على مقربة من باب الخليل، غرب سور القدس، وإلى الشمال من فندق الملك داود، يقع "المعهد البابوي للكتاب المقدس"، والذي يعدّ جزءاً من دير يتبع للرهبنة اليسوعية الكاثوليكية، والتي مقرّها الرئيس في روما، حيث يضمّ المعهد كنيسة ومكتبة، ومتحفاً يضمّ آثاراً نادرة تعود إلى آلاف السنين.
وللتأكيد على قدسية المكان عُلّقت على مدخل المعهد صورة القديس إغناطيوس دي لويولا، مؤسّس اليسوعية والقائد الأول لها، والذي ولد عام 1491، في مدينة اثبيتيا في إقليم الباسك بإسبانيا، والذي قام بزيارة القدس عام 1523.
اقرأ أيضاً: ضابط تركي يهرب الآثار من سوريا... ما القصة؟
بدورها، تقول مديرة القسم العربيّ السابقة في متحف قلعة داود بالقدس، والباحثة في مجال الآثار، عبير زياد: إنّ "المعهد البابوي هو مؤسسة علمية وبحثية، يتبع الكنيسة البابوية، وتمّ تشييده من قبل الفاتيكان في القرن الــ 19، ويتكوّن المبنى من ثلاثة طوابق، لتدريس الإنجيل لطلابه، الذين يلتحقون بالمعهد من مختلف الجنسيات حول العالم".
وتابعت زياد، في حديثها لـ "حفريات": "المبنى يضمّ في طابقه الأول كنيسة صغيرة، إضافة إلى متحف يتضمّن مقتنيات أثرية نادرة، يعود تاريخها إلى العصر الحجري القديم الأول وحتى العصر الإسلامي"، مبينة أنّ المتحف يزخر بالعديد من القطع الأثرية التي اكتشفها رهبان الدير، والذين قاموا بإجراء حفريات أثرية في منطقة البحر الميت ونهر الأردن، خلال ثلاثينيات القرن الماضي، والتي تعود في غالبها للحضارة الغسولية، التي كانت سائدة في تلك المنطقة قبل أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وتعود فيها المقتنيات الأثرية إلى العصر الحجري النحاسي".
في 4 كانون الأول ( ديسمبر) 2020، سكب مستوطن الوقود على مقاعد كنيسة الجثمانية قرب جبل الزيتون بالقدس، إلا أنّ محاولته فشلت
وبينت أنّ "موقع "تليلات الغسول" احتوى أيضاً على رسومات ترمز للحضارة الغسولية، إضافة إلى عظام لطفل رضيع وجدت داخل جرة من الفخار، والتي تدلّ على الطقوس التي كانت سائدة في فلسطين عند دفن الأطفال، وكذلك العثور على مجموعة كبيرة من الأواني الفخارية وأدوات للطبخ".
المومياء الوحيدة في فلسطين
وأكدت زياد؛ أنّ "المتحف يضمّ مومياء تمّ جلبها من جمهورية مصر العربية إلى القدس، تميزت بتحنيطها المميز، والذي أبقى على هيكلها بأعلى جودة دون أن تتعرض لأيّ تلف، كذلك يضمّ أختاماً، وتماثيلَ، ومجسّماتٍ فرعونيةً نحاسيةً وحجريةً، وخنفساءَ تعود للحضارة الفرعونية، كما يضمّ المتحف أوانيَ فخارية وزجاجية، تعود إلى الفترة العباسية وحتى العصرَين الأموي والعثماني، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المصابيح الزيتية، وأسلحة حادة صغيرة تعود للعصر الحجري واليوناني والبرونزي والبيزنطي والإسلامي".
وأشارت إلى أنّ "المومياء هي الوحيدة الموجودة في فلسطين؛ وتستعيرها متاحف أخرى في فلسطين، وحتى داخل إسرائيل، لتعريف زوّارها بجزء من الآثار التي كانت بارزة إبان فترة الحضارة الفرعونية"، موضحة أنّ "المتحف يفتح أبوابه أمام الزائرين طيلة أيام الأسبوع للاطلاع على مقتنياته النادرة".
آثار تعود للعصور المختلفة
من جهته، يقول الباحث في تاريخ القدس، روبين أبو شمسية، خلال حديثه لـ "حفريات": "المعهد البابوي يضمّ مكتبة وكنيسة ومتحفاً ومطبخاً في الطابق الأول، كما يضمّ الطابقان، الثاني والثالث، فصولاً دراسية، وغرفاً لإقامة الطلاب الوافدين للمعهد من إيطاليا وفرنسا لتعلّم الكتاب المقدس في العهد الجديد، وتضمّ الغرف أيضاً أربعة أناجيل نسبت إلى متّا، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، خلال القرن الرابع الميلادي".
وتابع أبو شمسية؛ بأنّ "متحف المعهد يضمّ آثاراً تعود إلى العصر البرونزي والنحاسي والحجري، وحتى الفترة الإسلامية والعثمانية، كالأدوات التي كانت تستخدم في الزراعة قديماً، وكذلك تماثيل للآلهة التي كانت تعبد في تلك الفترة في بلاد الشام، وهي مقتنيات جلبها الباحثون الرهبان من مناطق واسعة؛ في البحر الميت، ونهر الأردن، والنقب، وشمال فلسطين في صفد، والجليل".
وأكد أنّ "المتحف البابوي مؤهل للحفاظ على كافة المقتنيات الأثرية الموجود داخله، كما هو الحال في المتاحف العالمية؛ حيث توجد عدة قطع أثرية جرى حفظها داخل صناديق زجاجية مصمصة بطريقة مهنية، بحيث تتوزع الإضاءة داخلها من جميع جوانبها، لضمان عرضها للزائرين بطريقة جذابة".
سيطرة أوروبية
ولفت أبو شمسية إلى أنّ "البلدة القديمة بالقدس تشهد حركة سياحية متزايدة، ويعدّ المسجد الأقصى من أكثر المواقع التاريخية إقبالاً من قبل السائحين لزيارته، إضافة إلى كنيسة القيامة، موضحاً أنّ عدد السياح، الذين زاروا الكنيسة خلال العام 2019، بلغ 6 ملايين و500 ألف حاجّ، في حين لا توجد إحصائية رسمية لزوار المسجد الأقصى، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة، والتي تتحكّم في حركة القادمين إليه".
وعن أسباب تبعية معظم الكنائس والمعاهد المسيحية في البلدة القديمة بالقدس لعدد من الدول الأوروبية؛ بيّن أبو شمسية: أنّ "ذلك يعود للاهتمام المتزايد لهذه الدول للسيطرة على مدينة القدس وفلسطين بطريقة غير مباشرة، خلال القرن 19، إبان عصر النهضة الأوروبية، عبر إرسال علماء آثار وباحثين، وكذلك الرهبان التبشيريين، بهدف نشر رسالة الكنيسة اللاتينية، بإقامة العديد من المدارس ودور الطباعة، حتى أصبحت مواقع أثرية كثيرة بالبلدة القديمة بالقدس خاضعة للسيطرة الأوروبية".
اعتداءات إسرائيلية مستمرة
وأكّد الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، لـ "حفريات"؛ أنّ "فلسطين تضمّ 15 طائفة مسيحية، من بينها: الروم، والكاثوليك، والأقباط، واللاتين، والروم الأرثوذكس، والسريان، والشركس، والأرمن، والأحباش، والموارنة والبروتستانت، وطوائف أخرى عديدة".
وتابع: "البلدة القديمة بالقدس تضمّ كنائس تتضمّن عدة متاحف وموجودات أثرية، ككنيسة دير الروم، والتي تتبع للروم الأرثوذكس، ودير مار يعقوب، الذي يتبع للأرمن، وكنيسة القديس حنا التي تتبع للطائفة الكاثوليكية".
اقرأ أيضاً: حزب الله يواصل نهب آثار سوريا بالتعاون مع هؤلاء
ولفت عيسى إلى أنّ "الكنائس والمؤسسات المسيحية، كحال المؤسسات الإسلامية في البلدة القديمة بالقدس، تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، ومن أبرز تلك الهجمات: الاعتداء على رجال الدين المسيحيين في كنيستَي القيامة ودير الروم الأرثوذكس، عام 1967، وكذلك إحراق الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، عام 2015، وآخرها كانت محاولة إحراق مستوطن إسرائيلي كنيسة الجثمانية قرب جبل الزيتون بالقدس، في 4 كانون الأول ( ديسمبر) 2020، بعد قيامه بسكب الوقود على مقاعد الكنيسة الخشبية، إلا أنّ محاولته فشلت بعد تدخّل سكان المنطقة للسيطرة على الحريق قبل أن يلتهم الكنيسة بأكملها".