الجزائريون منقسمون حول محاربة "كورونا".. لهذه الأسباب

كورونا

الجزائريون منقسمون حول محاربة "كورونا".. لهذه الأسباب


22/03/2020

أشعلت الإجراءات الحكومية في الجزائر جدلاً حاداً بشأن "جدية" تدابير الوقاية من فيروس كورونا، الآخذ في الانتشار بشكل مريب محلياً وعبر العالم، وسط اتساع المخاوف من إمكانية تحول هذا البلد الأفريقي إلى بؤرة للوباء الزاحف من الصين ودول القارة العجوز.

اقرأ أيضاً: الجزائر: ما خيارات الحراك في ظل تفشي فيروس كورونا؟

وبعد إقرار السلطات الجزائرية توقيف مسيرات الحراك الشعبي وإغلاق كافة مساجد البلاد، تقاذف جزائريون عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونقاشات المقاهي والفضاءات العامة، المواقف المتضاربة بين مرحّب ومعارض لخطوتين غير مسبوقتين في تاريخ البلد.

اقرأ أيضاً: الجزائر تتخذ هذه الإجراءات لمواجهة انتشار فيروس الكورونا

وأجازت هيئة الفتوى الرسمية منع صلوات الجماعة والجمعة في دور العبادة، بالتزامن مع حظر المسيرات، لينقسم الشارع المحلي بين داعم للخطوة ورافض لها لاعتبارات تتعلق بقدسية الفرائض الدينية في المؤسسة المسجدية، بذريعة "تسييس كورونا". 

 إقرار السلطات الجزائرية إغلاق كافة مساجد البلاد

ولم يحظَ إعلان لجنة الإفتاء بتأييد عموم الطبقة السياسية، بمبرر أنّ البلد لم يشهد تفشياً للفيروس القاتل مع تجاوز عدد الإصابات المؤكدة سقف الــ 82 حالة ووفاة 8 أشخاص، منذ اختراق فيروس كوفيد 19 المستجدّ للجزائر من طرف عامل إيطالي بقاعدة نفطية في الجنوب.

سياسي معارض: تسييس قضية وباء الكورونا جاء بهدف القضاء على الثورة ولهذا يسعى النظام لإخماد هذه الثورة بكلّ الوسائل

وذهب الناشط حميد حطابي إلى أنّه في مواجهة انتشار الفيروس التاجي، يجب على الجزائريين إثبات تواجدهم على مستوى التحديات، معتبراً أنّ الثورة الشعبية السلمية، التي بدأت في 22 شباط (فبراير) 2019، بثّت عدة تعاليم نبيلة تجعل مواطنيه أكثر مسؤولية وأكثر اهتماماً بصحة المواطنين من الحكومة في السلطة.

لكنّ الزعيم السياسي المعارض، عبد الله جاب الله، استنكر قرار السلطات بتعليق الصلوات في المساجد، وذكر لـ "حفريات"؛ أنّ "القرار لم يحصل مثله في تاريخ البشرية رغم ما مرّت به من حروب ومصائب وابتلاءات".

وشدّد جاب الله، الذي يرأس جبهة العدالة والتنمية؛ على أنّه "في زمن الطاعون الذي يعدّ أخطر من فيروس كورونا، لم يتخذ أيّ حاكم هذا الإجراء الذي يحمل الكثير من المبالغة ونراه مسلكاً لا يقبل على الإطلاق". 

اقرأ أيضاً: هل حقاً حصل الكلوركين على الموافقة كعلاج لوباء كورونا؟

ورأى جاب الله أنّ "انتشار فيروس كورونا في الجزائر، ليس بذلك الشكل الذي تفشى به في دول أوروبية، أو نواح أخرى من العالم، ولذلك لا يوجد مبرر حكومي يغلق المساجد"، وفق تعبيره.

وذكر القيادي الإسلامي المعارض أنّه "كان ينبغي اتخاذ تدابير أخرى لمواجهة الوباء، مثل إغلاق المساجد بين الصلوات، ومنع المرضى من الصلاة في المساجد، وتعقيم المساجد ودور الوضوء".

تضارب 
البرلماني الإسلامي السابق، عدّة فلاحي، تحفّظ بشأن قرار إغلاق المساجد في هذا التوقيت، وقال: "كان أولى بالسلطات أن تعمل على توفير مواد الغذاء والعلاج وتهيئة ظروف الحجر الصحي وطمأنة المواطنين بالوضع الوبائي الذي لم يبلغ ذروته".

اقرأ أيضاً: "من عند النبي".. هكذا "يعالج" رجال دين في إيران مرضى كورونا

ورأى فلاحي في تصريح لـ "حفريات"؛ أنّ "قرار السلطات وإن جاء متأخراً، فهو تضمّن تبريرات مقنعة مفادها أنّ الوقاية أفضل من العلاج، لكنّه دعا إلى تعقيم دور العبادة والساحات العامة"، لكنه استدرك: "المتحدث السابق باسم وزارة شؤون الدين، استعجل إعلان حالة الطوارئ الصحية، لمواجهة أية تداعيات أخرى"، على حدّ تأكيده.

ورأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أنّ تعليق صلاة الجمعة والجماعة وإغلاق المساجد ودور العبادة، ليس ضرورياً ما دام الفيروس لم ينتشر بالمساجد، وإنّما تمدّد عبر رعايا مغتربين في دول أوروبية وعمال أجانب في حقول النفط، مثل الرعية الإيراني الذي تسبّب بعدوى في صحراء أدرار.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تفشى وباء كورونا في إيران

وفي تصريح لـ "حفريات"؛ ركّز د. عبد الرزاق ڤسوم على أنه "يمكن للجزائريين تعويض الصلاة في المساجد، بصلاة الجماعة داخل منازلهم، فيما تقتصر الصلاة داخل المساجد على الأئمة والمؤذنين وبعض العمال حتى لا تغلق بيوت الله"، داعياً إلى ضرورة تعقيم المساجد لتفادي تفشي كورونا".

من جهته، دعّم عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان)، قرار إغلاق المساجد، ودعا إلى "أداء صلاة الجماعة في البيت امتثالاً للأحكام الشرعية في الموضوع، مع الاعتقاد بأنّ الله يجازي على نية صلاة الجماعة في المسجد إذا تعذر ذلك شرعاً".

اقرأ أيضاً: صحيفة أمريكية تثير تفاعلاً بتقرير عن النبي محمد وطريقة التعامل مع انتشار وباء كورونا

وتصوّر مقري بـ "مواجهة الوباء بخطط وقرارات جادة وتشكيل هيئات متخصصة ورصد موازنة كافية تُمكّن من الكشف عن الإصابات؛ ومعالجة المرضى وتعقيم كلّ المرافق العامة مع إتاحة فضاءات الحجر المناسبة والصرامة اللازمة لفرضه على الذين تأكدت إصابتهم".

الأمر يصبح خطيراً حينما لا تتخذ سياسات وقائية صارمة

وتابع مقري: "الأمر يصبح خطيراً حينما لا تتخذ سياسات وقائية صارمة، والمسؤولية مسؤولية جماعية على مستوى الفرد والأسرة، والمؤسسات المجتمعية بكل أنواعها ومؤسسات الدولة جميعها".

وأطلق جزائريون حملات توعية وتحسيس بخطوة الفيروس، وطالبوا بضرورة الكشف الطبي في حالة ظهور الأعراض وفي حالة الشكّ أو الاحتكاك مع مرضى تأكدت إصابتهم، مع دعوات متصاعدة لتجنب التنقل إلى الأماكن التي تفرض الاحتكاك والاقتراب أو الاتصال البدني.

اقرأ أيضاً: "الزم منزلك" مفتاح النجاة في معركة كورونا!

ولوحظ أنّ بعض الفضاءات العامة لم تغلق مثل؛ قاعات الحفلات والترفيه والمطاعم والمقاهي، بينما سعى مواطنون إلى تنفيذ توجيهات الحكومة وسارعوا إلى وقف أنشطتهم، وتوقفوا عن العمل بعدد من الأماكن التي تشهد احتكاكاً بين الناس.

الحراك البديل
بعد قرار الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بمنع تنظيم المسيرات التي دخلت شهرها الثالث عشر، دعا محسن بلعباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى استحداث "حراك بديل"، ويرى بلعباس؛ أنّ "الساعة ليست مواتية لا للحسابات السياسية ولا للتردّد".

زعيم إسلامي لـ "حفريات":  تعليق الصلوات في المساجد لم يحصل مثله في تاريخ البشرية رغم ما مرّت به من ابتلاءات

وفي تصريح لـ "حفريات"؛ ناشد بلعباس "كلّ القوى الحية إلى تفضيل كلّ أشكال المؤازرة الأفقية"، علاوة على "التقيّد بالآراء الجامعة لأخصائيي الصحة العمومية وذوي العلم والمعرفة المنادية بتعليق المشاركة في كلّ النشاطات التي من شأنها أن تكون ناقلة وناشرة لوباء كورونا، وذلك إلى غاية تحسن الوضعية الصحية".

ورافع بلعباس لـ "البحث عن وسائل النضال السلمي البديلة مع الفاعلين السياسيين والنقابيين والجمعويين، وكلّ الناشطين"، وأبدت التشكيلة المتجذّرة في منطقة القبائل الكبرى استعدادها لـ "إفراغ شوارع البلاد مرة كلّ أسبوع من أيّ حضور بشري، وبحث مقترحات تضمن مواصلة التعبئة ضدّ النظام، شريطة إيجاد توافق حولها".

ورأى أنّ "السلطة التي جعلت قطاع الصحة منكوباً وكارثياً، بسياساتها التقشفية والفساد وإقصاء الكفاءات، سلطة غير كفيلة بتعبئة الطاقات الوطنية من أجل التصدي لوباء فيروس كورونا"، منتقداً التعليق المتأخر للنقل الجوي والبحري مع بلدان التي تشهد تمدداً للوباء، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا.

اقرأ أيضاً: هل يُمثّل وباء كورونا حقبة جديدة في التاريخ البشري؟

من جانبه، رأى حكيم بلحسل، الأمين الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية؛ أنّ واجب الرزانة "يجبر على التوصية بتحويل الثورة الشعبية التي أدهشت العالم، إلى هبّة بارعة جماعية وقومية للتصدي إلى المخاطر الصحية التي تترقبنا، وضمّ بلحسل صوته إلى "مواصلة الثورة تحت أشكال أخرى، للحفاظ على صحة الشعب الجزائري المهدّد بالوباء المأساوي خلال تجمعاته الجماهيرية".

بدوره، يؤيد عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان)، توقيف مسيرات الحراك، والتعامل بجدية ومسؤولية في مواجهة الفيروس القاتل، ويتصور مقري بجدوى تأجيل الحراك إلى أن يزول الوباء وينتهي خطره.

اقرأ أيضاً: "كورونا" بين الحقيقة والخرافة والمؤامرة

وعلى المنوال ذاته، يقدّر رمضان تعزيبت، القيادي في حزب العمال (يسار)؛ أنّ الحراك السلمي الثوري "بات مدعواً للتعاطي بحكمة مع الطوارئ الحالية للحفاظ على صحة المواطنين"، ونادى الحزب الذي تترأسه لويزة حنون إلى تطبيق كلّ الإرشادات الطبية لوقف انتشار الفيروس.

وانتهى تعزيبت إلى ضرورة تعبئة الموارد اللازمة، واستغلال كلّ القدرات الطبية للبلد، بما في ذلك القطاع الخاص، وتزويد البنيات الصحية بشكل مستعجل بوسائل الكشف والتشخيص والعلاج، مع حماية الأطر الطبية، وتقديم كلّ لوازم الوقاية بما فيها التوزيع المجاني للوسائل المادية على المواطنين، مع التحسين العاجل للقدرات الإنعاشية التي تعاني عجزاً حادّاً، وإقرار تدابير اجتماعية للمتضررين.

أفق سلمية لن تموت
يؤكّد البروفيسور رضوان بوجمعة؛ أنّ السلطة لم تتخذّ أيّ إجراء لحماية الجزائر، متوقعاً أن "تكشف الأيام القادمة كلّ ما تبقى من عورات السلطة من خلال المنظومة الصحية التي هي جزء من إخفاقات سلطة لا شرعية ولا مشروعية لها".


ويسجّل بوجمعة أنّ "الثورة السلمية الذكية هي الآن أمام تحدي تحويل التحديات الصحية التي تواجه الأمة إلى فرصة لإطلاق أكبر المبادرات المدنية للوقاية من المرض ولمساعدة المصابين وعائلاتهم لتجاوز المحنة، لأنّ هذه السلطة تحكمها الرداءة وانعدام الكفاءة".
ويقدّر أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر بأنّ "الثورة السلمية لها رؤية ولها بوصلة، ورؤيتها انطلقت من إنقاذ الدولة وحماية الأمة بالتأكيد على التغيير الشامل لمنظومة الحكم، ولذلك فإنّ هدف إنقاذ الدولة وحماية الأمة يجب أن يقاس عليه للتعامل مع هذا الوباء وكلّ المستجدات".

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: متى تنتهي الأزمة وتعود الحياة إلى طبيعتها؟

وانتهى بوجمعة إلى الإهابة بـ "تحويل المسيرات إلى حملات مدنية للوقاية من الوباء ومساعدة كلّ المصابين وأسرهم لتجاوز المحنة، ليستمر مشروع الثورة في التغيير الشامل لمنظومة فاشلة سيتأكد الجزائريون والجزائريات أنّ تعاملها مع الوباء هو مبرر كافٍ لتغييرها تغييراً شاملاً".

وأحال الباحث نجيب بلحيمر إلى أنّه ليس هناك أيّ خطر على الثورة السلمية من تعليق المظاهرات حتى نهاية هذه الأزمة الصحية الخطيرة، رغم أنّ التظاهر يبقى أبرز تجليات هذه الثورة السلمية إلا أنّه لا يمكن اختزالها فيه.

ويوعز بلحيمر: "تعليق المسيرات يمثّل إضافة إلى رصيد الثورة السلمية، ويحمّل السلطة الرديئة وحدها مسؤولية تردّي الوضع الصحي"، متصوراً أنّ "النضال الذي يجب أن يقوم به أبناء الثورة السلمية يكمن في ابتكار أساليب جديدة للنضال، والثورة السلمية وعي متجذّر لا يمكن أن ينطفئ بتعليق المظاهرات".

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: متى نحصل على لقاح للمرض القاتل؟

واتهّم الناشط السياسي المعارض، مراد بياتور، من يسميها "سلطة الأمر الواقع"، بـ "تسييس قضية وباء الكورونا بهدف القضاء على الثورة"، جازماً بأنّ "النظام حالياً، وأكثر من أي وقت مضى، يعاني أزمة شرعية ومشروعية واضحة العيان ولا يمكن التستر عليها، ولهذا يسعى النظام عن طريق عدة مناورات لكسر وإخماد هذه الثورة باستعمال كلّ الوسائل".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية