العملية العسكرية المصرية ضد الإرهاب: التوقيت والدوافع

مصر

العملية العسكرية المصرية ضد الإرهاب: التوقيت والدوافع


10/02/2018

تمثل العملية العسكرية الشاملة ضد الإرهابيين، التي بدأها الجيش المصري الجمعة 9 شباط (فبراير) 2018، مرحلة جديدة، أصبحت فيها القوات المصرية هي من تحرك الأحداث حولها ولا تحركها الأحداث، فلأول مرة يذيع المتحدث العسكري بياناً إعلامياً قبل بدئها، ويعلن أنها ستشمل الأرض والجو، وشمال سيناء ووسطها، ومنطقة الواحات والدلتا والحدود الغربية، في وقت واحد، وهذا يشير إلى أنّ مصر الآن ممسكة بكل الخيوط بحزم وقوة، فيما يتقهقر الإرهاب.

العملية جاءت عقب اجتماع ضم وزيري خارجية مصر والسودان، وكذا عملية عسكرية من قوات الجيش الليبي، بقيادة خليفة حفتر للقضاء على معسكرات الإرهاب بدرنة، وعقب تنسيق كبير بين منظمة حماس وجهاز الاستخبارات المصرية، أسفر عن القبض على عدد من الخلايا، كان آخرها خلية من 18 عنصراً داعشياً، كانت ستنتقل من سيناء لغزة للقيام بعمليات إرهابية واسعة في القطاع.

السبب الأهم وراء العملية هو أنّ الوقت الراهن هو المثالي لتوجيه ضربة شاملة عقب انهيار التنظيمات الإرهابية

أسباب انطلاق هذه العملية الشاملة، هي اقتراب الانتخابات الرئاسية، التي ستجري بين مرشحين اثنين فقط هما الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ورئيس حزب الغد، موسى مصطفى، فضلاً عن انتهاء مهلة الثلاثة أشهر، التي وضعها السيسي لرئيس أركان الجيش للقضاء على الإرهاب في سيناء، ويُعتقد على نطاق واسع أنها أحد الأسباب المحركة للعملية، إضافة إلى معلومات مؤكدة من مصادر أمنية مصرية، بأنّ العملية جاءت عقب رصد اتصالات بين قيادات إخوانية هاربة بتركيا ومجموعات نوعية مسلحة داخل مصر للقيام بعمليات إرهابية داخل عدد من المحافظات قبل الانتخابات الرئاسية.
السبب الأهم للعملية
السبب الأهم هو أنّ ثمة من يعتقد في المؤسسة الرسمية المصرية بأنّ الوقت الراهن هو المثالي لتوجيه ضربة شاملة عقب انهيار التنظيمات الإرهابية، فمنذ فترة لم يتم الإعلان عن عمليات للواء الثورة أو حسم، كما حدثت موجة انشقاقات كبيرة داخل تنظيم بيت المقدس، المبايع لداعش، عقب مجزرة مسجد الروضة، وكانت خطة التنظيم الإعلامية، هي تخطي هذه المجزرة بأية أعمال تحظى بقبول عام.
وحاول التنظيم في شمال سيناء بكل ما تبقى من لديه من قوة، إثبات تسلله ليلاً لمناطق الترابين، وتصوير بعض المشاهد المرئية، أو القيام بعمليات تنكيل بالأهالي، وهي سياسة الحرب النفسية التي يقوم عليها، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، ومنذ أسابيع قليلة أصدر التنظيم قراراً بسرقة سيارات الدفع الرباعي للترابين، بعد العجز الواضح لديه في السيارات والعتاد، وأما عن الجهاز الأمني للتنظيم، الذي يشرف عليه صالح زارع، فقده قتل شخصاً يدعى أبو مريم الروسي، بسبب طلبه ترك التنظيم، وتوجيه الإهانة لقياداته، كما عذب مهاجراً (جزاروي) أي من السعودية، يدعى أبو عواد الجزراوي، لأنه فكر في الهرب، وفي مقابل تلك الأزمات التي تواجه التنظيم، فقد اعتمد خطة تقوم على التدليس على العناصر والكذب، بحجة أن الكذب في وقت الحرب جائز، وهي إحدى أدواته لإقحام عناصره في معارك مع قبائل سيناء، عقب الهزائم التي لحقت بتنظيم داعش الأم في العراق والشام، وزوال مناطق سيطرته تماماً، وبعد توقف التجنيد، مما سبب ضعفاً ملحوظاً في إمكانياته.

بماذا تختلف العملية عن سواها؟
هذه العملية العسكرية الشاملة تختلف عن العمليات الأخرى، مثل نسر 1ـ، ونسر 2، وعملية حق الشهيد؛ حيث إنّ المواجهة كانت تعتمد على اقتحام بعض المناطق دون غيرها، وهذا أدى لرد فعل عكسى؛ إذ أعطى نفساً طويلاً لتلك التنظيمات، التي قامت بعمليات استقطاب واسعة للأهالي، بسبب غياب الدولة عن بعض المناطق خاصة شمال سيناء، تنموياً وثقافياً واجتماعياً.

التنظيمات في مصر، كما يعلم المطلعون، ليست تنظيماً واحداً، ولكل تنظيم فكره وأسلوبه في الحركة، وتوافر السلاح

خلال الفترة الماضية اعتمد التنظيم على ثلاثة أنواع من الحروب؛ أولها "إرهاب المدن"، ويشمل بالأساس ضرب أهداف مدنية سهلة عبر العبوات والمفخخات والانتحاريين وعمليات الاغتيال، وأما النوع الثاني فهو تكتيكات حروب العصابات، ويشمل عمليات الكر والفرّ على أهداف عسكرية مع محاولة السيطرة على الأرض لفترة محدودة، مع تجنب مواجهة مباشرة طويلة أو متوسطة المدى مع الجيش أو الشرطة، واستغلال مجموعات في الدلتا والوادي، وأما النوع الثالث فهو استخدام خليط من المدفعية الثقيلة والخفيفة والصواريخ لا ستهداف بعض القوات، مثلما حدث في مدينة الشيخ زويد عام 2015.
في مقابل ذلك كان الأمن المصري يعتمد على عناصر غير كفؤة، وغير مدربة في الإرشاد عن عناصر التنظيمات، وقد كانت سبباً كبيراً في فشل عدد من الحملات الأمنية، بل ومنهم من كان يعمل مزدوجاً مع التنظيم، وأدلى بمعلومات غير موثوقة عن قيادات داعش، وهو ما ثبت بعد ذلك كذبه، مثل مقتل القيادي كمال علام، أو شادي المنيعي، وكلاهما قتل أكثر من 5 مرات، وظهر ليتحدى دعائياً أكثر من 5 مرات أيضاً، ومنه الفيديو الشهير لكمال علام، حينما ظهر ليتبنَّى هجوماً على سبعة مواقع عسكرية على الطريق الساحلي بين العريش ورفح، وقال في شباط (فبراير) 2016: "لا ترسل تعزيزات إلى سيناء. أرسل جيشك كله ليباد هنا في الصحراء".

خطوات التعامل المصري الآن مع الجماعات التكفيرية هي تحديد الجماعات، وأساليبها في التكيف، وتحديد القطاعات المستهدفة لها

عقب هذه العملية العسكرية، طُرح السؤال حول انتهاء جماعات الإرهاب، ولم يقل أحد مطلقاً إنّ المعركة ستنتهي في القريب العاجل بمصر، والأنباء التي أفادت أمس الجمعة بمقتل 3 أشخاص والقبض على 14 آخرين من جماعة "حسم" الإخوانية الإرهابية، يؤكد هذه الحقيقة، فقد جاء في سياق ظروف أكبر من النظام المصري الحالي؛ حيث لجماعات الإرهاب امتدادات ذات علاقة بالجغرافيا والتاريخ، كانت سبباً مباشراً فى تلك الحالة، ومنها عمل الأجهزة الأمنية المصرية في بيئة صحراوية شاسعة، وتكليف الجنود بمهام "شرطية" لم يتدربوا عليها أصلاً، فضلاً عن صعوبة الحصول على معلومات استخبارية، والبيئة الإقليمية التي جعلت السلاح الليبي يصل بسهولة إلى هذه المجموعات.
أبعاد المسألة الإرهابية في مصر
المسألة الإرهابية في مصر، في نظر مراقبين لما يجري، ذات أبعاد سياسية وأمنية وعسكرية واجتماعية واقتصادية وقبلية وتنموية، والتركيز على البعد الأمني والعسكري، هو أول الفشل في القضاء على التنظيمات؛ لأنّ الأمن مرتبط بالعناصر الأخرى، وللأسف فمنذ عام 2000 وحتى الآن لا يتم سوى التركيز على الأمن فقط، وهو ما يستغلونه في التجنيد.
التنظيمات في مصر، كما يعلم المطلعون، ليست تنظيماً واحداً، ولكل تنظيم فكره وأسلوبه في الحركة، وتوافر السلاح، والفضاء الواسع الذي تتحرك فيه هذه التنظيمات، والبيئة البائسة والمأساوية لسيناء بشمالها ووسطها، وافتقادها للإعمار والتنمية الحقيقين طيلة عقود، شكّل وضعاً معقداً وصعباً يزيد من تعقيده وصعوبته تماسه مع كل من العدو الصهيوني من جانب، وقطاع غزة من جانب آخر، وبالتالي فإنّ ترجيح حدوث عمليات إرهابية عقب عملية الجيش المصري الشاملة واردة، فالمشكلة متعددة الأبعاد، على المستويين الأفقي والرأسي، وتتداخل فيها أطراف كثيرة، منها ما هو محلي، ومنها ما هو إقليمي ودولي.
خطوات التعامل المصري الآن مع الجماعات التكفيرية هي تحديد الجماعات، وأساليبها في التكيف، وتحديد القطاعات المستهدفة لها، وأساليب الاختراق للجماعات، ثم تركيع وتفتيت التنظيمات بعملية عسكرية كبيرة، والمسارات المحتملة لما يمكن أن يجري أن تنظيمات الإرهاب فشلت في بسط سيطرتها في سيناء أو الواحات، ولم تنجح في التحول من عمليات النكاية إلى عمليات التمكين، والخط البياني لتلك التنظيمات سينحدر، كما تُرجّح التوقعات، إلى الجانب السفلي، وعملية الجيش المصري الشاملة الأخيرة مُقدّمة لذلك.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية