"مراجعات" برنامج تلفزيوني يكشف عبر المنشقين الوجه الآخر للإخوان

"مراجعات" برنامج تلفزيوني يكشف عبر المنشقين الوجه الآخر للإخوان

"مراجعات" برنامج تلفزيوني يكشف عبر المنشقين الوجه الآخر للإخوان


30/07/2024

الحبيب الأسود

من وراء الستائر الحديدية المغلقة حول معبد الجماعة، ومن داخل منظومة تأسست وبنت هيكلها ورفعت أسوارها وشكلت نظريتها العقائدية على مبادئ السرية إلى حين السيطرة والتمكين، يأتي برنامج “مراجعات” التلفزيوني ليحاور عددا ممن عاشوا تجاربهم داخل جماعة الإخوان، وعرفوها عن قرب، واطلعوا على مرجعياتها الفكرية والعقائدية وترتيباتها التنظيمية وسردياتها السياسية ونظرتها للمجتمع، وكانوا جزءا من مشروعها الساعي للتغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع من مواقع مختلفة سياسية وإعلامية وتنظيمية وتعبوية.

“مراجعات” برنامج من إنتاج قناة “العربية” ويقدمه ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ونقيب الصحافيين الأسبق، والباحث البارز في شؤون الحركات الإسلامية، الذي يستضيف عددا من مغادري الجماعة أو المنشقين عنها مثل عبدالجليل الشرنوبي، ومختار نوح، وثروت الخرباوي، وسامح عيد، وناهد إمام، وحسام الغمري وعزة عفيفي وغيرهم ممن يعرضون خبراتهم الشخصية والأسباب التي قادتهم إلى مراجعة أفكارهم ونبذ التشدد، وترك الجماعة المتطرفة التي كانوا ينتمون إليها.

البرنامج يفتح نافذة، مدعومة بالوثائق، على أيديولوجيات وآليات جماعة الإخوان المسلمين.

ويحظى البرنامج بنسبة مشاهدة عالية في أرجاء المنطقة العربية، وخاصة في مصر ودول الخليج، والدول التي شهدت تجارب التغلغل الإخواني في المجتمع وعانت من حكم الجماعة أو من مغامراتها الفاشلة لبسط نفوذها على مفاصل هذه الدولة أو تلك، لاسيما بعد ما سميت بثورات الربيع العربي.

وبحسب المراقبين، فإن البرنامج نجح في الكشف عن أسرار الجماعة وما سعت إلى إخفائه على الجمهور العريض منذ تأسيسها قبل ما يقارب القرن من الزمن داخل مصر البلد المركز الذي انطلقت منه الدعوة لتبث نظرية الانقلاب والخراب وتفتيت المجتمعات وتدمير الدول من الداخل بما يساعد على اختراقها والسيطرة عليها تحت شعارات تجعل من الدين أداتها الأولى للتلاعب بمشاعر وميولات الشعوب.

ولعل أهم ما يميز البرنامج هو قدرته على مخاطبة عموم المشاهدين في الدول العربية باختلاف مستوياتهم، وقطعه نهائيا مع أساليب النخبة في مناقشة موضوع التيارات السياسية وعلى رأسها جماعة الإخوان التي يتم تشريحها بشكل دقيق وفي نفس قريب من فهم العامة حتى تتضح الصورة للجميع وخاصة للطبقات الشعبية التي عادة ما يجد الاخوان الطريق ممهدا لاختراقها بالشعارات الدينية والمحافظة.

أول ضيوف البرنامج كان الصحافي رئيس تحرير “إخوان أون لاين” الأسبق عبدالجليل الشرنوبي، الذي تحدث عن تجربته مع التنظيم. وقال إنه كان قد حلم بالانضمام إليه منذ طفولته، والتحق بصفوفه بكامل إرادته، حيث كان يعتبره تنظيما مثاليا، لكن كلما ارتقى في سلم المسؤولية، كلما توفرت له فرصة اكتشاف حقائق معاكسة تماما لما كان يراه بعين الحامل لجملة من القناعات العقائدية.

نقل الشرنوبي إلى المشاهدين إحدى أهم النقاط التي تحتاج إلى قراءة موضوعية، وهي اندفاع بعض الشباب إلى تنظيم الإخوان وغيره من جماعات الإسلام السياسي من باب الاعتقاد في تمثيلها للقيم الدينية النبيلة ودفاعها عن الثوابت القيم والأخلاقية في مجتمعات لا تزال تحتاج إلى تحديد طريقها نحو تجاوز حالة التذبذب السياسي والعجز الاقتصادي والتمزق الاجتماعي والاستلاب الثقافي في غياب المشاريع الوطنية والقومية التي يمكن أن تجذب اليها طموحات وتطلعات الأجيال الصاعدة الباحثة عن المشروع الأسمى والمثل الأعلى والرؤية الأوضح وبالتالي عن الغد الأفضل.

عند الوقوع تحت تأثير غيبوبة الانتماء، يصبح الفرد أقرب إلى حالة “التسليم” والاستسلام لقدره، يقول الشرنوبي إن “الجرثومة التنظيمية للإخوان تدخل جسم الإنسان تحتله وتحتل أفكاره، وتصبح هي الشخص ولا يمكن أن يكون هناك حياة خارج هذا العالم”، بمعنى أنه يصبح كائنا مسلوب الإرادة غير قادر على اتخاذ موقف أو إبداء رأي أو إصدار قرار أو إعادة توجيه بوصلة أفكاره التي يفترض أن تكون حرة لا خاضعة لمشروع الجماعة ونظرية المرشد.

تلك الوضعية جعلت الشرنوبي، يعتبر أن الخروج من تنظيم الإخوان كان بالنسبة له كالإفاقة من غيبوبة طويلة. وقال “اتخذت قراري بالاستقالة من تنظيم الإخوان في 2009 وأعلنت عنه في 2011″، مضيفا “كلما واجهت قيادة الإخوان بالسلبيات كان الرد أنهم في وضع استثنائي بسبب وجود أنظمة مستبدة صعبة الإصلاح، لذا عليهم الصبر”.

بالنسبة له كان الأمر كأحداث شريط سينمائي متلاحقة ومتدافعة، لذلك كان القرار ذروة أحداث الفيلم الذي كان يعيش فيه وهو داخل التنظيم كما لو كان فيلم “القرار”.

يقول: كنت مترددا بشأن بقائي داخل الجماعة من عدمه. ثم كنت أعد نفسي لاتخاذه منذ عام 2008، لكن لم أقدم عليه حتى لا يكون في مصلحة نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، وحتى لا يقال إن الأبواب فتحت للشرنوبي لأنه منشق عن الإخوان، خاصة أنني أعمل في مجال الإعلام.

يضيف الشرنوبي انه اتخذ القرار، بشكل نهائي، في الذكرى الأولى لجمعة الغضب عام 2012، حينما أطلق بيان رسمي للجماعة وصف المظاهرات بـ”الوقيعة”. وحينما نشر البيان في موقع “إخوان أونلاين” حاول القيادي الإخواني عصام العريان إلقاء المسؤولية على الموقع ورئيس تحريره. في تلك اللحظة قرر الشرنوبي الإعلان عن قراره المؤجل بمغادرة الجماعة، وقدم استقالته إلى مكتب الإرشاد.

كشف الشرنوبي الكثير من الحقائق المهمة التي يحتاج المجتمع لمعرفتها بخصوص نظام الجماعة الموغلة في لعبة السرية والتآمر واستغلال الدين لخدمة أهدافها السياسية وعلى رأسها السيطرة على الدولة بكافة مؤسساتها.

وقال إن التنظيم يخلق شخصية متوحشة لدى أعضائه، وأن الترقّي في صفوف الإخوان يعتمد على العلاقات الشخصية أو التقارير المقدمة عن العضو من أسرته، مشيرا إلى أن حسن البنا كان حريصاً على وجود مجموعات متنوعة داخل التنظيم.

ورأى الشرنوبي أن كل عضو في التنظيم يمتلك جزءا من الوعي يعرف أن عليه المغادرة في نهاية المطاف، موضحاً أن الإخوان ادعوا كذبا أنه قدم استقالته عبر الإنترنت بينما في الحقيقة قدمها مباشرة، وأكد أن التنظيم يجرد الإنسان من إنسانيته، وأن جميع المنشقين يعانون من آثار عضويتهم السابقة في الجماعة.

ومن ضيوف البرنامج القيادي المنشق عن التنظيم والعضو السابق بمجلس الشعب المحامي مختار نوح الذي تحدث عن تجربته من داخل الجماعة وشرح الأسباب التي دفعت به إلى مغادرتها بعدما أمضى نحو 25 عاما في صفوفها.

انخرط نوح في جماعة الإخوان بعد 5 أعوام من تخرجه من كلية الحقوق، بعد أن استهوته شعاراتها الداعية إلى مكافحة الفساد وبتحقيق العدالة الاجتماعية، كان ينظر إليها بالكثير من المثالية وهو القادم ومعه مواهب فنية وأدبية حيث كان يعزف الموسيقى ويكتب الشعر والقصة، وكان يعتقد أن الجماعة هي التي تعبر عن المبادئ التي يؤمن به شاب في مثل سنه.

تطرق نوح إلى جملة من ملفات الجماعة ومن أبرزها التنظيم الخاص الذي اعتبره الأصل في الجماعة، وقال إن التنظيم العالمي هي نوع من أنواع التقية للظهور بالمظهر السلمي والانخراط في الأدوات السياسية.

وأضاف أن التنظيم الخاص هو الذي يسيطر على المناصب القيادية وعلى الإدارة وأسر المنتمين، وهو ما يفسّر الانقلاب على نتائج الانتخابات الداخلية وإسناد المسؤوليات إلى أشخاص آخرين ولو كانوا من مناطق أخرى.

وتابع نوح أن التنظيم الخاص هو الذي تحكم في البلد بعد السيطرة على مصر، في سياق ما تمت تسميته بمرحلة التمكين، كما أن الترشح لعضوية البرلمان كان من مهام مسؤولي التنظيم الخاص كخيرت الشاطر وسعد الكتاتني، وكذلك الشأن بالنسبة لاختيار اللجان الدستورية التي يجب أن تمر عبر التنظيم الخاص، مشيرا إلى أن التنظيم الخاص داخل تنظيم الإخوان كان يسيطر على المراكز القيادية والأفرع للإخوان المسلمين فكان التنظيم العالمي هو الواجهة لكن إدارته كانت من التنظيم الخاص.

وعن مغادرته الجماعة، يقول إنه اتخذ القرار بعد أن اكتشف في العام 2004 السلوك العنيف الذي يتّبعه التنظيم السرّي للإخوان، وبعد أن نشر آنذاك مقالا يتوقع فيه نهاية الإخوان في مصر في غضون عشر سنوات، حيث أخضعه مكتب الإرشاد للتحقيق وبقي على تواصل معه من خلال عضو مكتب الإرشاد مهدي عاكف في محاولة لاستيعابه مجددا.

أوضح نوح أنه غادر التنظيم بصمت بداية، لكنه كسر صمته بعدما اكتشف أن أفرادا من الإخوان يستخدمون العنف في التظاهرات ويغتالون خصوما للتنظيم فبدأ ينشر المقالات ويتكلم عن أخطاء التنظيم علنا.

ومن ضيوف “مراجعات” القيادي السابق في الجماعة المحامي ثروت الخرباوي الذي تدرج في سلم التنظيم على مدى عقدين وأصبح من قياداته قبل أن يغادره في العام 2002 بعد خلافه معه، لينشر لاحقا كتابين هما “سر المعبد” و”قلب الإخوان” كشف فيهما كل ما يدور داخل أروقة الجماعة المغلقة.

وروى الخرباوي كيف تأثرت أسرته بالمناخ العام الذي ضج بالشعارات الإسلامية، وكيف انتسب وهو لا يزال طفلا إلى الأزهر، ثم انتقل بعدها إلى التعليم العام، فكانت المرحلة المتوسطة هي بداية صعود نجمه مع جماعة الإخوان المسلمين، ونجح في تجنيد أسرته أيضا في جماعة الإخوان، وكيف تدرج بين رتب التنظيم الـ7 حتى بلغ رتبة عامل، ما قبل الأخيرة، وذلك قبل انشقاقه سنة 2000. يقول “خلال تلك الفترة من الزمن، لم أكن أعرف أن هناك أية رتب حتى أخبرت بوصولي رتبة عامل، والتي طلبوا حينها بيعة خاصة لها ومختلفة تنتهي بجملة ‘الإثم لمن نكث’ وأظن أن هناك بيعة أخرى لرتبة نقيب تختتم ‘بالموت لمن نكث’ وأظنها تكون على القرآن والسيف، وأفسر ذلك بأن من أعرفهم ممن وصلوا إلى هذه الرتبة يمتنعون عن تقديم نقدهم عبر وسائل الإعلام خلافا لما في جلساتي الخاصة معهم”.

كما استضاف البرنامج الناشطة الإخوانية السابقة عزة عفيفي زوجة الباحث سامح عيد، وهي خريجة كلية التربية اللغة الفرنسية، انضمت إلى “الأخوات المسلمات”. قبل أن تتجاوز التاسعة عشر من عمرها، وقد نشأت في أسرة محافظة دينيا واجتماعيا حتى كان تجنيدها في الجماعة رسميا منذ السنة الأولى في الجامعة لتتولى هي نفسها مهمة تجنيد المزيد من “الأخوات” و”الزهرات”، واستقطابهن. انضمت باكرا إلى الإخوان وكان عليها أن تبدي طاعة عمياء، ولا تجادل في ما تتلقاه من أوامر.

كشفت عزة عفيفي تفاصيل جديدة حول أساليب الجماعة في تجنيد الطالبات داخل الجامعات، وقالت إن كل عضوة في الجماعة كانت ملزمة بتقديم تقرير أسبوعي يتضمن أنشطتها في الدعوة الفردية، مشيرة إلى أن التقارير كانت تشتمل على عدد الطالبات اللاتي تم دعتهن للدخول في صفوف الجماعة، مما يعكس التنظيم الدقيق والهيكلية الصارمة التي تعتمدها الجماعة في تجنيد الأعضاء.

وقالت عفيفي إنها شهدت أحداث عنف وعاشت تناقضات الإخوان في تكليفاتهم للمرأة عموما ولها خصوصا، وكيف انعكس ذلك على حياتها. تزوجت سامح عيد من داخل الجماعة، وكيف انعكس ذلك على حياتها مع زوجها في منفى التنظيم باليمن.

روت كيف كان يتم التعامل معها. وكيف مرت عليها أيام خروج زوجها إلى الكتائب، دون إخبارها، وكيف عرفت بذلك. وتطرقت إلى ما تعرضت له، بعد خروج زوجها من الجماعة، وكيف تعرضت للضغط والتهديد وكيف حرّضها الإخوان على زوجها، باعتباره أصبح بلاء. موضحة إنها اكتشفت زيف ادعاءات الإخوان وصدق كلام زوجها وهو ما دفع بها إلى مفارقة الجماعة بدورها وتقديم شهادتها علنا.

وكان الكاتب والباحث سامح عيد صاحب كتاب “قصتي مع الاخوان” روى تفاصيل تجربته مع الجماعة التي التحق بها في سن صغيرة وقضى داخلها 22 عاما، مشيرا إلى أن التجنيد يبدأ بالتدرج بتحفيظ القرآن، ثم الأنشطة الترفيهية والألعاب والرحلات، ومع الوقت يبدأ المسؤول عنك يطلب منك ألا تخبر أهلك بما يدور، موضحا أن تنظيم الإخوان كان ينقسم إلى شقين، تنظيم خاص أو شعب، كما أن التنظيم الخاص للإخوان به نوع من العبودية، حيث لا حق للناشط صلب الجماعة أن يناقش أو يجادل باعتباره على خطأ وفي القيادة الصواب .

أكد عيد أن لا صحة لما يقال من أن حسن البنا بريء من الأفكار التكفيرية، وهو الذي كان يقول: نحن إسلام القرن الرابع عشر، ونحن الصحابة، ومن ليس معنا يكون خارجا عن الإسلام.

كما أن البنا طلب تكوين كتائب ليغزو العالم، مردفا أن “العديد من الناس يظنون أن البنا قتل بسبب حادث قتل النقراشي، لكن الأمر كان أكبر من ذلك، فقد قتل البنا بسبب تدبيره اغتيال الإمام يحيى في اليمن، عن طريق شركة مقاولات محمد سالم زوج زينب الغزالي”.

كشف برنامج “مراجعات” على جملة من الحقائق المهمة التي تضرب المشروع العقائدي للجماعة من داخله، وتفضح طبيعته التكفيرية والتخريبية والانتهازية والمعادية لفكرة الدولة ولقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، والتي تأخذ النقاط الأساسية لتركيبتها التنظيمية من أسوأ التجارب الإنسانية مع التنظيمات السرية المتطرفة والإرهابية، وتعمل على اعتماد سياسة شق المجتمعات وتقسيمها لتحقيق الهدف الأساس وهو التمكين الذي يجعل أقلية الجماعة تبسط نفوذها على أغلبية المجتمع.

وبحسب مقدم البرنامج ضياء رشوان، فإن الهدف من البرنامج هو الكشف عن الأسباب التي دفعت المفارقين للإخوان لمراجعة أنفسهم، والمساحات الحرجة التي يستحيل معها صاحب الرأي الحر أن يستمر داخل التنظيم ويفارقه بلا عودة.

صحيفة العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية