المدارس القرآنية في تونس تثير الجدل مجدداً.. ما القصة؟

المدارس القرآنية في تونس تثير الجدل مجدداً.. ما القصة؟

المدارس القرآنية في تونس تثير الجدل مجدداً.. ما القصة؟


31/01/2023

ما تزال حوالي (4) آلاف جمعية ومدرسة قرآنية ومعهد شرعي وفروع لتنظيمات إسلاموية، على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تواصل نشاطها في تونس، برغم الحملة التي قادتها السلطات وأغلقت بموجبها عشرات المدارس القرآنية "المشبوهة"، وتم إيقاف عدة أشخاص بتهمة "الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال والاعتداء بالعنف والاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي".

وعقب الثورة، تنامى عدد الجمعيات ذات التوجهات الدينية والدعوية في تونس، وينشط معظمها تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي في إطار المرسوم رقم (88) الصادر في 24 أيلول (سبتمبر) 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات.

وقد عاشت تونس خلال العشرية الماضية وضعاً خطيراً جداً يتعلق باستقطاب الأطفال والشباب وتوجيههم نحو التطرف والإرهاب والتكفير والسفر نحو بؤر التوتر، حيث وفرت حركة النهضة والحكومات الموالية لها، والإسلام السياسي بصفة عامة، نوعاً من الحماية لتلك المؤسسات والسماح لها بممارسة أنشطتها بكل أريحية.

تواصل المخاوف من أدلجة الأطفال

إلى اليوم تتخوف المنظمات المدنية من نشاط بعض المدارس القرآنية، وقد طالب "المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة" في بيان بـ "إغلاق الجمعيات والكتاتيب والمدارس المسمّاة بالقرآنية العشوائية".

وشدد البيان على ضرورة مراقبة الجمعيات الناشطة في هذا المجال، التي تعمل على "أدلجة أطفالنا وشبابنا بأموال مشبوهة، قصد تكوين إرهابيي المستقبل، خصوصاً منها جمعية "علماء المسلمين" المصنفة إرهابية في العديد من دول العالم"، متسائلاً إن كانت الكتاتيب التي تُشرف عليها مؤسسات الدولة التونسية "تقوم بأدلجة أطفالنا وشبابنا بأموال مشبوهة قصد تكوين إرهابيّي المستقبل".

 تنامى عدد الجمعيات ذات التوجهات الدينية والدعوية في تونس

وأشار إلى أنّ "المحتوى البرامجي الذي تقدّمه هذه الجمعيات القرآنية غير مراقب، ونحن نطالب السلطة بمراقبته أو بإغلاقها، لما تمثله من خطر على الأطفال وأجيال المستقبل".

ونفى المرصد في تصريحات على لسان أعضائه أن يكونوا ضد تحفيظ القرآن للأطفال، لكنّهم يطالبون بـ "فصل الدين عن السياسة"، و"تحفيظ الأطفال ما يتماشى مع أعمارهم، وترسيخ قيم المواطنة والتسامح والاعتدال، علاوة على الرياضة والموسيقى والأناشيد".

وكانت الجامعة العامة للشؤون الدينية، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، قد عبّرت في بيان لها ردّاً على ذلك، عن "استنكارها لما ورد في بيان المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة من "تشويه لقطاع الكتاتيب ووصفه بالمشجع على الإرهاب، وتشبيهه ببعض التنظيمات والجمعيات المشبوهة والمصنفة عالمياً بالإرهابية".

عاشت تونس خلال العشرية الماضية وضعاً خطيراً جداً يتعلق باستقطاب الأطفال والشباب وتوجيههم نحو التطرف والإرهاب والتكفير

وأكد الكاتب العام لجامعة الشؤون الدينية عبد السلام العطوي، في تصريح صحفي لوسائل إعلام تونسية، أنّه لا وجود لمصطلح "كتاتيب عشوائية"، وأنّ "الكتاتيب موجودة في تونس منذ الستينيات تقريباً، ومنظمة بقوانين، ولها دليل توجيهي، وبيداغوجي، ويشرف عليهم متفقدون، وتتابعهم إدارة تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية".

انفلات بعد الثورة

بعد 2011 انتشرت الجمعيات الناشطة في العمل الخيري، وتم بعث العديد من الجمعيات القرآنية تحت عنوان حرية التنظيم، في امتداد لحالة عامة من الانفلات الذي شهدته البلاد بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، ومنها انفلات المؤسسات التربوية الدينية.

كما ظهر العديد من المدارس القرآنية الخارجة عن القانون، التي لا تحترم قوانين الدولة، والخاضعة لتسيير أشخاص أو جمعيات لا تملك القدرة البيداغوجية لتقديم الدروس أو تأطير الأطفال، إضافة إلى خروج مئات الجوامع والمساجد عن سيطرة الدولة، قبل أن تسترجعها بعد أعوام، ممّا دفع بكثير من المنظمات للتنبيه إلى خطورة التماس بين الديني والسياسي.

وفي كانون الثاني (يناير) 2019 تصاعد الجدل في الأوساط التونسية إثر الكشف عن مدرسة قرآنية عشوائية في مدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، تلقّن الأطفال أفكاراً داعشية متطرفة، وتعاملهم معاملة سيئة في ظروف صحية قاسية.

مطالب بوقف نشاط المدارس القرآنية ذات الأنشطة المشبوهة

وردّت السلطات وقتها بالقيام بحملة أغلقت بموجبها عشرات المدارس القرآنية المشبوهة، وتم إيقاف عدة أشخاص بتهمة "الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال والاعتداء بالعنف والاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، حسب بيان صدر عن وزارة الداخلية في ذلك الحين.

وعملت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، والماسكة بزمام السلطة بعد 2011، على نشر المدارس القرآنية لتكريس ثقافة إسلامية أصيلة، بديلاً لما كانوا يعتبرونه ثقافة علمانية غربية سائدة.

خلال فترة حكم حركة النهضة كان هناك (47) ألف طفل، دون عمر الـ (6) أعوام، يدرسون في الكتاتيب

وكان الباحث التونسي رضا التليلي قد كشف في تصريحات سابقة لموقع "ميدل إيست أونلاين" أنّه يوجد بتونس ما يقارب (1800) مدرسة قرآنية (كُتّاب) تابعة لوزارة الشؤون الدينية، وحوالي (600) أخرى تتبع الرابطة التونسية للدفاع عن القرآن الكريم، و(300) جمعية قرآنية إسلامية، و(600) مدرسة قرآنية تابعة لجمعيات خيرية، فضلاً عن مدارس قرآنية عشوائية.

وقدّر التليلي عدد المستفيدين من هذه المدارس والمعاهد والجمعيات القرآنية غير المراقبة بالشكل المطلوب بـ (55) ألف منخرط في تونس العاصمة فقط.

فروع محلية لجمعيات قرآنية

هذا، وينتشر العديد من الجمعيات القرآنية في مختلف مناطق الجمهورية تحت إشراف الرابطة الوطنية للقرآن الكريم، التي تمثل امتداداً للجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم التي تأسست عام 1968، وتغيّر اسمها عام 1988، لتصبح رابطة الجمعيات القرآنية عام 2011.

وتخضع الرابطة الوطنية للقرآن الكريم لأحكام المرسوم عدد (88) المؤرخ في 24 أيلول (سبتمبر) 2011، المتعلق بتنظيم الجمعيات، الذي "يضمن حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها".

وبحسب موقع الرابطة على الإنترنت، فهي ذات "صبغة علمية وتربوية واجتماعية، وهي مستقلة عن أيّ جهة سياسية، ومفتوحة لكل الراغبين ولكل من يريد طلب علوم القرآن الكريم والسنّة النبوية ونشر الأخلاق الحميدة من خلال (24) فرعاً جهوياً و(600) فرع.

تؤكد المعطيات الرسمية وجود (22076) جمعية حتى كانون الأول (ديسمبر) 2018

وبحسب إحصائيات غير حديثة خلال فترة حكم حركة النهضة، كان هناك (47) ألف طفل، دون عمر الـ (6) أعوام يدرسون في الكتاتيب، وهي أماكن أولية لتعليم الناشئة القرآن الكريم والدين ومبادئ القراءة والكتابة والخط والحساب، ويبلغ عددها (1664) كُتّاباً، في حين يتخفى العديد من المدارس القرآنية تحت نشاط جمعيات.

وتؤكد المعطيات الرسمية وجود (22076) جمعية حتى كانون الأول (ديسمبر) 2018، من بينها أكثر من (310) جمعيات مهتمّة مباشرة بتحفيظ القرآن الكريم في إطار الجمعيات الناشطة، في المجال الثقافي والعمل الخيري، التي يصل عددها إلى (11245) جمعية.

بعض هذه المدارس، على غرار مدرسة الرقاب، تعمل ضمن جمعية تملك رخصة قانونية، لكنّ النشاطات التي تقوم بها تخالف القانون، إضافة إلى وجود أموال طائلة في حساب صاحبها المتهم بالإرهاب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية