كيف يُهدد الاستثناء الإسرائيلي الحرية في أمريكا؟

كيف يُهدد الاستثناء الإسرائيلي الحرية في أمريكا؟

كيف يُهدد الاستثناء الإسرائيلي الحرية في أمريكا؟


23/04/2025

ترجمة: محمد الدخاخني

شَغَلتُ منصب عضو مُعيَّن من قِبل البيت الأبيض في "اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية" في الفترة من عام 2013 إلى عام 2017. وكُنَّا نراجع سنوياً كيفية تأثير ممارسات دول العالم على قدرة مواطنيها وسكانها على ممارسة معتقداتهم بحرية. وكُنَّا نُحدِّد الدول التي تنتهك الحريات الدينية، بالإضافة إلى وضع توصيات بالإجراءات التي يُمكن للحكومة الأمريكية اتخاذها لإجبار هذه الدول على الالتزام بالحريات.

في البداية، لاحظتُ وجود مقاومة شديدة لأيِّ فحص لإسرائيل لدى بعض المفوضين، سواء كانوا مُعيَّنين من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي. وفي شهري الأول كمفوض، سُحِبتُ إلى معركة غريبة حول مقال بمناسبة عيد الميلاد أرادت اللجنة نشره، ويُعبِّر عن قلقها من أنّ "المسيحيين في أرض ميلاد المسيح يخشون الاحتفال بعيد الميلاد". وكأمثلة على الأماكن التي قد يواجه فيها المسيحيون الاضطهاد، ذكر المقال بعض الدول العربية (ومن الغريب أنّها كانت لبنان وسوريا)، وأضاف باكستان ونيجيريا كدليل إضافي. وعندما سألتُ عن المسيحيين الفلسطينيين، جاء الردُّ في شكل رفض شبه هستيري، أشبه بـ "كيف تجرؤ على توجيه مثل هذا السؤال؟".

وبعد عام، عندما زار اللجنة بطريرك القدس للروم الكاثوليك، الذي كان قد طلب دعمنا بخصوص بعض الطلبات البسيطة التي تقدم بها للسلطات الإسرائيلية - مثل تأشيرات للكهنة وتسهيل عبور المسيحيين بين إسرائيل والضفة الغربية في عيد الميلاد وعيد الفصح -، صُدم عندما رفض اثنان من زملائي طلباته، بل أصرُّوا على أن تكون أولويته المطالبة بنزع سلاح حماس.

ولأنني أعلم أنّ الأمر سيكون شاقاً، أردتُ تقديم أفضل حجج ممكنة قبل اقتراح أن تحقّق اللجنة في سلوك إسرائيل. وطلبتُ من فريق من المحامين إعداد تقرير موسع عن الإجراءات القمعية الإسرائيلية التي طالت المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين، وكذلك اليهود الإسرائيليين غير الأرثوذكس. وقد صُممت الدراسة على غرار دراسات اللجنة لحالات احتلال معادٍ في دول أخرى.

طلب بطريرك القدس للروم الكاثوليك دعما من "اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية"، بخصوص بعض الطلبات البسيطة التي تقدم بها للسلطات الإسرائيلية - مثل تأشيرات للكهنة وتسهيل عبور المسيحيين بين إسرائيل والضفة الغربية في عيد الميلاد وعيد الفصح

عندما قدَّمتُ التقرير، مع مُعيَّن آخر من قِبَل الحزب الديمقراطي (يهودي كان قلقاً للغاية بشأن معاملة اليهود غير الأرثوذكس في إسرائيل)، قوبلنا بعاصفة من الإساءات. لم يُناقش تقريرنا (أو حتى يُقرأ). وبدلاً من ذلك، وُجهت إليَّ تهمة معاداة السامية، لأنّ اثنين من المفوضين زعما أنني "أخصُّ إسرائيل بالنقد". وهذا الاتهام سمة مميزة لتعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" لمعاداة السامية، والذي يساوي بين العديد من أشكال انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. ويُستخدم هذا التعريف لإسكات منتقدي الدولة الإسرائيلية.

وكان ردّي على زملائي في اللجنة تذكيرهم بأنني صوَّت معهم سنوياً لانتقاد ممارسات (20) دولة، وبالتالي لم أكن أنا من يخصُّ إسرائيل بالنقد، بل هم من خَصُّوا إسرائيل بأنّها الدولة الوحيدة التي لا يجوز انتقادها.

هذا هو "الاستثناء الإسرائيلي" في العديد من الأوساط الأمريكية. يمكن لإسرائيل أن تنتهك الحريات الدينية والقانون الدولي والقانون الإنساني والقوانين الأمريكية المتعلقة باستخدام المساعدات لانتهاك حقوق الإنسان وحياة المدنيين، ومع ذلك لا تُنتقد أبداً. وإذا انتُقدت، يُعتبر من يفعل ذلك معادياً للسامية. هذا الوضع الخبيث سمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب. ولم يقتصر تأثيره على حياة ومصير الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم فحسب، بل يُستغل الآن كسلاح في الولايات المتحدة، ممّا يُعرِّض الحريات الأساسية للأمريكيين للخطر.

وقد ظلَّ هذا القبول لتعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" قائماً منذ أن اعتمدته وزارة التعليم رسمياً في إدارة ترامب الأولى، كما شرَّعت (12) ولاية استخدامه. وبعد عدة محاولات فاشلة لإقراره في الكونغرس، قد يُقرُّ هذا العام.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو الطريقة التي توظِّف بها إدارة ترامب الحالية استخدام وزارة التعليم لتعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" لتهديد الجامعات ودفعها إلى اتخاذ تدابير تنتهك الحرية الأكاديمية وحرية التعبير في الحرم الجامعي، وفصل بعض أعضاء هيئة التدريس، وإلغاء المقررات الدراسية، وتدمير أقسام دراسات الشرق الأوسط. كما تستخدم وزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي التعريف نفسه لإلغاء التأشيرات والبطاقات الخضراء، ممّا أدى إلى ترحيل أو إلغاء تأشيرات مئات المؤيدين للفلسطينيين. ويُدان الأفراد الذين يتم ترحيلهم، والبرامج الجامعية التي يتم إلغاؤها، والطلاب الذين يتم تهديدهم بالطرد بسبب "معاداتهم للسامية التي تخلق بيئة معادية لليهود في الحرم الجامعي". ومع ذلك، عند التدقيق، فإنّ "جرائمهم" ليست أكثر من انتقاد إسرائيل أو دعم الفلسطينيين.

تم تهديد الطلاب المؤيدين للفلسطينيين بالطرد بسبب "معاداتهم للسامية التي تخلق بيئة معادية لليهود في الحرم الجامعي"

وممّا يثير القلق صمت العديد من الليبراليين في الكونغرس والأوساط الأكاديمية الذين، بدافع الخوف، سمحوا لهذا الأمر بالاستمرار. لقد سمحوا "للاستثناء الإسرائيلي" بأن يتحول إلى "استثناء فلسطيني". وفي هذه الحالة يُمكن انتقاد أيّ دولة (حتى الولايات المتحدة نفسها). ولكن ليس إسرائيل. ويجب دعم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية، ولكن ليس الفلسطينيين، حتى السياسات الأمريكية يُمكن الاحتجاج عليها أو إدانتها، لكن ليس سياسات إسرائيل.

إنّ تطبيق إدارة ترامب "للاستثناء الإسرائيلي/ الفلسطيني" وتوسيع نطاقه وصمت الكثير من الليبراليين في الكونغرس والمجتمع المدني أشياء تركت الكثيرين في الجالية التي أنتمي إليها يشعرون بالضعف والعجز. إنّهم يشهدون إسرائيل تُفلت من العقاب وهي تُدمّر لبنان وسوريا وتفرض نفسها عليهما، وتُسرِّع ما يصفه الخبراء بشكل متزايد بأنّه إبادة جماعية في غزة ومستويات جديدة من القمع والتطهير العرقي في الضفة الغربية.

يخشى الكثيرون في الولايات المتحدة من التعبير عن آرائهم أو الانخراط في الاحتجاج السياسي. ليس من يحملون التأشيرات فقط، بل إنّ المواطنين أيضاً قلقون بشأن السفر، إذْ يجهلون كيف سيُعامَلون عند عودتهم، وفي حالة حاملي التأشيرات، ما إذا كان سيُسمح لهم بالعودة.

وصلنا إلى مرحلة لا يُشوِّه فيها "الاستثناء الإسرائيلي/ الفلسطيني" السياسة الخارجية الأمريكية ويُقوِّض التزاماتنا المعلنة بالقانون الدولي والمواثيق فحسب، بل يُقوِّض أيضاً حقنا في حرية التعبير والتجمُّع وحقنا في تقديم التماسات لحكومتنا. وكما شهدنا في الأسابيع الأخيرة، يُهدِّد هذا الاستثناء الحرية الأكاديمية ومفهوم الجامعة في الحياة الأمريكية.

ما يُثلج الصدر هو أنّ التحالف الذي تشكَّل لمواجهة هذا التحدي لحقوق الأمريكيين واسعٌ ومتنوِّع، ولا يضمُّ فقط العرب الأمريكيين، بل يضمُّ أيضاً مجموعةً من المنظمات المدنية ومنظمات حقوق الإنسان وجماعات إثنية ودينية وطلبة وأساتذة. ويتحالف هؤلاء للمطالبة بإنهاء "الاستثناء الإسرائيلي/ الفلسطيني".

المصدر:

جيمس زغبي، ذي ناشيونال نيوز، 15 نيسان (أبريل) 2025




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية