"الزم منزلك" مفتاح النجاة في معركة كورونا!

"الزم منزلك" مفتاح النجاة في معركة كورونا!


21/03/2020

ماهر جبره

في ظل دعوات الحكومات للبقاء في المنزل من أجل السيطرة على وباء كورونا الذي أصبح أكبر خطر يهدد العالم كله الآن، يسأل البعض هل حقا علينا أن نبقى بالمنزل؟ وهل سيوقف ذلك الوباء أم أن الخوف منه مبالغ فيه؟ هذا سؤال يتردد كثيرا هذه الأيام وسأحاول في هذا المقال أن أجيب عليه.

فلنبدأ بتعريف بسيط للمشكلة. ما هو فيروس كورونا المستجد؟ هو فيروس ظهر في الصين في نوفمبر 2019، وتكمن خطورته في امتلاكه لخاصتين. الأولى هي قدرته السريعة على الانتشار والعدوى، والثانية هي أن معدل الوفيات Fatality Rate (عدد الوفيات بسبب المرض نسبة إلى عدد المرضى) الخاص به عالي.

فمثلا معدل الوفيات في حالة الإنفلونزا الموسمية التي كثيرا ما تصيبنا في فصل الشتاء هو 0.1 في المئة، يعني واحد من كل ألف شخص يصاب بالإنفلونزا يتوفى، بينما يتعافى منها الباقون. ولهذا فنحن لا نخشى الإنفلونزا، خصوصا أننا نمتلك أدوية لعلاجها ولقاح يحمينا منها.

ولكن بالنسبة لكورونا فالحال مختلف فالنسبة هي 3.4 في المئة بحسب آخر ما صرحت به منظمة الصحة العالمية، أي أنه من كل ألف مصاب يموت 34. فضلا عن أنه حتى الآن لا يوجد لقاح ولا علاج معتمد، رغم مجهودات شركات الأدوية حول العالم للوصول لذلك في أسرع وقت.

ولكن بالرغم من أن النسبة نظريا هي 3.4 في المئة، وهي نسبة مخيفة، إلا أنها وصلت في دولة مثل إيطاليا إلى 8.3 في المئة. وربما هذا يفسر لماذا يرتعب العالم كله من هذا الكائن الصغير. ولكن لماذا وصلت النسبة إلى هذا الحد المرعب؟ وهل يمكننا أن نخفضها؟ سأجيب بالأرقام.

لتبسيط الأمور دعنا نفترض سيناريو خياليا لبلد يعش فيه 50 مليون مواطن. ثم نسأل ماذا سيحدث لو وصل الفيروس لهذه البلد وتحركت الناس فيه بشكل طبيعي. سيحدث أن نسبة كبيرة من السكان ستصاب بالعدوى خلال أسابيع قليلة، لنقل 60 في المئة مثلا. وهذا يعني أن حوالي 30 مليون (60 في المئة من الـ 50 مليون) سيصابون بالفيروس خلال عدة أسابيع.

وهنا لدي خبر جيد وخبر سيئ. الجيد هو أن 80 في المئة من المصابين، بحسب الأبحاث العلمية، سيعانون من أعراض بسيطة، بل أن بعضهم لن يعاني من أي أعراض من الأساس. بمعني أن 24 مليون مواطن من الـ 30 مليون مواطن الذين تعرضوا للعدوى لن يحتاجوا لأن يدخلوا المستشفيات.

أما الخبر السيء فهو أن الـ 20 في المئة (6 مليون) سيحتاجون إلى علاج داخل المستشفيات، وربعهم (1.5 مليون) سيحتاج إلى غرف عناية مركزة وأحيانا إلى أجهزة تنفس صناعي وهنا مكمن الكارثة.

ففجأة وعلى مدار شهور قليلة سيحتاج 6 مليون مريض إلى أسرة في المستشفيات و1.5 مليون منهم سيحتاجون إلى أسرة عناية مركزة. وحتى نضع الأرقام في سياقها فمثلا في الولايات المتحدة الأميركية، هناك حوالي 115 ألف وحدة عناية مركزة، في حين أن عدد سكانها 331 مليون. وفي مصر هناك حوالي 15 ألف سرير في دولة عدد سكانها يفوق الـ 100 مليون. وبناء عليه فلا يمكن لأي دولة توفير هذا العدد الضخم من الأسرة ووحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي.

فضلا عن أن هذه الأسرة والوحدات هي في أغلب الدول مليئة بمرضى آخرين بسبب أمراض مختلفة كالقلب والسرطان وحوادث السيارات إلخ. وهنا مكمن الخطر ففجأة سيصبح لديك عدد مهول من المرضى أكبر من طاقة النظام الصحي لأي دولة على الاستيعاب.

فالكارثة تحدث عندما يبدأ المرضى بالتوافد على المستشفيات بمعدل عال جدا بشكل يفوق إمكانيات الأطباء والمستشفيات على تقديم الرعاية لهم، فيموتون بأعداد ضخمة يوميا كما يحدث الآن في إيطاليا. بل وربما تنهار المنظومة الصحية من شدة الضغط عليها، لو استمرت أعداد المصابين في التصاعد، فيموت مرضى آخرون من أمراض أخرى نظرا لعدم قدرة الطواقم الطبية على خدمة الجميع.

ومما يزيد الأمر صعوبة هو أن الأطقم الطبية، وخصوصا مع شدة الإجهاد وساعات العمل الطويلة بدون راحة، فإن بعضها معرض للإصابة بالفيروس مما يستوجب عزلهم 14 يوم لحين التعافي أو دخولهم المستشفيات كمرضى لو لم يتعافوا. وبالتالي يزداد العجز في الأطباء والتمريض والعاملين في القطاع الطبي في العموم، ويزداد الموقف تعقيدا.

وهذا ما يفسر التفاوت الشديد في نسب الوفيات بين دولة مثل إيطاليا (8.3 في المئة) التي لم تتحرك سريعا لتوقف تفشي الفيروس وبين دول أخرى استطاعت تحجيم عدد الإصابات مثل الصين (نسبة الوفيات 4 في المئة) وبالتالي نجحت في السيطرة على الموقف نسبيا. ويعود هذا الفارق لعوامل مختلفة ولكن أهمها هو سرعة اتخاذ الإجراءات التي تحد من انتشار الفيروس، ومدى تجاوب الناس مع هذه القرارات.

وهنا يأتي السؤال الأهم وهو كيف يمكننا السيطرة على انتشار الفيروس وتقليل عدد المصابين به؟ الإجابة ببساطة هي "الزم منزلك" أو بمعنى أدق "التباعد الاجتماعي" أو Social Distancing.

والمقصود به أن تلزم الناس منازلها، فتتوقف المدارس والجامعات والأنشطة الرياضية ويتم غلق المقاهي والسينمات وحتى دور العبادة. وربما بعض الأعمال والشركات والقطاعات الحكومية أيضا. والهدف من هذا الإجراء هو إبطاء سرعة انتشار العدوى حتى يتحقق هدف من إثنين. إما الوصول لكل الحالات المرضية وعزلها ومعالجتها، إذا كان ذلك ممكنا. أو تقليل عدد الحالات الجديدة المصابة إلى مستوى لا يفوق قدرة المنظومة الصحية على التعامل معه، في حالة أن الفيروس انتشر ووصل إلى مرحلة تفوق قدرة الدولة على محاصرته.

ورغم قسوة هذه الإجراءات المؤقتة وما لها من تبعات سيئة على الاقتصاد، إلا إنها ضرورية لتحجيم الوباء، في ظل فيروس ينتشر بسرعة مرعبة. فالدول التي اتخذت قرارات سريعة وحاسمة في تطبيق "التباعد الاجتماعي" هي التي نجحت في تقليل عدد الإصابات فنجت من الوباء مثل إقليم هوبي في الصين، الذي طبق إجراءات قاسية جدا ولكنه الآن يحتفل بتوقف الإصابات الجديدة. بينما الدول التي تأخرت في تطبيق هذه الإجراءات أو التي لم يلتزم شعبها بها مثل إيطاليا، فهي في وضع كارثي الآن.

ولكن تظل المشكلة الأصعب في تطبيق هذه الإجراءات هي ما عبر عنه أحد خبراء الأوبئة عندما قال: إن هذا الفيروس خطير وسريع الانتشار. ولكن الناس لا ترى تأثير ذلك على حياتها فورا، أي لا ترى سقوط الضحايا إلا بعد شهر تقريبا من بداية انتشار العدوى.

وعادة بعد تكرار الوفيات تبدأ الناس في التعامل بجدية مع الموقف. ولكن في هذه اللحظة يكون قد فات الأوان، لأن العدوى تكون قد وصلت لعشرات أو مئات الآلاف بالفعل. ولهذا فالسؤال المصيري هنا هو هل نلزم بيوتنا لنحمي أنفسنا وعائلاتنا وبلادنا أم نتجاهل التحذيرات فتخرج الأمور عن السيطرة؟

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية