خطة ترامب بشأن غزة وخطط أخرى سابقة

خطة ترامب بشأن غزة وخطط أخرى سابقة

خطة ترامب بشأن غزة وخطط أخرى سابقة


17/03/2025

ترجمة: محمد الدخاخني

عندما سمعتُ لأول مرة بمشروع "ريفييرا غزة" الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ذكَّرني بآمال الفلسطينيين قبل (3) عقود خلال ذروة "اتفاقيات أوسلو" عام 1993. حينها  كنتُ رئيساً مشاركاً في مبادرة "بُناة السَّلام"، وهي مشروع أطلقه نائب الرئيس الأمريكي آنذاك آل غور لتشجيع الشركات الأمريكية على الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني دعماً لعملية السلام الناشئة.

خلال فترة ولايتي لرئاسة "بُناة السَّلام" التي استمرت (3) أعوام، اصطحبنا عدداً من وفود الأعمال الأمريكية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورافقنا آل غور ووزير التجارة آنذاك، رون براون، في زيارات أخرى. وقد لاقت هذه الزيارات ترحيباً حاراً من قادة الأعمال الأمريكيين والفلسطينيين.

ناقشنا خططاً لتطوير مصانع في غزة لتجميع الأمتعة والأثاث للتصدير إلى أوروبا الشرقية، وفتح فروع لشركات أمريكية في الضفة الغربية، ومشاريع لتنقية المياه وإعادة تدوير النفايات في غزة، وإقامة مجمع سكني جديد بأسعار معقولة في الضفة الغربية. حظيت هذه المشاريع بدعم كل من رئيس الولايات المتحدة ونائبه، فضلاً عن الدعم المتحمس من جانب الوزير براون.

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية: دونالاد ترامب

ومع ذلك، انهارت جميعها لأسباب عديدة. ويكفي ذكر بعض الأمثلة. لم تضمن إسرائيل للفلسطينيين ولا لشركائهم الأمريكيين الحَقَّ في استيراد المواد الخام بحرّية أو تصدير المنتجات النهائية إلا إذا كان لديهم وسيط إسرائيلي كشريك. وبسبب ارتفاع التكاليف المترتبة على ذلك، فقد المستثمرون الأمريكيون المحتملون اهتمامهم.

وكانت القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين والتجارة بين الضفة الغربية وغزة وداخل الضفة الغربية نفسها عاملاً آخر ثَبَّط الاستثمار الأجنبي. وكان معنى هذا أنّ الشركات الفلسطينية لن تستفيد من الوفورات التي من شأنها أن تنجم عن تطوير سوق داخلية، وستظل بالتالي معتمدة على الواردات من إسرائيل. كما لم يسمح الإسرائيليون للفلسطينيين بفتح أعمال تجارية أو إنشاء فروع لشركات أمريكية قد تنافس الشركات الإسرائيلية.

تناول براون هذه المسألة الأخيرة، وذكَّر الإسرائيليين مراراً بأنّهم لا يستطيعون منع الشركات الأمريكية من إنشاء فروع لها مع شركاء فلسطينيين، لأنّ الأراضي المحتلة فلسطينية وليست إسرائيلية.

خلال زياراتنا لهذه الأراضي شهدت الوفود العديد من هذه المشاكل. وفي زيارتنا الرسمية الأولى سعينا للدخول عبر جسر الملك حسين من الأردن. مرَّ رجال الأعمال اليهود الأمريكيون وغيرهم بسهولة، بينما فُصل ذوو الأصول العربية عن المجموعة وأُجبروا على الخضوع للتدقيق، وهي تجربة مُهينة.

عقدنا جلسة في القدس للفلسطينيين للقاء الأمريكيين المهتمين بفرص الاستثمار، لنكتشف أنّ دخول المدينة يتطلب الحصول على تصريح من سلطة الاحتلال. ولأنّ التصاريح لم تسمح لهم سوى ببضع ساعات في المدينة، فقد كان الوقت الذي خصصوه لمناقشاتنا محدوداً. وكان الدخول إلى غزة والخروج منها إشكالياً بالقدر نفسه. وما يزال مشهد مغادرة غزة عالقاً في ذهني.

كان هناك ما لا أستطيع وصفه إلا بمظلات للماشية تعجُّ بمئات الرجال الفلسطينيين الذين ينتظرون تحت الشمس للحصول على تصريح دخول لإسرائيل من أجل العمل. وعلى جانبي المظلات كان جنود إسرائيليون شباب يصرخون في الفلسطينيين، ويأمرونهم بالنظر إلى الأسفل ورفع تصاريحهم فوق رؤوسهم. كان الأمر مزعجاً للغاية.

وزير التجارة الأمريكي آنذاك: رون براون

وعلى الرغم من هذه المشاكل، ظللنا مفعمين بالحيوية بفضل الأمل الدائم لدى رجال الأعمال الفلسطينيين الذين كنا نعمل معهم. وفي الذكرى السنوية الأولى لتوقيع "اتفاقيات أوسلو" عقد آل غور مؤتمراً صحافياً لتقديم تقرير مرحلي. وفي ذلك الحدث أعلن عن عدد من مشاريع الشراكة الأمريكية الفلسطينية التي ساهمت منظمة "بُناة السَّلام" في ترتيبها.

وكان من أبرز هذه المشاريع الواعدة اقتراح شركة فلسطينية أمريكية مقرها فرجينيا لبناء منتجع تابع لشركة "ماريوت" على شاطئ غزة. وكان من المقرر أن يضم المنتجع مركزاً تجارياً وفندقاً يحتوي على (275) غرفة، وكان من المقرر أن يكون نقطة جذب تساعد في استمالة شركات أخرى إلى غزة.

وكان من المقرر أن يُوظِّف المشروع، كما صُمِّم، أكثر من (1000) فلسطيني خلال بنائه، ومئات آخرين عند اكتماله. وقد حظي المشروع بتأييد براون، أحد رواد "بُناة السَّلام"، ودعم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، اللذين اعتبرا الفندق حجر أساسٍ للنمو الاقتصادي المستقبلي.

وبعد تأمين الاستثمار الأوّلي، استهلَّت الشركة الراعية أعمال البناء بالأساسات ومرآب سيارات ضخم. وبالنظر إلى المخاطر التي ينطوي عليها المشروع، سعت الشركة للحصول على تأمين ضد المخاطر من "أو بي آي سي" - الوكالة الأمريكية التي أُنشئت لضمان الاستثمار.

وفي النهاية تبيَّن أنّ العراقيل الإسرائيلية أمام التنمية الفلسطينية أكبر من أن تُقهر. فانحلت الشراكات المقترحة، ومعها تعثَّر الحلم باقتصاد فلسطيني مستقل وكذلك عملية السلام. وفي ظل هذه الظروف لم يتمكَّن مشروع "ماريوت" من الحصول على تأمين ضد المخاطر، وكان بحاجة إلى استثمارات جديدة، ومات في النهاية.

في ظل هذه الخلفية، كان من المؤلم في الأسابيع الأخيرة سماع خطة ترامب المهينة لبناء ريفييرا في غزة مملوكة لأمريكا. لقد ذكَّرني ذلك بما كان من الممكن أن يكون عليه الأمر،  ولكنّ هذا الموضع محل نقاش الآن، بعد (3) عقود من الزمن، من دون استفادة أيّ فلسطيني من تطوره.

المصدر:

جيمس زغبي، "ذي ناشيونال"، 11 آذار (مارس) 2025

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية