بين ملف الأسرى وأهداف الحرب... إسرائيل في مأزق

بين ملف الأسرى وأهداف الحرب... إسرائيل في مأزق

بين ملف الأسرى وأهداف الحرب... إسرائيل في مأزق


09/11/2023

بعد نحو شهر من القصف الجوي المكثف على قطاع غزة، بدأت إسرائيل في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 العملية البريّة بصورة بطيئة وتدريجية، وفي خضم هذه العملية تتضح أكثر فأكثر المعضلة العسكرية المتمثلة في عدم إمكانية التوفيق بين تنفيذ أهداف الحرب الأساسية، وحلّ قضية الأسرى والرهائن الإسرائيليين والأجانب (أو مزدوجي الجنسية) في قطاع غزة.

وتُشكّل هذه المعضلة عاملاً ضاغطاً على كلٍّ من الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية والعسكرية، لا سيّما أنّ توسيع الحرب البريّة يقلل فرص التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.

ومنذ إعلان حالة الحرب ردّاً على هجوم حماس في السابع من الشهر الماضي، تجنّبت الحكومة الإسرائيلية وضع قضية الأسرى والرهائن بوصفها جزءاً من أولويات الحرب، حتى إنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يعقد جلسة مع عائلات الأسرى والرهائن إلّا بعد أن فعلها الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث ساهمت الولايات المتحدة في دفع الحكومة الإسرائيلية إلى عَدِّ تحرير الأسرى والرهائن واحداً من أهداف الحرب المركزية، وفي هذا الصدد يظهر توجهان في إسرائيل حول العلاقة بين العمليات العسكرية وملف الرهائن والأسرى. 

ووفق ما نقل مركز (الإمارات للسياسات)، فإنّ التوجه الأول ينطلق من أنّه لا يُمكن تحرير الأسرى من دون عقد صفقة تبادل مع حركة حماس، وهنا ظهر في إسرائيل من ينادي حتى بالذهاب إلى خيار "الكل مقابل الكل"، أي إطلاق جميع الأسرى والرهائن في قطاع غزة، بما في ذلك الإسرائيليون الـ (4) الذي كانوا في عهدة حماس قبل الحرب (رفات جنديين ومحتجزان مدنيان)، مقابل إطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وكان ممثلو العائلات قد طرحوا هذا الخيار على نتنياهو في لقائه معهم في 28 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وطلبوا منه الموافقة عليه، بناء رأي عام شعبي وسياسي إسرائيلي داعم له.  

تجنَّبت الحكومة الإسرائيلية وضع قضية الأسرى والرهائن بوصفها جزءاً من أولويات الحرب

وتابع المركز في تقرير نشره عبر موقعه الإلكتروني: "أمّا التوجه الثاني، فينطلق من أنّ الضغط العسكري على حركة حماس وقطاع غزة هو الحل لإطلاق سراح الأسرى والرهائن لدى حماس، ومن دون دفع ثمن كبير متمثل بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، فضلاً عن استمرار المحاولات لتنفيذ عمليات عسكرية لتحرير أسرى أو رهائن، كما حدث مع التحرير المزعوم للمجندة الإسرائيلية بتاريخ 31 من الشهر الماضي. 

ويَرى الجيش الإسرائيلي أنّ نشر فيديوهات الإسرائيليين لدى حماس يدلّ على الضغط الذي تواجهه الحركة من العمليات العسكرية الإسرائيلية، وسعيها للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي من أجل وقف العمليات أو الذهاب إلى هدنة.     

المعضلة العسكرية تتمثل في عدم إمكانية التوفيق بين تنفيذ أهداف الحرب الأساسية، وحلّ قضية الأسرى والرهائن الإسرائيليين والأجانب في غزة

وأكد المركز أنّ الحكومة الإسرائيلية تتبنّى التوجه الثاني، مع عدم إغلاق الباب أمام إمكانية عقد صفقة دون الكشف عن شروطها، ولكنّها تعطي الأولوية للعمليات العسكرية، فمثلاً قال رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي: إنّ الجيش سيعمل كل ما يستطيع من أجل إرجاع أكبر عدد من المحتجزين. ووجّه عضو حكومة الطوارئ بيني غانتس رسالة إلى أهل قطاع غزة مفادها أنّ من يساعد على تحرير الأسرى والرهائن، سيحصل على الحصانة وعائلته، ومن يشارك في احتجازهم، فسيحكم على نفسه بالإعدام.

وأوضح المركز أنّ إسرائيل تُدرك أنّ حماس تريد ربط ملف الأسرى والرهائن بوقف إطلاق النار وربما إنهاء الحرب، وهي "صورة النصر" التي تريدها حماس، في حين ترفض إسرائيل وقف إطلاق النار، ويدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إنّها ترفض وقف إطلاق نار قصير لدواعٍ إنسانية. ويؤكد ذلك أنّ هذا الملف ليس الهدف الأساسي للحرب، وأُدرِجَ مؤخراً بضغط إسرائيلي داخلي بالأساس، وتحاول الحكومة الإسرائيلية إدارته من خلال الحديث عنه إعلامياً في كل مناسبة، ولكنّ كثيراً من الخبراء يعتقدون أنّه لا يمكن إرجاع جميع أو أغلب الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية بعمل عسكري. وتذهب تقديرات إسرائيلية إلى التأكيد أنّ إسرائيل لا تستطيع تحقيق مَطلبين يوجد حولهما إجماع إسرائيلي في الوقت نفسه، أي إسقاط حكم حماس في غزة، وإعادة جميع الأسرى والرهائن، ففي النهاية فإنّ تحقق أحدهما سيكون على حساب الآخر.  

التوجه الأول ينطلق من أنّه لا يُمكن تحرير الأسرى من دون عقد صفقة تبادل مع حركة حماس، وفي إسرائيل من ينادي حتى بالذهاب إلى خيار "الكل مقابل الكل"

وبيّن التقرير أنّ التوجه الإسرائيلي الرسمي يتبنّى حتى الآن استمرار العمليات العسكرية، بل وتكثيفها من خلال الضربات الجوية وتعميق العمليات البريّة، ويعتقد الجيش الإسرائيلي أنّ ذلك كفيل بحل مشكلة الأسرى والرهائن، وبكلّ الأحوال قالت مصادر إسرائيلية إنّها لن توقف العمليات، ولو مؤقتاً، من أجل صفقات صغيرة لتبادل أسرى. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أنّ قوات خاصة أمريكية تساعد الجيش الإسرائيلي في رصد مكان المحتجزين من أجل إطلاق سراحهم بعمليات عسكرية، من دون أن تشارك القوات الأمريكية في العمليات العسكرية.

لم يجتمع نتنياهو مع عائلات الرهائن إلا بعد أن فعلها بايدن

هذا، وبدأت إسرائيل تشهد انقسامات شديدة، تظهر من خلال استمرار المظاهرات والاعتصامات لعائلات الأسرى والرهائن وداعميهم في المجتمع الإسرائيلي، وبناء رأي عام يطالب بإرجاع المحتجزين، وإعطاء هذا الهدف الأولوية. وقد فاقم هذا الانقسام الفيديوهات التي تبثها حركة حماس عن الأسرى، وإطلاق سراح (4) رهائن مدنيين، وإعلان حماس أنّها غير معنية باستمرار احتجاز المدنيين، لا سيّما ممّن لديهم جوازات سفر أجنبية، ولكنّها لا تستطيع إطلاق سراحهم في ضوء استمرار العمليات العسكرية في القطاع، وهو بلا شك يهدف إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإيقاف العملية العسكرية في القطاع.

التوجه الثاني ينطلق من أنّ الضغط العسكري على حركة حماس وقطاع غزة هو الحل لإطلاق سراح الأسرى والرهائن لدى حماس، ومن دون دفع ثمن كبير

وأشار التقرير إلى غياب دعم شعبي كبير لصفقة تبادل أسرى مع الفصائل الفلسطينية، فالتعاطف مع العائلات لا يتضمن الموافقة على تنفيذ صفقة شبيهة بصفقة شاليط، والتي تعني إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ممّا يُعدّ نصراً كبيراً لحركة حماس. وعطفاً على هذه النقطة، فإنّ صفقة شاليط تُعّد واحدة من الصفقات التي يُنظَر إليها بأنّها ساهمت في تعزيز قوة حماس، فأغلب قيادات حماس المهمة خرجت من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة شاليط، لا سيّما يحيى السنوار وصالح العاروري.

صفقة تبادل أسرى قد تعني وقفاً لإطلاق النار، وهو أمر ترفضه إسرائيل قبل أن تُنجز أهدافها العسكرية، أو على الأقل لن تقبل به في هذه المرحلة، بل تريد تكثيف الضغط على حركة حماس خدمةً لأهدافها العسكرية العملياتية، وترى أنّ وقفاً لإطلاق النار أو هدنة، حتى لو كانت قصيرة، تخدم حركة حماس على المستوى العسكري، وفق مركز (الإمارات للسياسات). 

وأضاف المركز أنّ العمليات العسكرية لن تكون مضمونة في تحرير الأسرى والرهائن، بل ربما تُودي بحياتهم، وقد أعلنت حماس أنّ هناك محتجزين لديها قتلوا جراء القصف والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وهذه المخاطرة تضع الحكومة في معضلة كبيرة، حيث ستُحمَّل مسؤولية قتل الأسرى والرهائن، في حين كانت تملك إمكانية تحريرهم عبر وساطات إقليمية ودولية.

الحكومة الإسرائيلية تتبنّى التوجه الثاني، مع عدم إغلاق الباب أمام إمكانية عقد صفقة دون الكشف عن شروطها، ولكنّها تعطي الأولوية للعمليات العسكرية

وتجدر الإشارة إلى أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تنشر تقريباً أخبار قتل الأسرى الإسرائيليين جراء القصف، بسبب الرقابة العسكرية الصارمة على هذه المعلومات، وهو نابع من هدف منع تصاعد الضغط على الحكومة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية.

ويُعدّ الدور القطري ضمن المعضلات التي على إسرائيل التعامل معها فيما يتعلق بهذا الملف، إذ يشير الباحث في معهد دراسات الأمن القومي يوئيل غوجانسكي إلى أنّ قطر تدعم حماس سياسياً، وتعطيها الحماية في أراضيها وقت الحرب، ولكنّ إسرائيل مضطرة للتعامل معها من أجل قضية الأسرى والرهائن، باعتبارها الوسيط الرئيس في هذا الملف، في حين أثنى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي على الدور القطري في ملف الأسرى والرهائن. 

إسرائيل تُدرك أنّ حماس تريد ربط ملف الأسرى والرهائن بوقف إطلاق النار

ويمكن الإشارة إلى مجموعة من العوامل الداخلية الإسرائيلية التي قد تؤثر في سير العمليات البريّة في غزة: أهمها الخسائر البشرية في صفوف الجيش، والأزمة الاقتصادية التي تتفاقم خلال الحرب، هذا الى جانب بداية توسع المواجهة على الجبهة الشمالية، والقصف الذي استهدف الداخل الإسرائيلي قد يكون مؤشراً على احتمال تدهور الجبهة إلى حرب شاملة.

وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تنشر تقريباً أخبار قتل الأسرى الإسرائيليين جراء القصف، بسبب الرقابة العسكرية الصارمة على هذه المعلومات

في استطلاع أجرته صحيفة (معاريف) الذي نُشر نهاية الشهر الماضي ظهر أنّ نسبة الذين يؤيدون عملية بريّة في قطاع غزة تراجعت من 65% في الاستطلاع السابق إلى 49%، ويمكن إرجاع هذه المعطيات إلى تعاظم قضية الأسرى والرهائن وتحوّلها إلى قضية مركزية في المجتمع الإسرائيلي. وقد تتراجع نسبة تأييد تعميق العملية البريّة أكثر مع ازدياد الخسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين، فهناك إجماع على حرب حماس، وهناك اختلاف حول العملية البريّة، وخاصة أنّ الخسائر تتزايد يوماً بعد يوم، حتى وصلت إلى (34) جندياً، وتؤكد حركة حماس أنّ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي أضعاف ما تعلن القيادات.

مواضيع ذات صلة:

هل تلعب أوروبا دوراً كبيراً في مسلسل تهجير الفلسطينيين؟

"الجحيم تحت الأرض"... مخططات إسرائيلية لمواجهة الأنفاق في غزة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية