هل كان إدوارد سعيد محقّاً في هجومه على ياسر عرفات؟

فلسطين

هل كان إدوارد سعيد محقّاً في هجومه على ياسر عرفات؟


25/09/2018

يعد المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد من أبرز المفكرين الذين عالجوا قضايا الفكر والثقافة، وعاين صور الاستعمار والإمبريالية بأشكالها كافة؛ إذ يعد كتابه "الاستشراق" أهم المراجع الفكرية في هذا الحقل، ففيه يعتبر سعيد الاستشراق، انطلاقاً من أواخر القرن الثامن عشر، مؤسسة مشتركة للتعامل مع الشرق وحكمه. ويقول إنه أسلوب غربي للسيطرة على الشرق، وإذا لم نكتنه الاستشراق بوصفه إنشاء فلن يكون في وسعنا أن نفهم الفرع المنظم تنظيماً عالياً، الذي استطاعت الثقافة الغربية عن طريقه، أن تتدبر وتنتج الشرق سياسياً، وعسكرياً، وعلمياً، إضافة الى الحدود المعوقة التي فرضها الاستشراق على الفكر والفعل.

انتقد سعيد، فضلاً عن عرفات، المستشارين الذين اصطحبهم معه إلى أوسلو إذ لم يكونوا أكفاء، بل مجموعة من (الفدائيين)

بيْد أن إدوارد سعيد الذي رحل في مثل هذا اليوم في مدينة نيويورك العام 2003، عن 67 عاماً، بعد صراعه مع مرض السرطان، كانت له صراعات أخرى مع القيادات السياسية، وبخاصة الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي دخلت علاقته مع سعيد في أفق ضيق بعد توقيع معاهدة "أوسلو" للسلام بين بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 13 أيلول (سبتمبر) العام 1993.

اتهام ياسر عرفات بـ"التفريط"

وشنّ سعيد انتقادات واسعة ضد "أوسلو"، كما اتهم ياسر عرفات بـ"التفريط" في حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضي الـ 48 وتجاهل تنامي الاستيطان. واتهم عرفات بأنه "سبب في الفساد والأوضاع المزرية سياسياً واقتصادياً وإدارياً". وقد بلغت العلاقة بين إدوارد سعيد والسلطة الفلسطينية ذروة التوتر العام 1995 عندما منعت السلطة الفلسطينية بيع كتب إدوارد سعيد في أراضيها، كما أشارت إلى ذلك مجلة لندن لمراجعة الكتب.

اقرأ أيضاً: برنارد لويس... بطريرك الاستشراق

وكان سعيد قبلها قد استقال من المجلس الوطني الفلسطيني، احتجاجاً على توقيع اتفاقية أوسلو، بعدما شعر بأنّ بنود وشروط الاتفاق غير مقبولة، لأنها لن تقود إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية.

وفي كتابه "غزة-أريحا، سلام أمريكي" الصادر في العام 1995 عن دار المستقبل العربي في بيروت، يقول سعيد: "لقد كنت دوماً، ولا أزال، من المؤمنين بعدم إمكانية حلّ الصراع العربي-الإسرائيلي عموماً، والصراع الفلسطيني-الصهيوني خصوصاً، حلاً عسكرياً محضاً. فأنا أؤمن - وبإخلاص- بمستقبل تتصالح فيه الشعوب والثقافات التي تبدو متنافرة الآن. وقد جعلت من هذا الإيمان والعمل على الاقتراب من تحقيقه شغلي الشاغل. إلا أنّ التصالح الأصيل لا يتم قسراً، كما أنه لن يتحقق أبداً بين مجتمعات وثقافات تتفاوت قوتها بشدة ويسيطر بعضها على البعض الآخر بالقوة".

شروط السلام الحقيقي

ويعتقد سعيد أنّ "السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مصالحة بين نديّن، وبين شريكين يستطيع كل منهما –باستقلاليته وقوة أهدافه وتماسكه- فهم الآخر ومشاركته بشكل متكافئ. وقد نجحت إسرائيل على ما يبدو، وإلى حين، في إقناع العرب بوجه عام، والقيادة الفلسطينية المنهكة بشكل خاص، بأنّ المساواة مع إسرائيل أمر غير وارد على الإطلاق، وبأنه لا سلام إلا بالشروط التي تمليها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وقد ساعدت حالة التردي العربية الشاملة على ترويج هذه الأكذوبة، حينما امتصت سنوات الحروب الفاشلة، والشعارات الفارغة، والجماهير غير المعبأة، وانعدام الكفاءة، وانتشار الفساد، حيوية مجتمعاتنا، وهي المجتمعات المعوّقة أصلاً بسبب غياب الديموقراطية والمشاركة، والأمل الذي تخلقه هذه المشاركة في نفوس الجماهير".

اقرأ أيضاً: الصراع على الإسلام.. من الاستشراق إلى الجهادية الإسلامية

ويعتبر إدوارد سعيد أنّ "هذا الفشل اللامحدود مسؤوليتنا جميعاً. فإنتاج العالم العربي يتناقص باطراد في كافة المجالات على الرغم من الموارد الطبيعية والبشرية الوفيرة التي تتمتع بها المنطقة. فقد تقلص إجمالي الناتج القومي العام في العالم العربي خلال العقد الماضي، كما انخفض الناتج الزراعي، وانكمشت احتياطيات الأموال والموارد، وتكاثرت الحروب الأهلية –في لبنان، وفي الخليج، وفي اليمن، وفي السودان، وفي الجزائر- لتقضي على البقية الباقية من أي حيوية عربية".

إسهام العرب في تطوير العلوم

ويتابع صاحب "خارج المكان" الذي روى فيه سيرته الذاتية: "إذا ما بحثنا عن إسهام العرب الحالي في تطوير العلوم والبحوث فسنجده صفراً تقريباً. وكذلك الحال في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث يتعرض خيرة الكتّاب والمثقفين والفنانين العرب للملاحقات والمضايقات، بقصد تدجينهم أو إسكاتهم تماماً، ومن يظل منهم متمسكاً برأيه فمصيره، في حالات كثيرة، السجون والمنافي. أما الصحافة العربية فحدّث ولا حرج، حيث نادراً ما تتجرأ صحيفة أو مجلة، تصدر من أي عاصمة عربية، على نشر ما يغضب النظام الحاكم في ذلك البلد. وكأنما وظيفة وسائل الإعلام الوحيدة هي خدمة الأنظمة، وترويج (الحقائق) التي تخترعها تلك الأنطمة".

اقرأ أيضاً: إعادة النظر في الاستشراق

وأعرب سعيد عن عدم استغرابه في أحوال كهذه "أن تستسلم الصفوة الحاكمة، العربية والفلسطينية لأسطورة أمريكا والوهم الزائف عن أمريكا، وليس حتى لأمريكا بوزنها الفعلي. وكثيراً ما تساورني الدهشة والعجب، كلما كشفت لي حادثة أو أخرى عن مدى جهل العالم العربي بأمريكا، في الوقت الذي يزخر فيه هذا العالم بالتحليلات المضللة التي يطالعها القارئ العربي صباح مساء عن أمريكا والغرب. بل إن الأمر قد تفاقم بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث ساد افتراض مؤداه، أنه طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية خرجت منتصرة من هذه الحرب، وطالما أنها القوة العظمى الوحيدة في العالم الآن، فإن هذا يعني بالضرورة قبول ما تريده، والانصياع لأوامرها بشكل حرفي. هذا في الوقت الذي تنتشر فيه، على الجانب الآخر، مشاعر العداء الأعمى لأمريكا، وكأنما يمكن اختزال هذا البلد الكبير وشعبه إلى نمط بسيط أحادي البعد".

"عرفات يواصل منح رئيس وزراء إسرائيل شهادات الجدارة"

وهاجم سعيد الزعيمَ الفلسطيني ياسر عرفات؛ لأنه "يتحدث كثيراً عن (صديقه) بيل كلينتون، في الوقت الذي يواصل فيه صديقه هذا دعمه غير المشروط لإسرائيل، ويرفض إدانة العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون، ولا يحرك ساكناً للدفاع عن أي مصلحة للفلسطينيين، ناهيك عن مصالح منظمة التحرير الفلسطينية. فعندما قامت القوات الإسرائيلية بإخلاء بعض المواقع العسكرية في غزة، وإعادة نشر القوات في مواقع أخرى، وافق الكونغرس الأمريكي على منح إسرائيل معونة إضافية –زيادة على الخمسة بلايين دولار التي تتلقاها سنوياُ- تقدر بـ180 مليون دولار، وذلك لمساعدتها على القيام بهذه المهمة. هذا في الوقت الذي ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تدرج فيه منظمة التحرير الفلسطينية ضمن المنظمات الإرهابية. والولايات المتحدة لا تعارض فقط حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، بل إنها قامت، في عهد الإدارة الجديدة، بتغيير سياساتها فيما يتعلق بالفلسطينيين إلى الأسوأ، حيث أصبحت تقر ضم إسرائيل للقدس والتوسع غير القانوني لأكثر من 200 مستوطنة يهودية. أما التقييم الفلسطيني الرسمي لطبيعة إسرائيل –التي يواصل عرفات منح رئيس وزرائها شهادات الجدارة والثقة- فهذه مهزلة أخرى، حيث تجتمع عدم المعرفة والحماقة في هذا التقييم. ويغيب وسط كل هذا أي تنسيق عربي حقيقي، إعلامي أو ثقافي، يتوجه للرأي العام الأمريكي الذي تختلف قطاعات مهمة منه مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط."

هاجم سعيد الزعيمَ الفلسطيني ياسر عرفات نجد ياسر عرفات، لأنه يتحدث كثيراً عن (صديقه) بيل كلينتون

وعن ظروف استقالته من المجلس الوطني الفلسطيني، كشف سعيد في كتابه أنّ الاستقالة جاءت "في أعقاب اكتشاف الأطباء أنني أعاني من مرض اللوكيميا. إلا أنّ المرض لم يكن هو الباعث الوحيد وراء الاستقالة. فقد كانت هناك أيضاً الشروط التي قبلتها القيادة الفلسطينية حتى يتسنى لها الذهاب إلى مدريد، والتي كنت أرى أنها ستؤدي بنا إلى كارثة. وعلى الرغم من أني أعطيت صوتي في دورة المجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت في الجزائر عام 1988، لصالح  حل القضية على أساس وجود دولتين، إلا أنني أخذت أرى بوضوح، ومنذ العام 1991، الأسلوب الذي يتم به إهدار المكاسب التي حققتها الانتفاضة، بل وإصرار ياسر عرفات وحفنة من مستشاريه على قبول أي شيء تلقي به الولايات المتحدة وإسرائيل في طريقهم، حتى لا يفوتهم ركب (عملية السلام). وقد أدت السياسات الخاطئة التي اتبعتها منظمة التحرير، إبان أزمة الخليج، والإدارة غير الرشيدة للأموال وللأصول الفلسطينية، إلى هذا التحول. فقد وجدت قيادة منظمة التحرير نفسها، وفي خضم حالة الفوضى والذعر من المستقبل، تفرط في كافة الأهداف الوطنية والمشروعة للشعب الفلسطيني لصالح ما يعرف (بالحل الانتقالي)، الذي اقترحه شامير، وأيده جورج بوش وجيمس بيكر. وهكذا خرج الفلسطينيون من المولد بلا اعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم، وبلا ضمان لسيادة مستقبلية، وبلا حقوق في التمثيل، في تقرير مصيرهم، وبلا ضمان لسيادة مستقبلية، وبلا حقوق في التمثيل، وبلا ذكر حتى لأي تعويضات لهم من الدولة التي تسببت في تشريدهم وضياع حقوقهم، هذا في الوقت الذي حصلت فيه نفس هذه الدولة من ألمانيا على 40 بليون دولار أمريكي تعويضاً عما لحق باليهود إبان الحرب العالمية الثانية."

اتهم عرفات بأنه "سبب في الفساد والأوضاع المزرية سياسياً واقتصادياً وإدارياً"

حركة تحرر تتعامل مع احتلال!

وعن توقيع أوسلو قال سعيد "جاء إعلان مبادئ أوسلو، الذي تم الاحتفال بالتوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض (...) بالمزيد من التنازلات – كأنما كل هذه التنازلات التي ذكرتها لم تكن بكافية. فقد تنازلت القيادة الفلسطينية، ولأول مرة في التاريخ الفلسطيني الحديث، لا عن حق تقرير المصير فقط، بل وعن القدس وقضية اللاجئين، حيث أرجأت هذه الأمور مجتمعة إلى مفاوضات (المرحلة النهائية)" غير المحدودة الشروط. كذلك تم قبول تقسيم الشعب الفلسطيني، الذي ناضلت قواه منذ العام 1948 من أجل الحفاظ على وحدته، إلى سكان الأراضي المحتلة يتم التعامل معهم داخل إطار عملية السلام، وآخرين –وهم يمثلون حوالي 55 في المئة من الفلسطينيين- تتجاهلهم (عملية السلام) هذه. وها نحن نشهد الآن ولأول مرة في القرن العشرين، حركة تحرر وطني تفرط في إنجازاتها الضخمة وتقبل التعاون مع سلطة احتلال، قبل أن تجبر هذه السلطة الاعتراف بعدم شرعية احتلالها للأراضي بالقوة العسكرية".

وانتقد سعيد، فضلاً عن عرفات، المستشارين الذين اصطحبهم معه إذ لم يكونوا "مستشارين قانونيين أكفاء"، بل حفنة من المفاوضين الفلسطينيين السريين "كان ينقصهم الدراية والحنكة، فهم في نهاية المطاف مجموعة من (الفدائيين) الذين لم يفوضهم شعبهم للذهاب، والذين أرسلوا إلى أوسلو في مهمة تم بمقتضاها تفكيك بنية المقاومة الفلسطينية بأكملها، دون أن يكون في حوزتهم خرائط تفصيلية، ودون أي معرفة جادة بالحقائق والأرقام، ودون أي إلمام حقيقي بطبيعة إسرائيل أو مقتضيات المصلحة القومية للشعب الفلسطيني".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية