"لاءات مصر" في حرب غزة... خطوط وثوابت استراتيجية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

"لاءات مصر" في أزمة غزة... خطوط وثوابت استراتيجية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

"لاءات مصر" في حرب غزة... خطوط وثوابت استراتيجية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي


11/11/2023

لم يكن الرفض المصري لتهجير الفلسطينيين ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية على هذا النحو، وكذا عدم القبول التام بالإدارة الأمنية داخل القطاع من جانب إسرائيل أو مصر أو التواجد الدولي، سوى انعكاس مباشر وعملي لموقف القاهرة الثابت من القضية الفلسطينية؛ بل هي خطوط رئيسية ليس فيها انحناءات أو ثقوب كما تبدو في الأزمة الراهنة وكل السوابق التاريخية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبلغ مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، رفض مصر إدارة إسرائيل لغزة، وكذلك عرض الإدارة المصرية للقطاع، وتواجد قوات من الناتو أو قوات أجنبية داخل القطاع. 

ثوابت تاريخية

تباشر مصر، تاريخياً، دورها لتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، والتوسط بين الأطراف المختلفة سواء بين فلسطين وإسرائيل، وتحديداً عقب نشوب الأزمات والمعارك، وفتح دائرة الهدنة واسترداد التهدئة، أو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية. إذ إنّ حلّ القضية الفلسطينية الإسرائيلية إنّما يقوم، وفق الصياغة السياسية المصرية، على مبدأ حلّ الدولتين من دون مناورة أو مراوغة.

وكانت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية قد نقلت عن مسؤولين مصريين، مؤخراً، قولهم: إنّ "الولايات المتحدة اقترحت على مصر إدارة الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة"، إلا أنّ القاهرة "رفضت". وقد ناقش مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز  المقترح مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المخابرات عباس كامل.

ويتزامن المقترح الأمريكي مع الرغبة في أن "تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي المسؤولية الكاملة" بعد هزيمة حماس في الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل والحركة الفلسطينية المصنفة على لائحة الإرهاب. لكنّ الرئيس المصري رفض المقترح، وقال: إنّ "مصر لن تلعب دوراً في القضاء على حماس؛ لأنّها تحتاج إلى الجماعة المسلحة للمساعدة في الحفاظ على الأمن على الحدود".

الباحث محمد فوزي: الدور المصري الأكثر محورية وامتلاكاً لأوراق ضغط وقنوات تواصل تضمن معالجة مثل هذه الأوضاع

وقد ارتبطت أهمية الموقف المصري من التصعيد الراهن بخصوصية هذا التصعيد نفسه، إذ إنّ التصعيد الراهن الذي بدأ منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان مختلفاً عن كافة دورات التصعيد التي حدثت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من قبل، سواء على مستوى كثافة العمليات العسكرية أو على مستوى طبيعة الأهداف الإسرائيلية التي امتدت لتتجاوز حدود تكبيد الفصائل الفلسطينية خسائر عسكرية تضمن تحييدها لفترة من الزمن، لتشمل أهدافاً أبعد خصوصاً ما يتعلق بخطط التهجير لسكان قطاع غزة، ومن هنا "اكتسب الدور المصري أهمية متزايدة في ضوء كون هذا الدور كان تاريخياً، وفي دورات التصعيد السابقة، الأكثر محورية والأكثر امتلاكاً لأوراق ضغط وقنوات تواصل تضمن معالجة مثل هذه الأوضاع"، وفق الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد فوزي لـ (حفريات).

 

تباشر مصر، تاريخياً، دورها لتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، والتوسط بين الأطراف المختلفة، سواء بين فلسطين وإسرائيل وتحديداً عقب نشوب الأزمات والمعارك، وفتح دائرة الهدنة واسترداد التهدئة، أو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية

 

موقع (أكسيوس) الأمريكي ذكر الأسبوع الماضي أنّ مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سيزور إسرائيل ودولاً أخرى في المنطقة، من بينهما مصر وقطر، لمناقشة الحرب في غزة.

وفي الوقت الحالي ترفض السلطة الفلسطينية الانخراط في أيّ نقاش رسمي حول كيفية إدارة غزة بعد انتهاء الحرب، وتصرّ بدلاً من ذلك على الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار. 

تنديد بجرائم إسرائيل

وخلال اجتماع عقد الإثنين في رام الله، رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مناقشة إدارة غزة بعد الحرب مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وفقاً لمحمود الهباش مستشار الرئيس عباس الذي كان حاضراً الاجتماع.  ولم تردّ وزارة الخارجية الأمريكية على الفور على طلب صحيفة (وول ستريت جورنال) بالتعليق على تصريحات الهباش.

وقال عباس لبلينكن: "اليوم أكثر أهمية من اليوم التالي"، محملاً واشنطن مسؤولية استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفق موقع (الحرة). وأضاف: "أنتم الولايات المتحدة، الجانب الوحيد الذي يمكنه أن يأمر الإسرائيليين بوقف العدوان".

رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مناقشة إدارة غزة بعد الحرب مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

إلى ذلك، شدد الهباش على أنّ الحكومة الفلسطينية "تتوقع أن تشارك في إدارة قطاع غزة مستقبلاً". وتابع: "السلطة الفلسطينية هي الجانب الوحيد الذي يتحمل المسؤولية عن غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية". وتابع: "لم نترك غزة"، مضيفاً أنّ "السلطة التي تتخذ من رام الله مقراً لها، واصلت إدارة بعض وزاراتها في غزة".

لكنّ الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي قال: إنّه "من السابق جداً لأوانه التحدث عن سيناريوهات مرحلة ما بعد حماس". وأضاف: "أتمنى أن تكون مرحلة ما بعد حماس الأسبوع المقبل، لكنّ الأمر قد يستغرق على الأرجح مدة أطول".

منذ اليوم الأول للتصعيد كان الموقف المصري ملتزماً ببعض الثوابت الرئيسية، وعلى رأسها رفض استهداف المدنيين، والانطلاق من رؤية تقوم على ضرورة استعادة مسار السلام العادل متمثلاً في حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية

كما دان وزير الخارجية المصري سامح شكري كافة الممارسات الإسرائيلية التي تهدف لفرض أمر واقع جديد لإجبار الفلسطينيين على النزوح ونقلهم جبراً وترحيلهم من أراضيهم، لافتاً إلى أنّ أعداد النازحين في غزة بلغت ثلث سكانها، وهذه مخالفة جسيمة للقانون الدولي الإنساني.

وقال وزير الخارجية أثناء مؤتمر دعم غزة، المنعقد في العاصمة الفرنسية باريس: إنّه منذ اندلاع الحرب في غزة قدّم الشعب المصري من خلال منظمات المجتمع المدني والحكومي مساعدات إنسانية تم إدخالها بلغت (5400) طن من المساعدات، وذلك رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، في حين لم تتعدَّ المساعدات المقدمة من مجموع أعضاء المجتمع الدولي هذه الكمية.

وقال شكري: "ما تم إدخاله من مساعدات حتى الآن لا يفي على الإطلاق الاحتياجات المدنية في غزة، كما أنّ الإجراءات المعقدة والمتعمدة التي تفرضها إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية تفاقم من الأوضاع المتدهورة في القطاع وتثير الشكوك حول أهدافها".

الحل السياسي

منذ اليوم الأول للتصعيد كان الموقف المصري ملتزماً ببعض الثوابت الرئيسية، وعلى رأسها رفض استهداف المدنيين، والانطلاق من رؤية تقوم على ضرورة استعادة مسار السلام العادل متمثلاً في حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفق الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد فوزي لـ (حفريات). فضلاً عن رفض مخططات التهجير للفلسطينيين بشكل قاطع، انطلاقاً أيضاً من كون هذا التهجير يمثل تصفية للقضية الفلسطينية قبل أن يكون مهدداً للأمن القومي والسيادة المصرية. 

دان وزير الخارجية المصري سامح شكري كافة الممارسات الإسرائيلية التي تهدف لفرض أمر واقع جديد لإجبار الفلسطينيين على النزوح

وقد تم ترجمة هذه الثوابت المصرية في بعض أنماط التحرك، سواءً التحركات ذات البعد السياسي مثل التنسيق مع طرفي الأزمة المباشرين والتواصل معهما، وهو ما عبرت عنه الزيارة الأخيرة لوفد من حماس إلى القاهرة، أو التنسيق المكثف مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بها أو المنخرطة فيها. كذلك ركزت مصر منذ اليوم الأول للتصعيد على التحرك بشكل مكثف في المسار الإنساني ودعم جهود إدخال المساعدات لقطاع غزة. وقد كان التحرك المصري بأنماطه المختلفة يأتي في ضوء إدراك واضح لكمّ التداعيات السلبية التي قد تترتب على امتداد وتصاعد وتيرة التصعيد، خصوصاً ما يتعلق بتهديد مسار القضية الفلسطينية، وما يرتبط بمهددات الأمن القومي المصري، والتخوف من سيناريو الحرب الإقليمية والذي برزت معالمه بالفعل" كما قال فوزي.

وبالنسبة إلى رؤية مصر لمرحلة ما بعد الحرب، فإنّ التصور المصري لليوم التالي للتصعيد الإسرائيلي-الفلسطيني الراهن يقوم بالأساس على "ضرورة وقف إطلاق النار، وأنّ الحديث يجب ألّا يقتصر على اليوم التالي في قطاع غزة، بل يجب أن يشمل القضية الفلسطينية، باعتبار أنّ الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وحدة سياسية واحدة تشكّل معاً الدولة الفلسطينية"، كما يشير الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية. وفي هذا الإطار ترى الدولة المصرية أنّ "استعادة المسار السياسي الذي يفضي إلى مباحثات سلام عادل جادة ينتج عنها حل الدولتين هي الأساس السليم والواقعي والجذري لكافة الأزمات المنبثقة عن هذا الملف".

مواضيع ذات صلة:

بين ملف الأسرى وأهداف الحرب... إسرائيل في مأزق

كيف تستفيد روسيا من الحرب في غزة؟

ما سيناريوهات الحكم في غزة ما بعد الحرب؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية