الصوفية في فلسطين تتحدى السلفيين ومضايقات حماس بـ"وحدة الوجود"

فلسطين

الصوفية في فلسطين تتحدى السلفيين ومضايقات حماس بـ"وحدة الوجود"


24/10/2018

تعدّ بلدة اليامون، الواقعة إلى الشمال الغربي لمدينة جنين، شمال الضفة الغربية، موطناً للفرق الصوفية من أتباع الزاوية القادرية، التي تعدّ من أشهر الطرق الصوفية في العالم الإسلامي، وترجع تسميتها لمؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني، وينتشر أتباعها في بلاد الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا وشرق آسيا. ويؤمن أصحابها بعقيدة وحدة الوجود، وبإمكانية رؤية الله في الدنيا، وأنّ الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات لعامة الناس، وأنّ لهم عبادات خاصة، ويعتقدون أنّ الله أسقط التكاليف عن خواصهم.

اقرأ أيضاً: تعرف على أبرز الطرق الصوفية في مصر

وشهدت الصوفية في فلسطين تناقصاً ملحوظاً خلال العقود الأخيرة؛ للشكوك التي كانت تثار حول منهجها الفكري وعقيدتها الإسلامية، إلى أن عادت الفرق الصوفية للظهور من جديد، بعد تأسيس المجلس الصوفي الأعلى في فلسطين، وإقبال الناس على الانضمام إليهم، لإحياء ومشاهدة حلقات الذكر والموالد الشعبية والاحتفالات الدينية التي تقيمها الفرق الصوفية في فلسطين.

من الاجتماع الموسع الأول للمجلس الصوفي الأعلى في فلسطين

نشأة الصوفية في فلسطين

عبدالرحمن شراب، أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة القدس، يقول لـ "حفريات" إنّ "بداية ظهور الصوفية كان في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ودخلت فلسطين إبّان الحكم العثماني، عام 1916، وتوسعت أنشطتها في بعض المدن؛ كجنين والخليل والقدس وغزة، ويتبع أصحابها الطريقة القادرية والنقشبندية والشاذلية، وتقيم هذه الفرق الاحتفالات والفعاليات الاجتماعية، والابتهالات الدينية، لنشر طريقتها الوسطية، رغم الاختلاف الفكري من قبل بعض علماء الدين، في فلسطين وخارجها، مع أتباع وشيوخ الطريقة الصوفية".

تأسس المجلس الصوفي الإسلامي الأعلى عام 1990 ليكون ممثلاً ومنارة لسائر الطرق الصوفية في فلسطين

ويضيف "تعدّ جنين من المناطق الفلسطينية القليلة التي حافظت فيها الصوفية على انتشارها منذ أعوام، خاصة بعد مهاجمتهم من قبل التيار السلفي، واتهامهم للصوفية بأنها مصدر لبثّ الشرك والخرافات الدينية بين المواطنين، واتباع بعض المعتقدات الخاطئة، وممارسة الشعوذة وعبادة القبور، وابتعادهم عن الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي".

ويحتفل الصوفيون في اليامون بجنين، كلّ عام، بذكرى المولد النبوي والإسراء والمعراج، وفيه تشهد المدينة مسيرة حاشدة لأتباعهم، وتتخلل الاحتفالات دقّ الطبول والصاجات، وأداء مجموعة من الابتهالات الدينية، إضافة إلى إحياء الفرق الصوفية، ومناسبات الزواج والختان في المدينة، دون أن يتقاضوا أيّة أجور مالية لقاء ذلك، بحسب شراب، "ويكتفون بطلب الأجر والثواب من الله فقط، كما تواظب الفرق الصوفية بجنين على إحياء ليلتي الإثنين والجمعة من كلّ أسبوع، في مقامي النبي يامين وقبر الشيخ مبارك، المشيدين بالمدينة في عهد الدولة المملوكية، في الفترة ما بين 1250 إلى 1517 ميلادية".

تعدّ جنين من المناطق التي حافظت فيها الصوفية على انتشارها

الانتساب إلى الصوفية

وعن كيفية الانتساب للطريقة الصوفية بجنين؛ يشرح شراب "هناك بعض من المغالاة في المبايعة والانتساب للفرق الصوفية، وتضمن قيام المنتسب، أو ما يسمَّى بالمريد، بصلاة ركعتين وتلاوة بعض الآيات القرآنية أمام شيخه، وبعد أداء الصلاة؛ يجلس المريد، ويقرأ آية من القرآن الكريم تدل على مبايعة أولي الأمر، ومن ثم يأخذ شيخه عهداً عليه بطاعة منهج الفرقة القادرية، وترك معاصيها، ومبايعتها على الخير والشرّ في كلّ مكان وزمان".

اقرأ أيضاً: صوفية السودان.. نشر الدين وقيم التسامح والمحبة

ويردف "الصوفية بفلسطين بشكل عام، لا تجمعها أيّة علاقات سياسية أو تنظيمية مع أيّ فصيل فلسطيني، والتزمت الحياد في تعاملاتها وأنشطتها كافة، وقامت بتغليب الجانب الديني على السياسي، رغم مشاركتها في المظاهرات الشعبية الداعية لإنهاء الاحتلال والانقسام الفلسطيني، باعتبار فلسطين وقفاً إسلامياً، لا يجوز التفريط فيه".

رفض حكم حماس بغزة

ويؤكد شراب أنّ "الصوفية رفضت حكم وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2006، الذي تعدّه انقلاباً على الشرعية المتمثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وانتقدت حماس لتغليب مصالحها الشخصية على حساب عامة الشعب في القطاع، وعدم التزامها بتطبيق تعاليم الدين الإسلامي، وملاحقة المجاهدين من أبناء التنظيمات الفلسطينية المقاومة الأخرى".

شهدت الصوفية في فلسطين تناقصاً خلال العقود الأخيرة؛ للشكوك حول منهجها الفكري وعقيدتها الإسلامية

ويتابع: "في قطاع غزة، توجد عدة فرق صوفية، ومن أبرزها: الزاوية العلاوية، والمحمدية، والشاذلية، والذين تعرضوا، خلال حكم حماس في قطاع غزة، لمضايقات وانتهاكات كبيرة، من بينها؛ تضييق حرية الحركة والتعبير على أفرادها، ومنعهم من إقامة الاحتفالات والفعاليات الدينية والاجتماعية، وإغلاق عدد من الزوايا التابعة لهم، وذلك بدعوى أنهم يشكلون خطراً على المجتمع، ويتناقض تفكيرهم مع تعاليم الدين الإسلامي، وهي حجج واهية لا أساس لها من الصحة".

هناك بعض الفرق الصوفية الأخرى بغزة، كما يقول شراب، "فضّلت أن تقف على الحياد، وألا تتدخل في الحياة السياسية، وبالانقسام الحاصل بين حركتي فتح وحماس، مقابل السماح لها بأداء شعائرها وأنشطتها وفق شروط معينة، وإفساح المجال لأفرادها ومشايخها لإقامة زوايا لهم في مناطق محددة من قطاع غزة لممارسة طقوسهم المختلفة".

 

 

نشر المذهب الوسطي والمعتدل

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن ناصر، أبلغ "حفريات" أنّ "الصوفية ظهرت بصورة واضحة في خمسينيات القرن الماضي في قطاع غزة، وتمكنت هذه الطريقة من إنشاء المركز الأول للبحوث والدراسات في مطلع العام 2003، وذلك بهدف نشر المذهب الصوفي المعتدل، وتأسيس جماعات تقوم بإحياء الشعائر والمناسبات الدينية؛ كذكرى الإسراء والمعراج، وعاشوراء، والاحتفال بالمولد النبوي، من خلال التجوّل بين أزقة المدن في تظاهرات شعبية رافعين فيها الأعلام البيضاء مكتوباً عليها بعض الآيات القرآنية والأحاديث الدينية".

اقرأ أيضاً: زوايا صوفية في الأردن محاطة بأسوار عالية وكاميرات

ويردف "الصوفية شهدت مساندة ودعماً في فلسطين منذ عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إلى يومنا هذا، وتأسّس عام 1990 المجلس الصوفي الإسلامي الأعلى؛ ليكون ممثلاً ومنارة لسائر الطرق الصوفية في فلسطين، تحت راية ومنهج واحد؛ هو اتباع القرآن الكريم والسنة النبوية".

استغلال دول أجنبية للصوفية

ويشير ناصر إلى أنّ الصوفية في فلسطين والعالم "شهدت عدة انقسامات واختلافات داخلية بين مشايخها في تولي المناصب القيادية، وأدت إلى خروج مجموعات صغيرة عنها، وتسارع دول أجنبية لتبنيها واحتضانها، من بينها إيران والهند، لإغرائهم بالأموال بقصد تشويه المجتمعات الإسلامية، ونشر الأفكار الرجعية بين عناصرها، ودفعهم إلى ارتكاب الأعمال الإرهابية وزعزعة الأمن والاستقرار في بعض الدول المجاورة".

اقرأ أيضاً: الطرق الصوفية في تركيا.. عبادة أم سياسة؟

ويوضح: "أتباع الطريقة الصوفية يعتمدون على مبدأ الشورى في اختيار خليفتهم؛ من خلال إجراء انتخابات داخلية بين قياداتهم ومشايخهم لاختيار قائدهم الجديد، ونادراً ما يتم الأخذ بالتوريث العائلي لتنصيب مشايخهم، كما شهدت الصوفية إقبالاً متزايداً من قبل الفئات الاجتماعية المختلفة في فلسطين على الانتماء إليها، لتعاظم دورها الخدماتي والاجتماعي الذي تبلور بإنشاء مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، وجمع التبرعات للفقراء والمحتاجين، وإقامة موائد الطعام الجماعية، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، وزيارة أسر وعوائل الشهداء والجرحى".

حفلة ذكر صوفية في جنين

التزام الحياد

ويبيّن ناصر؛ أنّه "منذ ظهور الصوفية في فلسطين لم يخرج من بين أبنائها أيّ إرهابي أو متطرف، والتزمت الصوفية الحياد مع جميع فئات المجتمع وتنظيماته المختلفة، وتركز عملها ونشاطها على الجانب الروحاني والدعوي، وتجنبت التدخل في المناكفات والمنازعات السياسية الحاصلة، ودعت إلى الإصلاح والتسامح بين جميع الأطراف".

هاجم وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الأسبق في حكومة حماس بغزة صالح الرقب الطرق الصوفية ووصف كلامها بالرؤى الشيطانية

ويؤكد أنّ "الزوايا الصوفية كان لها ظهور لافت في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، وينتمي أتباعها للطريقة الخلواتية، وفي قطاع غزة توجد الزاوية العلاوية، التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي، على يد الشيخ مصطفي السعافين، وتنشط هذه الزاوية في المناسبات الدينية وعيديْ الفطر والأضحى". 

وسبق أن تعرض أتباع الطرق الصوفية لهجوم حاد من قبل وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الأسبق، في حكومة حماس بغزة، صالح الرقب؛ حيث وصف كلامهم بأنّه من قبيل "الرؤى الشيطانية والمكاشفات التي يشاهدونها في حالة الغيبوبة والسُكْر"، وطالب بإغلاق زوايا الطرق الصوفية، ومنعها من ممارسة أنشطتها، خاصة الطريقة الشاذلية التي تنشط في جنوب قطاع غزة، كما أشار إلى أنّ "معتقداتهم حول العقيدة المحمدية هي منافية لتعاليم الدين الإسلامي، وتشكّل خطراً على المجتمع بأسره".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية