"يتفكرون" برنامج يتناول أفكار التنوير بجرأة ويمنح عقل المشاهد أجنحة

تنوير

"يتفكرون" برنامج يتناول أفكار التنوير بجرأة ويمنح عقل المشاهد أجنحة


15/01/2018

يمكن القول إنّ المسافة الشاسعة التي تباعد ما بين المفكر العربي والجمهور، تظل عائقاً أمام حصول سيولة معرفية في المجتمع؛ حيث يبقى المفكّر بين مفاهيمه ونظرياته ومصطلحاته منعزلاً في مدار بعيد، قد لا يتقاطع أبداً مع اهتمامات الجموع الهائمة على وجهها، تكابد أنواء الحياة ليل نهار، لتنفتح ثغرات في المجتمع، ينفذ من خلالها المدعون وتجار الدين، وهو ما يخلق مزيداً من حواضن التجهيل والتغييب.

"يتفكرون" مغامرة معرفية لطرح سائر التساؤلات الإشكالية للنقاش واستنطاق التراث باستدعاء منطلقاته للكشف عن المسكوت عنه

وكان لابد للإعلام من أخذ زمام المبادرة، والتحليق بالمشاهد نحو فضاءات الفكر، ومساحات التنوير، بالعمل على محورين مهمين أولهما: الأخذ بيد المثقف ومساعدته على تبسيط أفكاره، والثاني: عرض تلك الأفكار على نطاق واسع، وتهيئة الجمهور لاستقبالها والتفاعل الإيجابي معها، من خلال برامج ثقافية، معدة بشكل يناسب المتلقي، وأولوياته في ضوء ما يطرحه الواقع من قضايا.

من هنا جاءت فكرة برنامج "يتفكرون" الذي يبدأ أولى حلقاته مساء الثلاثاء 16 كانون الأول (يناير) 2018 على فضائية "الغد العربي"، بصحبة الدكتور خالد منتصر، ونخبة من المفكرين والفلاسفة العرب في مختلف التخصصات.

 

 

فكرة البرنامج

"يتفكرون" مغامرة معرفية، لطرح سائر التساؤلات الإشكالية للنقاش، واستنطاق التراث، باستدعاء منطلقاته، للكشف عن المسكوت عنه، وفضّ الاشتباك بين النص، والراهن، وحركة التاريخ. يعتمد البرنامج على طرح قضايا إشكالية ملحة، في واقع بات يئن تحت وطأة التعصب، والإحالة الدائمة على النص، دون وعي لصيرورة التراكم المعرفي، وحركة المحتوى وفقاً للزمان والبيئة الحاضنة للنص، ومنطلقات الاجتماع الإنساني وما يفرضه من أولويات، فكان لابد من طرح جملة من المفاهيم، التي قد تبدو عسيرة الضبط والتبسيط من الوهلة الأولى.

كان ثمة حرص لافت على استضافة نخبة من مفكري العالم العربي، من مصر وتونس ولبنان والأردن والمغرب وفلسطين والعراق والسودان وموريتانيا وسوريا، على اختلاف مناهجهم ومدارسهم الفكرية؛ حيث توزعوا بين الجامعات المدنية مثل: جامعة القاهرة، وعين شمس، ومحمد الخامس، ومنوبة، والجامعة اللبنانية، والجامعة الأمريكية بدبي، وغيرها، والجامعات والكليات الدينية كالأزهر، ودار العلوم، والمعهد الملكي للدراسات الدينية، بالإضافة إلى عدد آخر من المفكرين العرب، ممن يعملون في جامعات الغرب، مثل جامعتي ماربورج وتوبنجن بألمانيا.

تنوير في وجه الظلاميين

مقدّم البرنامج الدكتور خالد منتصر قال لـ "حفريات" إنّ برنامج "يتفكرون" محاولة، قد تكون "الأولى من نوعها في الإعلام العربي، لبداية برامج تنويرية حقيقية"، مشيراً إلى أنّ البرنامج قد لا يُحدث "ثورة فكرية"، لكنه على الأقل "يبدأ الطريق الطويل والصعب".

وأردف منتصر أنّ كل فريق العمل؛ المذيع والمعد والمخرج، وكذلك الضيفان، الجميع سوف يتوارى خلف الكاميرا، كي تتقدم قضية التنوير، وسنطرح على الناس كل التساؤلات، وصولاً إلى السؤال المركزي: هل جاء الدين لسعادة الإنسان؟ أم لجعله مجرد ترس، في آلة يسيطر عليها أصحاب الفاشية الدينية؟

فرضت قضايا "العنف الديني" و"التكفير" و"الجهاد" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" نفسها كقضايا محورية في البرنامج

وهو ما تؤكد عليه إدارة القناة، التي ارتأت ضرورة الخروج بالمثقف العربي إلى مساحات جديدة من التفاعل مع جمهور المشاهدين، في محاولة لدمج المثقف مع قضايا عموم الناس، لتعتاد عين القارئ على نمط جديد من المناقشات، ويبدأ عقله في التفاعل، ليضع يده على مشكلاته الرئيسية التي تسببت في كل هذا القدر من التردي الحضاري، منوهة إلى أنّ "يتفكرون" نمط جديد من البرامج تتمنى إدارة "الغد" المضيّ قدماً في تعميمه، رغماً عما يمارسه الظلاميون من تغييب للوعي الجمعي العربي.

القضايا التي تناولها البرنامج

أملى الواقع قضاياه بإلحاح، وفقاً لما تقتضيه سيناريوهات الأحداث المتتابعة، ففرضت قضايا "العنف الديني" و"التكفير" و"الجهاد" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" نفسها، كقضايا محورية خصص لكل منها حلقة منفردة من حلقات البرنامج، قبل أن تفضي إلى سؤال مركزي كان موضوعاً لحلقة بعنوان: "الدولة الإسلامية وهم أم حقيقة ؟" في محاولة تفكيك معرفية لبنية العنف والإرهاب، وإعادة قراءة التراث في ضوء الواقع، للوقوف على حقيقة ما تواتر في النصوص من أحكام، واختزلته جماعات العنف الإسلاموي في بنيتها.

كما ناقش البرنامج أبرز ما يطرحه الدين في مضمار السياسة والحكم، كطرف فاعل في معادلة السلطة، في ظل خروج جماعات الإسلام السياسي إلى السطح بعد انفجار عاصفة الربيع العربي، فناقش البرنامج في هذا السياق قضايا: "الدين والقومية" و"الشورى والديموقراطية" و"الحاكمية"، و"الشريعة الإسلامية والقانون المعاصر" و"الخلافة" و"الإمامة"، و"الكهنوت والمؤسسة الدينية"، كما نوقشت قضايا المرأة وأهل الذمة في المجتمعات الإسلامية، وصولاً لإشكالية الإصلاح الديني، في ظل تصاعد دعوات تجديد الخطاب.

موضوع التدين الشعبي من أبرز القضايا التي طرحها البرنامج باعتباره محصلة لتفاعل النص مع الواقع

كذلك طرح البرنامج القضايا والمسائل الحضارية للنقاش، في ضوء ذلك الإصرار التعسفي على ربط كل مناحي الحياة بالدين، من قبل جماعات الإسلام السياسي، كقضايا: "محاكمات الفكر" و"الحسبة"، و"الدين والفنون"، و"الدين والأخلاق"، و"الدين والعلم"، في محاولة للوقوف على المسافات البينية، بين الدين ومظاهر الحياة الحضارية، واستكشاف المنطق الذي يلاحق به الإسلاميون كل أشكال الإبداع، فيحاكمون الخيال، وفق رؤية أحادية جافة لعمل الدين في الحياة.

وكان موضوع التدين الشعبي، من أبرز القضايا التي طرحها البرنامج للنقاش، باعتباره ذلك النوع من التدين الذي يأتي كمحصلة لتفاعل النص مع الواقع في سياق حركة الاجتماع، ومن خلال البنى الثقافية والتاريخية، ليقف كحائط صد أمام موجات التطرف الأصولي.

آراء بعض الضيوف المشاركين في "يتفكرون":

الدكتور عبد السلام القصاص، والمتخصص في فلسفة التاريخ يقول: "برنامج يتفكرون من التجارب الإعلامية التى أتمنى تعميمها؛ فطرح الأفكار للنقاش الحر هو السبيل لمواجهة كل أشكال التعصب في مجتمعاتنا، أن نحترم الرأي والرأي الآخر، ثم نمضي في الاشتباك المعرفي مع كل التساؤلات الإشكالية، هو حتماً طريق ينتهي بانتصار الانسان."

من جانبه، يؤكد الدكتور أشرف منصور أستاذ الفلسفة بجامعة الإسكندرية لـ"حفريات"، أنّ إطلاق برنامج "يتفكرون" حدث ثقافي مهم، فلأول مرة - في رأيه - يتم تناول قضايا وإشكاليات الفكر الإسلامي في برنامج حواري، بأسلوب مبسط، بالاستعانة بأفضل الأساتذة والخبراء، الذين يقدمون خلاصة تجربتهم مع تلك القضايا والإشكاليات. البرنامج "يقدم وجبة فكرية دسمة، ويطرح قضاياه على الجمهور العريض، وأفضليته تكمن في بعده عن الاستعراض والإثارة الإعلامية المعتادة في برامج التوك شو، بمناقشة هموم جادة وملحة، بأسلوب راقٍ، بفضل محاور مخضرم، هو الدكتور خالد منتصر".

ويرى الدكتور عبد الله شلبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نايف السعودية، أنّ مهمة "يتفكرون" هي: "إعادة الاعتبار إلى العقل الانساني في بلادنا؛ فالعقل في مجتمعاتنا واقع بين شقي الرحى: الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، و"يتفكرون" دعوة لتحرير العقل العربي من أسر الإثنين معاً، كبشارة الجنوبي المبدع أمل دنقل في سفره العهد الآتي، و"يتفكرون" يعمل على إعادة الاعتبار للعقل، ليكون حكماً في حياة الناس" .

طرح البرنامج القضايا الحضارية للنقاش في ضوء الإصرار على ربط كل مناحي الحياة بالدين من قبل الإسلام السياسي

في برنامج "يتفكرون"، يقول الدكتور أحمد سالم، أستاذ الفلسفة بجامعة طنطا، مرّ الضيوف بحالة عصف ذهني كبير، حيث استضاف البرنامج رموز الفكر والثقافة من أرجاء العالم العربي، من المشرق والمغرب، ليدير المحاور معهم حوارات عميقة وثرية، حول العديد من القضايا التي تهم المشاهد العربي، حول إشكالات فكرية وثقافية، حول الحاكمية، والدين والسياسة، وتجديد الخطاب الديني، والتدين الشعبي، وهي قضايا حيوية كثيرة ومهمة للغاية.

وفي نظر الدكتور محمود النزلاوي، الأستاذ بمعهد الدراسات الإسلامية بجامعة توبنجن الألمانية، فإنّ فكرة  البرنامج "رائعة، وتهدف كما يدلّ اسم البرنامج إلى تناول مسائل تنويرية عصرية، تناقش فيها كل قضية من مختلف الزوايا، من أجل تقديم تصور كامل عنها، يدعو فعلاً للتفكر. وقد لفت نظري أنّ هيئة الإعداد جادة وهادفة ومخلصة في قصدها ، كما أنّ مقدم البرنامج كان يتيح الفرصة كاملة للضيف دون محاولة لأدلجة الحوار".

ويقول الباحث طارق أبو السعد: "من الصعب اختصار برنامج "يتفكرون" في كلمات؛ فمشاعر القلق والانتظار والفرحة معاً صاحبتني طوال اللقاء. كانت تجربة غنية مثيرة ألهبت حماستي للقراءة والبحث بشغف، كما تمكن المحاور الدكتور خالد منتصر من إدارة اللقاء بمهارة فائقة، وقادنا إلى مناطق حوارية مهمة. تجربة مفيدة بكل المقاييس، بالفعل استمتعت بها، وأتمنى أن تتكرر مرة أخرى.

برنامج يتفكرون يأتيكم الثلاثاء الساعة 08:05 PM بتوقيت غرينتش

ويعاد في اليوم التالي عند الثامنة صباحاً، ويعاد مرة ثانية في الواحدة فجراً

تردد قناة الغد: نايل سات HD 11430 - V 27500

الصفحة الرسمية للبرنامج على فيسبوك:

https://www.facebook.com/yatafkaron/

الصفحة الرئيسية