عميد مسجد باريس الكبير يتبرأ من الإخوان ويرفض وصم المسلمين

عميد مسجد باريس الكبير يتبرأ من الإخوان ويرفض وصم المسلمين

عميد مسجد باريس الكبير يتبرأ من الإخوان ويرفض وصم المسلمين


26/05/2025

في تصريح لافت أصدره عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حافظ، يوم الخميس الماضي، أعرب عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بـ "وصم" المسلمين في فرنسا، في سياق حملة مكافحة الإسلام السياسي. 

وفي بيان رسمي نقلته وكالة (فرانس برس)، أكد حافظ أنّ المسجد الكبير دافع دومًا عن رؤية وسطية للإسلام، تتماشى مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، نصوصًا وروحًا، رافضًا أيّ محاولات لاستغلال الدين لأغراض سياسية تستهدف زعزعة الوحدة الوطنية. 

هذا التصريح يفتح النقاش مجددًا حول قضية حساسة تشغل الرأي العام الفرنسي، وهي العلاقة بين الإسلام والدولة، وسط توترات سياسية واجتماعية متصاعدة.

سياق سياسي واجتماعي مشحون

يأتي بيان حافظ في وقت تشهد فيه فرنسا نقاشات محمومة حول مفهوم "الإسلام السياسي"، وهو مصطلح أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. وخلال الأعوام الأخيرة  اتخذت الحكومة الفرنسية إجراءات صارمة لمواجهة ما تعتبره تهديدات للعلمانية والوحدة الوطنية، بما في ذلك إصدار قانون "مكافحة الانفصالية" عام 2021، الذي أُعيد تسميته لاحقًا بـ "قانون تعزيز مبادئ الجمهورية". هذا القانون، الذي أثار انقسامات حادة، يهدف إلى مواجهة التطرف الديني، لكنّه أثار مخاوف من استهداف الجالية المسلمة بشكل غير عادل.

في هذا السياق يبرز موقف عميد مسجد باريس الكبير كصوت بارز، يسعى للتوفيق بين الدفاع عن حقوق المسلمين والتأكيد على الالتزام بقيم الجمهورية. ويُعدّ المسجد الكبير الذي تأسس عام 1926 رمزًا تاريخيًا للإسلام في فرنسا، ومؤسسة تحظى باحترام واسع لدورها في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.

 عميد مسجد باريس الكبير: شمس الدين حافظ

رفض الوصم وانتقاد الأجندة الإخوانية

في بيانه، شدد حافظ على أنّ المسجد الكبير يرفض أيّ محاولات لتحويل النضال المشروع ضد الإسلام السياسي إلى أداة لاستهداف المسلمين ككل. وأشار إلى أنّ مثل هذه الممارسات تخدم "أجندات سياسية معينة" تهدف إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع الفرنسي. واستنكر البيان ما وصفه بـ "بناء مشكلة إسلامية"، محذّرًا من "التطور الخبيث لخطاب تمييزي غير مقيّد"، يُسهم في تهميش المسلمين وتعزيز الصور النمطية السلبية ضدّهم.

هذا الموقف يعكس قلقًا متزايدًا بين قادة الجالية المسلمة في فرنسا من أنّ السياسات الحكومية، رغم أهدافها المعلنة في مكافحة التطرف، قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فبدلًا من تعزيز الاندماج، قد تُغذي هذه السياسات شعورًا بالاغتراب لدى المسلمين، ممّا يُعيق جهود بناء مجتمع متماسك. وهو الأمر الذي تؤدي إليه سياسات الإخوان المسلمين التي تسعى لفصل المسلمين عن المجتمع من أجل التمكين.

الإسلام السياسي: مفهوم مثير للجدل 

مصطلح "الإسلام السياسي" نفسه يُعدّ محور نقاش مُعقد. ففي حين ترى الحكومة الفرنسية أنّه يمثل تهديدًا للعلمانية من خلال محاولات فرض قيم دينية على الفضاء العام، يرى آخرون أنّ المصطلح يُستخدم بشكل فضفاض لتشويه صورة الإسلام بشكل عام. وفي هذا الصدد يبدو أنّ حافظ يسعى إلى فصل واضح بين الإسلام كدين وممارسة روحية، وبين أيّ استغلال سياسي له، مؤكدًا أنّ المسجد الكبير يقف ضد أيّ محاولات لتوظيف الدين لأغراض سياسية.

ردود الفعل: بين التأييد والانتقاد

لم يمرّ بيان حافظ دون أن يثير ردود فعل متباينة؛ فمن جهة تلقى تأييدًا من منظمات مدنية وجمعيات إسلامية وسطية، ترى أنّ الخطاب السياسي في فرنسا قد يتجاوز حدوده من مكافحة الإخوان إلى استهداف المسلمين. وأشارت هذه الجهات إلى أنّ تصريحات حافظ تعكس الحاجة إلى حوار بناء يركز على الاندماج، بدلًا من التهميش، وهو الأمر الذي يزعج أيضًا الإخوان، ويقوّض أجندتهم.

يُعدّ مصطلح "الإسلام السياسي"، محور نقاش مُعقد

تحديات الاندماج في فرنسا

يأتي هذا النقاش في سياق أوسع يتعلق بتحديات الاندماج التي تواجهها الجالية المسلمة في فرنسا، والتي تُعدّ الأكبر في أوروبا بما يقارب (6) ملايين نسمة. وعلى الرغم من أنّ غالبية المسلمين في فرنسا يعيشون حياة طبيعية ويشاركون في المجتمع، فإنّ قضايا مثل ارتداء الحجاب، وبناء المساجد، والتعليم الديني، ما تزال تثير جدلًا واسعًا. وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ نسبة كبيرة من الفرنسيين تعتقد أنّ الإسلام "غير متوافق" مع قيم الجمهورية، وهي صورة نمطية يسعى قادة مثل حافظ إلى تفكيكها من خلال التأكيد على إمكانية الجمع بين الهوية الإسلامية والمواطنة الفرنسية، وأنّ الإخوان لا يمثلون الإسلام بالضرورة.

ويُعدّ المسجد الكبير في باريس رمزًا للإسلام المعتدل الذي يسعى إلى التعايش مع القيم الفرنسية. ومنذ تأسيسه لعب المسجد دورًا محوريًا في تعزيز الحوار بين المسلمين وغير المسلمين، وتنظيم أنشطة ثقافية ودينية تُبرز الوجه الإيجابي للإسلام. وفي بيانه جدد حافظ التأكيد على هذا الدور، مشددًا على أنّ المسجد لن يسمح بتحويل الإسلام إلى أداة للانقسام. 

التحديات المستقبلية

 مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية في عام 2027 من المتوقع أن يتصاعد النقاش حول الإسلام والعلمانية. وفي ظل صعود الأحزاب اليمينية التي تجعل من قضية الهوية محور حملاتها، يواجه قادة الجالية المسلمة تحديًا مضاعفًا: كيفية الدفاع عن حقوق المسلمين دون إثارة مخاوف الأغلبية من "الانفصالية". وفي هذا السياق يبدو أنّ بيان حافظ يهدف إلى وضع إطار للنقاش يركز على الوحدة الوطنية والاحترام المتبادل.

تصريح عميد مسجد باريس الكبير يعكس محاولة لإعادة صياغة النقاش حول الإسلام في فرنسا بعيدًا عن الاستقطاب السياسي، من خلال رفضه وصم المسلمين، ودعوته إلى مواجهة الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان، ويضع حافظ إطارًا للحوار يمكن أن يُسهم في تهدئة التوترات.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية