الإسلاميون.. وتجربة "المسيحية الديمقراطية"

الإسلاميون.. وتجربة "المسيحية الديمقراطية"


25/02/2018

خليل علي حيدر

لماذا فشلت الأحزاب الإسلامية هذا الفشل الذريع في العالم العربي؟ الأسباب يقول الكُتاب كثيرة. "ربما كان أهمها إنها لم تتطور، لا على مستوى الفكري ولا على مستوى النظرة إلى تحول المجتمعات. وهذا الجمود يتركها على هامش الحياة السياسية أو يضطرها إلى الانعزال وتكفير الجميع والتحول إلى داعش". لم يكمل "الإخوان" المصريون في الحكم سنة، يضيف الكاتب مصطفى زين، ولم تكن السياسة أو المكائد أو المؤامرات سبب فشلهم. "ولنتذكر أن الولايات المتحدة كانت إلى جانبهم. وأن محمد مرسي كان يفاخر بـ "عمله" في "ناسا". ولم يعد خافياً على أحد أن الإدارة الأميركية كانت مع وصولهم إلى السلطة". ربما كان الأميركان والغرب يتوقعون نجاحاً للإسلاميين في مصر كالذي حققوه في تركيا. وليس موضوعنا هنا اختلاف الأتراك عن المصريين والعرب حتى في نوعية الأحزاب الإسلامية.

في تونس فضّل حزب "النهضة" التراجع أمام قوة التيارات المنافسة والنقابات، أما في العراق، حيث توفر المال والمجال، فشل حزب الشيعة الرئيس، "حزب الدعوة" في الانتقال بالعراق إلى صدارة الدول الديمقراطية العربية، رغم الدستور وكثرة الصحف وانفتاح الأفواه بعد القمع الطويل وحرية الانتخابات والتعددية! "لكن العقل الثأري والتوجه الطائفي، وعدم الخبرة السياسية، فضلاً عن صراعاتهم الداخلية". دمرت البلاد وقسمت الشعب على نفسه!
حلم الكثير من الإسلاميين والمسلمين بحزب إسلامي ديمقراطي مماثل للأحزاب المسيحية الديمقراطية مثلاً. فالمسيحية كذلك دين كالإسلام فيه ثوابت ومتغيرات، وفيه "بابا" معصوم في أمور العقيدة، وفيه نصوص مقدسة وطقوس، وأوامر ونواه، وحلال وحرام. ولكن أوروبا وأميركا الجنوبية عرفت ظاهرة الأحزاب المسيحية الديمقراطية. تقول المراجع إن "الديمقراطية المسيحية هي أيديولوجية سياسية تسعى لتطبيق المبادئ المسيحية في السياسة العامة، ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر تحت تأثير المحافظين والتعاليم الاجتماعية الكاثوليكية». ويلفت النظر هنا ظهورها في الوسط الكاثوليكي الخاضع لسلطات الكنيسة لا بين البروتستانت، دعاة العلمانية والعقلانية مثلاً!

وتقول موسوعة الويكبيديا إنه لا تزال المسيحية الديمقراطية "تؤثر في أوروبا وأميركا اللاتينية، وإن ضعفت في عدد من البلدان بسبب العلمنة، فهي تسيطر مثلاً على الأغلبية في البرلمان الأوروبي.

كيف استوعبت هذه الأحزاب المسيحية وأعادت إنتاجها ثقافة دينية مناسبة للعصر وللقيم المسيحية؟

ولا تخلو مسيرتها في الواقع من مشاكل واختيارات صعبة. فهي تخاصم الاشتراكيين العلمانيين في أوروبا.. وتميل إلى اليسار في أميركا اللاتينية!

ففي الممارسة العملية، تقول الموسوعة، "غالباً ما تعتبر المسيحية الديمقراطية محافظة في القضايا الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، وتدعو إلى اقتصاد السوق الاجتماعي في المجال الاقتصادي، بالعبور بالاقتصاد الاشتراكي الديمقراطي لكن على أساس احترام الأسرة".

تشبه أسباب وبدايات نشأة المسيحية الديمقراطية نشأة وظهور جماعات الإسلام السياسي، التي نجد أن أجواء الفقر والبؤس وانتشار "الأفكار المستوردة" و"الغزو الفكري" تعين في ازدهارها.

تقول الموسوعة: "نشأت الديمقراطية المسيحية في القرن التاسع عشر، خصوصاً في بلجيكا وألمانيا باعتبارها مجموعة مصالح كاثوليكية تركز على تحقيق أهداف محدودة، بسبب حالة البؤس التي كان يعانيها العمال في تلك الفترة وبسبب تصاعد الحركات الاشتراكية النقابية، فظهرت هذه الحركات تحت مسمى "العمل الكاثوليكي الشعبي"، والتي تطورت لاحقاً لتُعرف بـ"الديمقراطية المسيحية"، ويعتبر فريدريك أوزنام، أستاذ القانون التجاري في جامعة ليون بفرنسا، أول من استخدم تعبير "المسيحية الديمقراطية" سنة 1848 عندما قال: "أعتقد في إمكانية الديمقراطية المسيحية".

وتقدم الدراسات ثلاثة أسباب رئيسة لظهورها كما توردها الموسوعة. وذلك "عندما أصبح التصنيع والحكومة الدستورية من السمات المميزة لأوروبا الحديثة، بدأت تظهر قوى جديدة، لذا اضطرت المسيحية إلى تكييف نفسها مع وضع اجتماعي وسياسي جديد. إلا أن هناك رأياً آخر يعتقد أن الأحزاب المسيحية الديمقراطية ظهرت رداً على الاشتراكية والشيوعية الصاعدة. فيما يعتقد رأي ثالث أنها ظهرت بعد الحرب العالمية استجابة لحالة البؤس والدمار الذي خلفته الحرب، وللانحلال الخلقي الذي ساد في تلك الفترة، فكانت هناك حاجة للنهوض مجدداً بالأخلاق المسيحية الأصلية".

وكما وضعت مؤسسة الأزهر في مصر مثلاً فاصلاً بينها وبين الجماعات الإسلامية كـ"الإخوان"، كان الفاتيكان ينظر إلى الأحزاب "الديمقراطية المسيحية" نظرة ارتياب. ومن المعروف أن الوحدة الإيطالية لم تتم بإرادة الفاتيكان، وأن هذه الوحدة ظلت على علاقة غير ودية بالفاتيكان منذ قيامها عام 1870 بعد أن حرمت هذه الأخيرة البابا من السيادة على روما وما حولها. وفي فبراير 1929 قام موسوليني والبابا "بيوس الحادي عشر بتوقيع اتفاقية "لاتيران" لتبادل الاعتراف بين الحكومة الإيطالية والفاتيكان ضمن الحدود الحالية في مدينة روما.

كان الفاتيكان رغم قيادته للعالم المسيحي، ورغم كاثوليكية الأحزاب المسيحية الديمقراطية، ينظر إلى هذه الأحزاب كما ذكرن، نظرة ارتياب. وقد ظهرت هذه الأحزاب في إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى ممثلة في الحزب الشعبي الإيطالي الذي عاداه موسوليني، وكان الفاتيكان كذلك على علاقة متوترة به، وبدأ الفاتيكان كما تقول "ويكبيديا"، "وكأنه يشعر بارتياح أكبر إلى دعم الأنظمة الفاشستية الكاثوليكية في بلدان مثل النمسا والبرتغال".

ويعد "الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني" أكبر حزب سياسي من حيث عدد العضوية بألمانيا، وقد تأسس عام 1945، بهدف تجميع القوى المسيحية الخارجة من أتون الحرب العالمية الثانية في كيان واحد. وتضيف المراجع أن الحزب وضع لنفسه عند انطلاقه برنامجاً سياسياً يقوم علِى ثلاث ركائز أساسية هل القيم المسيحية، والديمقراطية، والليبرالية، وبرز دوره بقوة عام 1949 بعد تولي "كونراد أيناور" منصب أول مستشار بالدولة الألمانية الحديثة وحكم الحزب ألمانيا 39 عاماً، وقضى 23 عاماً بمقاعد المعارضة، وشارك عام 2009 بحكم ألمانيا في إطار ائتلاف. ويعزى للحزب المسيحي الفضل في ثلاثة تحولات تاريخية مرت بها البلاد وأوروبا، هي: النهوض بألمانيا وإعادة بنائها اقتصادياً بعد خروجها مدمرة من حربين عالميتين، وتوحيد شطري البلاد عام 1990 بعد سقوط جدار برلين، وتأسيس الاتحاد الأوروبي وتحقيق حلم الوحدة الأوروبية.

عن"الاتحاد"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية