وهي شريكٌ في إبادة أهل غزة، تدعم الصهاينة بالسلاح والمال والغطاء السياسي، وها هي اليوم تعلن حربها المباشرة على المسلمين في اليمن، تقصف صنعاء والحديدة، ظنًا منّها أنّها تستطيع كسر إرادة الأمة".

وتابع: "لكنّ المتغطرس الأمريكي لم يتعلم دروس التاريخ، ولم يستوعب حقيقة أنّ عقيدة المقاومة لا تهزم ولا تنكسر. لقد رأوا ذلك في فيتنام، ثم في العراق وأفغانستان، وها هم يشهدونه اليوم في غزة، حيث خرجوا ومعهم تحالفهم وكيانهم السرطاني مدحورين من كل أرض حاولوا إخضاعها وتركيع أهلها. وتلك توابيت قتلاهم تشهد وما هي منهم ببعيد. إنّ دماء المسلمين واحدة متكافئة، لا فرق بين دماء أهل فلسطين وأهل اليمن، وإنّ كل أرض إسلام تُدنس هي أرضنا التي وجب الدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة وموارد وطاقات، وهكذا فعل أهل اليمن لنصرة غزة منذ اليوم الأول للطوفان، فما كان من المتغطرس الأمريكي إلا أن وجّه نيرانه إليهم، ليبرهن مرة أخرى أنه عدوٌ لكل من يرفض هيمنته. وفي الوقت ذاته تنكشف خيانة أنظمة العمالة، وعلى رأسها دويلة الإمارات، التي تفتح أراضيها للمستوطنين الصهاينة، وتشارك في التآمر على فلسطين واليمن، بينما تتواطأ باقي الأنظمة العربية وتصمت على قصف بلد عربي مسلم".

وختم بيانه قائلاً: إنّ "المكتب العام للإخوان المسلمين يؤكد أنّ الرد على هذا العدوان يجب أن يكون شاملًا وحاسمًا، فلا يأمن العدو حتى يأمن أهلنا في كل مكان من غزة حتى صنعاء. وإنّ استهداف المصالح الصهيونية والأمريكية في كل مكان واجبٌ على الأمة، حتى يدرك العدو أنّ هذه أمة لا تُستباح أراضيها ولا يُستضعف أهلها، وأنّها حين يشتكي منها عضو تتداعى كلها بالنفرة والتضحية والفداء".

 رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: علي محيي الدين القره داغي

المتاجرة بفلسطين نهج دائم

يمكن القول إنّه كلما تراجعت شعبيّة الإخوان، كما هو الشأن في تونس أو المغرب حيث تواجه الإسلامويّة صعوبات انتخابية وسياسية واجتماعية عدة، تعيد الحرب في الأراضي الفلسطينية وخاصة قتل الأطفال والمدنيين العُزّل في المدارس والمستشفيات الحياة لحركات الإسلام السياسي ولشعاراتها وإيديولوجيتها. فمنذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 صار الناطقون باسم كتائب القسام، وخاصّة الملقب بأبي عبيدة الملثم، حديث شبكات التواصل الاجتماعي جالبًا لاهتمام النساء والأطفال، على أساس أنّه يمثل الشجاعة والبطش والفروسية والتحدي، حتى أنّه أنشئت مجموعات تحمل اسم عاشقات أبو عبيدة، غرضها استقطاب النساء لجهاد النكاح، وقد تكون هذه المجموعة على الأغلب سخرية أو احتيالًا، ولكن المهمّ بالنسبة إلينا بيان كيفية تأثير صورة المحارب/ البطل وتحوله إلى "نجم" وجاذبيته للنساء والمراهقين بما يؤثر إيجابيًّا على استمالة هؤلاء للإيديولوجية التي يحملها ويقاتل تحت رايتها، وهي الإيديولوجيا الإسلاموية، كما توضح الباحثة زينب التوجاني.

وتقول في دراسة بعنوان: تداعيات الحرب في غزّة على جماعة الإخوان: رتق الشرعيّة أم المعركة الأخيرة؟": إنّه كما تعيد الحرب الدائرة على المدنيين الأبرياء الضوء إلى "الرموز الدينية" عمومًا؛ كالقرآن والصلاة والمساجد والآيات التي تخفف البلاء والأدعية ومعتقدات الجنة والشهادة والتخفيف من عذاب الآخرة، وغير تلك الأفكار الدينية؛ فأمام الموت وفي غياب كل قوة في الميدان حيث لا عتاد ولا ماء ولا دواء ولا تجهيزات ولا حتى كهرباء، تخفّف هذه المعتقدات الألم والحداد، وتهب القوة لمواصلة الحياة للأحياء الذين نجوا من الموت، ولكنّهم بقوا شاهدين على بشاعة القصف والقنابل والدمار، فالعامل الديني يلعب دورًا مهمًّا في أثناء الحرب.

المقاومة حق أريد به باطل

كما أنّ التنظيمات الجهادية التي تقاتل على أرض غزة، حاملة خلفية إخوانية تتغذى من قوة الدين لمواجهة الموازين غير المتكافئة في الحرب، بحسب الدراسة المنشورة في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وهي تقاتل لأسباب موضوعية دنيوية معلومة، كالحصار المضيق على غزة الممتد منذ سنوات عدة، والذي جعل من غزة سجنًا كبيرًا، وكالتوسع الاستيطاني الذي تعدّه الأمم المتحدة اعتداء على القوانين الدولية، ومع ذلك يتفاقم كل يوم من دون عقاب وبموافقة السلطة الإسرائيلية، وكمحاولة استرجاع الأسرى واستبدالهم في صفقة تحرر أكبر عدد ممكن من السجون الإسرائيلية، ولكنّ العنوان الذي تحت شعاره انطلقت عمليات حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) كان دينيًّا، وهو "طوفان الأقصى"، ويحمل هذا العنوان دلالات دينية معلومة تتمثل في ما تعنيه قصة طوفان نوح من تطهير للكون من الـ "كفار" وترك الأخيار وتجديد للعالم، فهذا الشعار يقع في قلب الفكر الثنائي القائم على مؤمنين/ كفار ومفاهيم كالتطهير والاستئصال. ومن الواضح أنّ العمليات، وإن كانت دفاعًا عن حق الفلسطينيين في قطاع غزة في الحياة والعيش الكريم وحقهم في أرضهم، فإنّها جرت تحت شعار في صميم الإيديولوجية الإخوانية. وهو الأمر الذي نعدّه إحياء جديدًا لتلك الأفكار وجذبًا للمزيد من الأجيال التي ترى فيما يجري في غزة ظلمًا وقهرًا لشعب لا يستطيع أن يدافع عن حقه في الحياة، ويرى في المقاتلين أبطالًا ينتقمون لتلك المشاعر اليائسة لملايين المسلمين حول العالم الذين يشاهدون عاجزين كيف يُقصف الأطفال وتُهدم المساجد والبيوت.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية