"وسطاء الإرهاب" في أفريقيا... ما دورهم؟ وما أسباب تزايدهم؟

"وسطاء الإرهاب" في أفريقيا... ما دورهم؟ وما أسباب تزايدهم؟

"وسطاء الإرهاب" في أفريقيا... ما دورهم؟ وما أسباب تزايدهم؟


16/11/2023

شهدت القارة الأفريقية خلال الأعوم الماضية تصاعداً ملحوظاً في ظاهرة وسطاء الإرهاب، وبدأت تطفو على السطح مع توسع التنظيمات الإرهابية المختلفة في اختطاف الأجانب من أجل الحصول على فدية مالية.

وفي مناسبات عديدة تلجأ بعض الحكومات والأجهزة الأمنية إلى هؤلاء الوسطاء للتواصل مع التنظيمات الإرهابية؛ بهدف المساعدة في الإفراج عن المختَطفين، وهو ما يفسّر ارتباط تزايد عمليات اختطاف الرهائن وتصاعد دور وسطاء الإرهاب داخل القارة الأفريقية، بعدما باتت تعجّ بالعديد من التنظيمات والمجموعات الإرهابية التي تختطف الأجانب، بمن في ذلك العاملون في المجال الإنساني.

الظاهرة تناولتها دراسة نُشرت بمنصة (تريندز للبحوث والدراسات)، بعنوان "قراءة في ظاهرة وسطاء الإرهاب في أفريقيا"، واهتمت الدراسة بأسباب تزايد عمليات خطف الرهائن في أفريقيا، ومَن هم وسطاء الإرهاب؟ وما سماتهم؟ وما الدور الذي يقومون به ومستقبلهم في القارة الأفريقية؟

وسطاء الإرهاب... الدور والسمات

تؤكد الدراسة وجود علاقة قوية بين عمليات اختطاف الرهائن وظاهرة وسطاء الإرهاب، إذ تسعى الدول التي ينتمي إليها الرهائن لإطلاق سراحهم، وتقبل في سبيل ذلك في بعض الأحيان بدفع فدية مالية لكن بشكل غير علني، حتى لا تُتهم بدعم الإرهاب وتمويله، والرضوخ لمطالب الإرهابيين.

ويُعدّ الوسطاء "همزة وصل غير مرئية" بينها وبين المجموعات الإرهابية الخاطفة، إذ يكونون في الوقت نفسه قريبين من المؤسسات الأمنية في الدول التي وقعت عمليات الاختطاف على أراضيها، حتى لا تصطدم بتلك المؤسسات، ومن ثم تفشل جهودها التي تبذلها في عمليات الوساطة.

وترى الدراسة أنّ الأجهزة والمؤسسات الأمنية في تلك الدول تلعب دوراً في توثيق علاقتها بالحكومات التي تسعى أحياناً للتفاوض مع الإرهابيين، في ظل ما تمتلكه من معرفة بالتركيبة العرقية والاجتماعية والتوازنات القبلية في هذه الدول، لذا يشترط في وسطاء الإرهاب أن يكونوا ممّن يتمتعون بعلاقات جيدة مع الحكومات والمجموعات الإرهابية على حد سواء.

تؤكد الدراسة وجود علاقة قوية بين عمليات اختطاف الرهائن وظاهرة وسطاء الإرهاب

كما يتطلب الدور أن يكون وسطاء الإرهاب من الشخصيات التي تتمتع بالثقل الاجتماعي والمالي والقبَلي في المناطق التي يكونون فيها، وتربطهم علاقات جيدة مع قادة التنظيمات الإرهابية.

ولا يؤدي وسطاء الإرهاب هذا الدور مجاناً أو من باب الإنسانية، وإنّما يجنون من وراء ذلك العديد من المكاسب السياسية؛ من أهمها بناء شبكة علاقات قوية وجيدة مع حكومات المنطقة وأجهزتها الأمنية، ممّا يوفر لهم الحماية والحصانة الأمنية التي تساعدهم على تعزيز  نفوذهم في مناطقهم، والحصول على تسهيلات حكومية تساعدهم في توسيع أعمالهم التجارية والاقتصادية، إلى جانب المكاسب المالية.

وبحسب الدراسة، لا يكون "وسطاء الإرهاب" فرداً واحداً أو اثنين؛ بل شبكة متكاملة ترتبط بعضها ببعض أحياناً، نظراً إلى أنّ العملية الواحدة قد تحتاج إلى أكثر من وسيط.

أسباب تزايد عمليات خطف الرهائن في أفريقيا

هذا، وتحتل القارة الأفريقية المرتبة الأولى عالميّاً في عمليات اختطاف الرهائن؛ بسبب الرغبة في الحصول على الأموال الطائلة، وقد أصبحت التنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل وغرب أفريقيا تَعُدّ اختطاف الأجانب من أهم مصادر تمويلها، بالنظر إلى الأموال الطائلة التي تحصل عليها من وراء تلك العمليات.

يُعدّ الوسطاء "همزة وصل غير مرئية" بينها وبين المجموعات الإرهابية الخاطفة، إذ يكونون قريبين من المؤسسات الأمنية

 وتُقدّر الأموال التي حصلت عليها التنظيمات الإرهابية في أفريقيا من عمليات خطف الرهائن في عام 2020 فقط، بما يقارب (100) مليون دولار أمريكي، حصل تنظيما القاعدة وبوكو حرام على نصيب الأسد منها، في حين قدرت وزارة المالية الأمريكية الأموال التي جاءت من أوروبا ودُفعت إلى منظمات إرهابية إسلاموية ما بين عامي 2008 و2013 في شكل فديات مالية بنحو (165) مليون دولار.

وهو ما يمثل حافزاً للعديد من المجموعات الإرهابية على الدخول إلى عالم الاختطاف والرهائن لتوفير مصادر تمويل قوية تمكّنها من الإنفاق على نشاطاتها بشكل جيد؛ إذ بلغت عمليات الاختطاف خلال شهر نيسان (أبريل) 2023 فقط ما يزيد على (32) حالة اختطاف نفذتها العناصر الإرهابية.

هذا إلى جانب استجابة الحكومات الغربية للفدية، إذ يُعدّ المواطنون الأجانب من السياح والعاملين في الشركات الدولية الهدفَ المفضل لعمليات الاختطاف، نظراً إلى استجابة حكوماتهم لمطالب الخاطفين للإفراج عنهم، خاصة أنّ تلك التنظيمات تسارع بإعلان عملية الخطف للضغط على تلك الحكومات، عبر بث مقاطع مصورة للرهائن وهم يستغيثون بحكوماتهم لإطلاق سراحهم.

يُعدّ المواطنون الأجانب من السياح والعاملين في الشركات الدولية الهدفَ المفضل لعمليات الاختطاف

ومن بين الأسباب أيضاً سهولة عمليات الاختطاف، وتُعدّ من أبسط العمليات التي يمكن أن تنفذها التنظيمات الإرهابية مقارنة بغيرها من العمليات الإرهابية، أو حتى عمليات التهريب عبر الحدود، بحسب الدراسة، وذلك بالنظر إلى أنّها لا تحتاج إلى أعداد كبيرة من المقاتلين أو مجهود كبير في التخطيط والإعداد.

كذلك، أدى تكوُّن ما يُعرف بـ "اقتصاديات الفدية" إلى توسع التنظيمات الإرهابية في عمليات الاختطاف وتحولها إلى تجارة رابحة، وبرزت شبكة مصالح تتكون من تنظيمات وعصابات تهريب عبر الحدود، تتعاون فيما بينها في تسهيل نقل الرهائن المختطَفين من منطقة إلى أخرى لمنع رصدهم، وذلك من خلال استغلال الهشاشة الحدودية بين العديد من دول القارة، مقابل الحصول على نسبة من الفدية المالية المطلوبة.

أسباب تصاعد دور وسطاء الإرهاب

تشير الدراسة إلى وجود عدّة عوامل أسهمت في تصاعُد ظاهرة وسطاء الإرهاب، بعدما تحولت مع مرور الوقت إلى تجارة رابحة يتسابق إليها وجهاء القبائل ورموز العرقيات ورجال الأعمال في القارة الأفريقية؛ منها حرص الحكومات على تجنُّب دفع الفدية بشكل علني، إذ يُمثّل دفع فدية مالية للتنظيمات الإرهابية انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي يُجرّم دفع فدية مالية للإرهابيين، ممّا يدفع الدول التي تسعى للإفراج عن مواطنيها المختطَفين إلى البحث عن بوابات خلفية وسرّية لدفع الفدية.

ومن بين الأسباب التي ذكرتها الدراسة صعوبة التفاوض مباشرة مع الخاطفين، إذ غالباً ما تُفضل التنظيمات الإرهابية التفاوض مع الحكومات التي ينتمي إليها الرهائن بصورة غير مباشرة، وذلك لاعتبارات أمنية، تتعلق بسلامة عناصرها وقادتها من الاستهداف.

لا يؤدي وسطاء الإرهاب هذا الدور مجاناً أو من باب الإنسانية، وإنّما يجنون من وراء ذلك العديد من المكاسب السياسية

 لذا يفضّل الإرهابيون التفاوض عبر وسطاء موثوق بهم بالنسبة إليهم، وفي مناطق خاضعة لنفوذهم، وطبقاً لإجراءاتهم الأمنية الصارمة؛ مثل عدم وجود هواتف أو أجهزة إلكترونية لدى الوسطاء خلال التفاوض، وكذلك الانتقال بسيارات تابعة للتنظيم، مع الحرص على عدم السماح للوسطاء بمعرفة أيّ معلومات عن  المعسكرات أو القدرات التسليحية، أو حتى طبيعة الحركة والتنقل على الأرض.

هذا إلى جانب، صعوبة تحرير الرهائن بالقوة، وهو ما يُعدّ بحسب الدراسة، من العوامل المهمة التي تدفع الحكومات إلى اللجوء إلى وسطاء الإرهاب للإفراج عن مواطنيها المختطفين لدى التنظيمات الإرهابية، وهو عدم رغبتها في اللجوء إلى القوة العسكرية لتحريرهم، لاحتمالية تعرُّض الرهائن للخطر خلال المواجهات المحتملة بين القوات العسكرية والخاطفين.

أنواع وسطاء الإرهاب في القارة الأفريقية

ويتنوع وسطاء الإرهاب الذين يلعبون دور همزة الوصل بين الدول التي تسعى لتحرير رعاياها المختطفين من قبضة التنظيمات الإرهابية وبين قادة تلك التنظيمات، منهم الإرهابيون السابقون، الذين يتواجدون في منطقة الساحل الأفريقي على وجه الخصوص، وفقاً للدراسة، بعضهم كان ينتمي إلى تنظيم القاعدة، ثم تحولوا مع مرور الوقت إلى رجال أعمال، لكنّهم حافظوا على علاقاتهم بالتنظيم.

يفضّل الإرهابيون التفاوض عبر وسطاء موثوق بهم بالنسبة إليهم

ومن بين وسطاء الإرهاب أيضاً بعض الزعامات العرقية والقبَلية، ممّن كانوا على علاقة سابقة بالمجموعات الإرهابية، بالنظر إلى التداخل الكبير الذي حدث خلال الأعوام  الماضية بينهما، ومن أبرزها التداخل بين تنظيم القاعدة والطوارق، ممّا جعل قطإرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسراعات من الأخيرة تدعم التنظيم، وهو ما أفرز قيادات ورموزاً قبَلية تتمتع بعلاقات مع التنظيمات الإرهابية.

ومنهم أجهزة استخبارات، نظراً إلى أنّ لديها قنوات اتصال سرّية مع هذه التنظيمات، فضلاً عن بعض القادة السياسيين، خصوصاً أنّ مجموعة من التقارير الصادرة منتصف 2020 كشفت أنّ بعض القادة الحكوميين في منطقة الساحل والصحراء يتربحون من عمليات الاختطاف من خلال لعب دور الوسيط والحصول على نسبة من الفدية المالية.

مستقبل ظاهرة وسطاء الإرهاب في أفريقيا

خلصت الدراسة إلى أنّ استمرار التنظيمات الإرهابية في أفريقيا في اختطاف الرهائن، وخاصة من مواطني الدول الغربية، سيشجع المزيد من الميليشيات المسلحة والحركات القومية على الدخول إلى مجال خطف الرهائن، ممّا يعني تصاعد دور وسطاء الإرهاب خلال المرحلة القادمة، وانضمام فئات جديدة من رجال القبائل والسياسيين ورجال الأعمال والمتطرفين السابقين إلى منظومة “الوسطاء”.

غالباً ما تُفضل التنظيمات الإرهابية التفاوض مع الحكومات التي ينتمي إليها الرهائن، بصورة غير مباشرة

وذلك بالنظر إلى أنّ خطف الرهائن بات تجارة رائجة قد تدفع بعض الوسطاء أنفسهم إلى التحريض عليها بشكل غير مباشر للحفاظ على الامتيازات الكبيرة التي يمنحها لهم دور "وسطاء الإرهاب"، ممّا يعني تزايد عمليات خطف الأجانب في القارة الأفريقية، وانتقالها إلى مناطق أخرى من العالم، وخاصة أنّ هناك مناطق تعاني الفوضى والهشاشة الأمنية، وتمثل تربة خصبة لخطف الرهائن، وبالتالي انتعاش هذه الظاهرة وانتشارها.

هذه المعطيات التي قدمتها الدراسة تفرض على المجتمع الدولي ضرورة المبادرة بالتصدي لتلك الظاهرة بطرق جذرية، وخاصة داخل القارة الأفريقية التي بدأت تشهد تنافساً بين التنظيمات المختلفة على اختطاف الرهائن.

مواضيع ذات صلة:

أفريقيا... بين الجماعات الإرهابية والأطماع الدولية

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية