​ ما أسباب انقسام الأحزاب الإسلامية الجزائرية حول المشاركة في الحكومة؟

​ ما أسباب انقسام الأحزاب الإسلامية الجزائرية حول المشاركة في الحكومة؟


07/07/2021

أزراج عمر

تميز المشهد السياسي الجزائري خلال هذا الأسبوع بتغير درامي مفاجئ في موقف حزب "حركة مجتمع السلم" الإسلامي الذي يعتبر أكثر الأحزاب الإسلامية الجزائرية تنظيماً وحضوراً في مختلف محافظات البلاد، ونفوذاً على مستوى الجزائر العميقة، من المشاركة في الحكومة التي ينتظر أن يعلن عنها خلال أيام قليلة جداً. ويتمثل هذا التغير في إعلان زعيمه عبدالرزاق مقري، في ندوة صحافية، رفض مجلس شورى حزبه المشاركة في هذه الحكومة القادمة بشكل قطعي. ومن المعروف أن مقري كان قد أعلن سابقاً وتحديداً أثناء الحملة التمهيدية للانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 12 حزيران (يونيو) الماضي، وكذلك في الأيام الأولى التالية على انتهاء تلك العملية الانتخابية وقبل الإعلان الرسمي عن نتائجها النهائية، أن حزبه ينوي الالتزام بتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية في حال فوزه بالأغلبية البرلمانية. كما صرح مراراً بأن المشاركة في الحكومة ليست بأمر غريب على حزبه وكان يعني بذلك عضوية حزبه في حكومة التحالف الرئاسي في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

 وهنا نتساءل: لماذا هذا الرفض الآن المشاركة في الحكومة وما الذي حدث بعد لقاء الوفد الرسمي لحزب "حركة مجتمع السلم" بقيادة مقري الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون الذي استجابت لدعوته الأحزاب والشخصيات التي حصلت على المقاعد في هذه الانتخابات البرلمانية إلى المشاورات تمهيداً لتشكيل الحكومة قريباً؟ 

من الواضح أن المبررات التي قدمها مقري لتبرير عدم مشاركته في الحكومة، وذلك بعد اللقاء مع الرئيس الجزائري، كانت ملتبسة، إذ أشار حيناً إلى اختلاف وجهة نظر حزبه مع الأسلوب الذي أعلن عنه جهاز رئاسة الجمهورية في انتقاء الوزراء، وحيناً آخر اكتفى بنقد تناقض دعوة الرئيس تبون "حزب حركة مجتمع السلم" إلى المشاركة في الحكومة وبالتزامن استبعده من المشاركة في الحكم في آن واحد. 

وفي الحقيقة فإن الأسباب الجوهرية لرفض حزب "حركة مجتمع السلم" المشاركة في الطاقم الحكومي القادم هي أعمق من التبريرات التي ساقها رئيسه عبدالرزاق مقري في مؤتمره الصحافي.

اما الأسباب الحقيقية التي لم يفصح عنها مقري بكل صراحة ووضوح فأولها إعادة إنتاج الأسلوب القديم الذي كان يتميز بالقرارات الأحادية للرؤساء الجزائريين من جانب الرئيس عبدالمجيد تبّون، وتمثل هذه المرة في عدم استشارته "مجتمع السلم" وأحزاب أخرى بخصوص اختيار الوزير الأول الذي كان هذا الحزب يأمل في أن يكون إما من نصيبه أو أن يستشار على الأقل في انتقائه بشكل يضمن التزام الوزير الأول ببرنامج الرئيس من دون أن يتناقض ذلك مع برنامج حزب "حركة مجتمع السلم" الذي خاض على ضوئه الانتخابات البرلمانية. وأكثر من ذلك فإن الأحزاب الجزائرية استغربت تعيين الوزير الأول من جانب رئيس الجمهورية قبل اجتماع الغرفة السفلى من البرلمان الجديد لترتيب أوضاعه وانتخاب رئيسه ونوابه وكذلك لجانه والكتل التي اعتاد على على تشكيلها أعضاؤه، علماً أن مجلس الأمة لم يجتمع أيضاً ويعني هذا كله أن البرلمان بغرفتيه ليس إلا هيئة شكلية وليس هو الذي يقرر مصير الحكومة وفي الصدارة الوزير الأول. 

أما السبب الثاني الذي ذكره مقري بشكل ناقص الوضوح فيتمثل في عدم رضا حزبه عن طلب الرئيس تبون منه أن يقدم له قائمة من مرشحيه للمناصب الوزارية شرط أن يتراوح عددهم بين 10 و18 مرشحاً ويختار جهاز الرئاسة بمعية أجهزة النظام الحاكم الأخرى، وليس حزب "حركة مجتمع السلم"، من يريد منهم كوزراء أولاً شرط أن لا يتجاوز عددهم في أحسن الأحوال 5 أشخاص من هذا الحزب بالذات. وزيادة على هذا فإن لقاء وفد الحزب مع الرئيس تبون لم يؤدِ إلى حسم قضية وزارات السيادة مثل (وزارات المال والدفاع والداخلية والخارجية والتربية والتعليم) التي لا تسند إلا إلى الوزراء الذين يمثلون النظام الحاكم. 

وهناك سبب ثالث جوهري آخر وراء الخلاف بين الرئيس تبون والمقربين منه في مؤسسة الرئاسة وبين قيادة حزب حركة "مجتمع السلم" وهو أن الرئيس تبون وطاقمه الاستشاري لم يوافقا على طلب حزب "حركة مجتمع السلم" إسناد رئاسة الغرفة السفلى من البرلمان له. 

في ضوء ما تقدم نفهم لماذا رفض مقري قبول الثنائية المتضادة التي تريد الرئاسة أن تفرضها وهي تتمثل في تناقض وجود مجموعة من الوزراء في الحكومة مع رفض مشاركة الحزب الذي ينتمون إليه في إدارة شؤون الحكم وتقرير مصيره في الوقت نفسه. وهنا ندرك في الحقيقة أن المحرك الأساسي لمنظومة الأحزاب الجزائرية ومنه حزب "حركة مجتمع السلم" هو الرغبة الملحة إما في تقاسم السلطة أو الوصول إلى السلطة المطلقة على نحو أحادي. وهما الأمران اللذان أنكرهما مقري في كثير من تصريحاته السابقة الموثقة طبعاً وآخرها التصريح الذي أدلى به الى موقع " الأناضول" وجاء فيه حرفياً: "هاجس وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم موجود في المشرق العربي وليس في المغرب العربي". 

وفي الواقع فإن رفض حركة "مجتمع السلم" المشاركة في الحكومة القادمة يوازيه موقف معاكس اتخذه حزب إسلامي آخر تحصل على 39 مقعداً في البرلمان الجديد هو حزب "حركة البناء الوطني" الإسلامي الذي أعلن رسمياً يوم السبت الماضي تمسكه بخيار المشاركة الاستراتيجي في الحكومة القادمة بعد موافقة مجلس شورى هذا الحزب على ذلك.

يعني هذا الموقف، من جهة، حصول شرخ عميق بين هذا الحزب البراغماتي وبين حزب "حركة مجتمع السلم" الذي تتحكم فيه عقيدة إسلامية عابرة للقارات تابعة أيديولوجياً لتنظيم "الإخوان المسلمين" العالمي، ومن جهة أخرى، يعني أن المشهد السياسي الجزائري العام يبرز الآن أن ما سمي سابقاً بمنظومة الأحزاب الإسلامية الجزائرية قد تشهد تمزقات وتشظيات أكثر درامية في المستقبل المنظور، ويبدو أن من الصعب أن تجد مخرجاً من تناقضات مواقفها وولاءاتها وهو الأمر الذي ينذر بتفكك الإسلام السياسي الحزبي رويداً رويداً في الجزائر.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية