أفريقيا... بين الجماعات الإرهابية والأطماع الدولية

أفريقيا... بين الجماعات الإرهابية والأطماع الدولية

أفريقيا... بين الجماعات الإرهابية والأطماع الدولية


22/05/2023

رغم التحذيرات المتكررة من أنّ منطقة الساحل في أفريقيا هي المركز الجديد لـ "الإرهاب العالمي"، تفيد تقارير دولية وإحاطات من مسؤولين أمميين باستمرار "توسع نفوذ المجموعات المسلحة" في دول المنطقة، وهو ما يراه خبراء "دليلاً إضافياً على تعثر الجهود المحلية والإقليمية والدولية في مواجهة الظاهرة المتصاعدة، بسبب المقاربات العسكرية والأمنية القاصرة، وتجاهل العوامل الاقتصادية والتنموية".

وحسب تقارير صحفية، نقلتها وكالة "فرانس برس" أول من أمس، فإنّ "عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء هجمات إرهابية في بوركينا فاسو ارتفع إلى (40) قتيلاً خلال أسبوع واحد، بعد أن قُتل الخميس (20) شخصاً على الأقل في هجوم على عدة قرى في شمال البلاد"، وفق ما أفاد السكان ومصادر أمنية لوكالة "الصحافة الفرنسية".

وفي السياق، فإنّ  تقريراً لـ "مؤشر الإرهاب العالمي"، صدر في آذار (مارس) الماضي، قال: إنّ "منطقة الساحل الأفريقي تضم 43% من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب في العالم"، وإنّ "هذه النسبة آخذة في الارتفاع".

وقال التقرير السنوي الذي يصدره (معهد الاقتصاد والسلام)، ومقره أستراليا: إنّ "المنطقة بذلك تتجاوز من حيث عدد الضحايا مناطق جنوب آسيا، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجتمعة"، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

كما كشف أنّ "دولتين من دول منطقة الساحل، هما مالي وبوركينا فاسو، من بين دول العالم الـ (5) الأكثر تضرراً من الوفيات الناجمة عن الإرهاب، وأنّه بتسجيل (1135) حالة وفاة بسبب الإرهاب في عام 2022، تكون بوركينا فاسو أكبر دولة تشهد وفيات إرهاب سنوية مقارنة بأيّ دولة أخرى".

منطقة الساحل الأفريقي تضم 43% من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب في العالم

وفي الإطار ذاته، قال الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد سلطان، في تصريح صحفي لـ "الشرق الأوسط": "إنّ المؤشرات والإحصاءات تؤكد من جديد إخفاق المقاربات الغربية والمحلية والإقليمية في مواجهة تصاعد النفوذ الإرهابي في منطقة الساحل وفي أفريقيا عموماً"، معتبراً أنّ "سبب الإخفاق هو التركيز على المقاربات العسكرية والأمنية، بينما جذور الأزمة في تلك الدول اقتصادية وسياسية، حيث يزداد الفقر والتهميش في ظل حكومات هشة وموارد شحيحة، ممّا يخلق بيئة ناضجة ومواتية للتنظيمات الإرهابية". 

بدوره، أشار مدير (مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية) في المغرب عبد الفتاح الفاتحي، في تصريحات صحفية إلى أنّ "توسع نفوذ الجماعات الإرهابية يرجع إلى فشل دول الساحل في بناء أنظمة سياسية واقتصادية تتناسب وطبيعة البنى الاجتماعية لشعوبها، فضلاً عن فشل النخب الحاكمة في بناء نموذج تنموي اجتماعي يتجاوز واقع الفقر الذي تعززه التغيرات المناخية".

تقارير دولية وإحاطات من مسؤولين أمميين تفيد باستمرار توسع نفوذ المجموعات المسلحة في دول أفريقيا

وفي شباط (فبراير) الماضي، خلصت مراجعة أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (يو إن دي بي)، إلى أنّ "الحاجة الماسّة للعمل، والفقر والشعور بالخذلان من الحكومات المتعاقبة، كانا من بين أهم الأسباب التي تدفع الشباب في أفريقيا؛ لا سيّما منطقة الساحل، للالتحاق بشبكات التطرف".

وأشار التقرير الذي نشرته شبكة "بي بي سي" إلى أنّ العامل الأكثر شيوعاً الذي يدفع الناس للانضمام إلى الجماعات المتطرفة في أفريقيا جنوب الصحراء ليس الدين، بل الفقر والحاجة إلى العمل.

واستطلع التقرير الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي آراء آلاف الأشخاص في (8) دول أفريقية، بما في ذلك مالي ونيجيريا والصومال.

وقال 17% فقط ممّن شاركوا في الاستطلاع إنّ الدين هو سبب الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، في حين قال 40% إنّ الفقر هو الدافع الأساسي وراء ذلك.

كما أشار التقرير إلى أنّ التعليم يلعب دوراً مهمّاً أيضاً، فعام إضافي من التعليم يقلل بشكل كبير من احتمال انضمام الشخص إلى جماعة متطرفة.

مؤشر الإرهاب العالمي يؤكد أنّ منطقة الساحل الأفريقي تضم 43% من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب في العالم

وفي هذا الصدد، نشر مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أحد الأقسام التحليلية في البنتاغون تقريراً في آب (أغسطس) 2022 ذكر فيه أنّ الهجمات الإرهابية في أفريقيا ارتفعت بنسبة 300% خلال العقد الماضي، مع تضاعف الهجمات العنيفة في الأعوام الـ (3) الماضية فقط.

وقال المركز، وفق دراسة نشرها مركز "عين أوروبية على التطرف": إنّه نتيجة لتخفيف قيود كورونا وزيادة البطالة، تبدو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى آخذة في أن تصبح "بؤرة للإرهاب".

وأشار  المركز إلى أنّه مع انتشار الإرهاب في أكثر من (12) دولة أفريقية، أصبح من الأهمية بمكان التساؤل عن كيفية زيادة انخراط الدول الخارجية. غير أنّ هذا الأمر يتأثر بالحرب الباردة المتصاعدة التي تتكشّف بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. ومع ذلك، فإنّ دولاً مثل فرنسا والولايات المتحدة، التي عانت إخفاقات كبيرة في أفريقيا والشرق الأوسط، ستكون بلا شك مترددة في الانخراط في إجراءات مكافحة التمرد الرئيسة.

لذلك، حرصت الولايات المتحدة في تدخلها في الصومال على عدم تكرار الأحداث الكارثية التي وقعت في عام 1993. ومع ذلك أثبتت هذه الخيارات العسكرية أنّها تأتي بنتائج عكسية، وأدّت إلى تحولات مضللة في الاستراتيجية.

عام إضافي من التعليم يقلل بشكل كبير من احتمال انضمام الشخص إلى جماعة متطرفة

وكان المسؤول العسكري الأمريكي جاستن لينش قد حذّر سابقاً من الجماعات الإرهابية التي تستفيد من هذا التحوّل بعيداً عن التدريب والموارد لمكافحة التمرد.

وأضاف لينش أنّ الجزء الأكبر من إجراءات مكافحة الإرهاب عبارة عن رد فعل وليس إجراءات وقائية واستباقية، ممّا أدّى في كثير من الأحيان إلى تجاهل الأسباب الجذرية للتطرف. وبعد انسحاب الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي من جميع أنحاء القارة، أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر جرأة.

ولعل خير مثال على ذلك هو كيف تسبب الانسحاب الأمريكي من الصومال عام 2021 في نمو حركة الشباب، حيث "تتدافع" القوات العائدة الآن في محاولة لاستعادة السيطرة. بالإضافة إلى ذلك، دقت الحملات الدعائية الروسية والصينية "الأسافين" بين الدول الأفريقية والغرب. وأدّت المشاعر المعادية للفرنسيين التي روّجت لها روسيا إلى هجمات مميتة ضد القوات الفرنسية، دفعتها إلى الانسحاب الكامل من مالي.

سلطان: المؤشرات والإحصاءات تؤكد من جديد إخفاق المقاربات الغربية والمحلية والإقليمية في مواجهة تصاعد النفوذ الإرهابي في منطقة الساحل وفي أفريقيا عموماً

وتستخدم روسيا والصين آلاتهما الدعائية منذ أعوام في جميع أنحاء أفريقيا، الأمر الذي يسهم في زعزعة استقرار الديمقراطية، والتأثير على العلاقات الدولية، وزيادة الصراع. بالإضافة إلى ذلك، تسبب التوسُّع العسكري المحتمل للصين في القارة في قلق كبير في واشنطن فيما يتعلق بتأثيره على طرق التجارة التي يستخدمها الغرب إلى جانب العمليات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها.

ووفقاً لتحليل مركز "عين أوروبية على التطرف"، فإنّ وجود قاعدة عسكرية صينية دائمة على المحيط الأطلسي، التي يُشاع أنّها في ميناء باتا في غينيا الاستوائية، سيتيح للصين منافسة الأنشطة التجارية الغربية، ومن المحتمل أن يكون له "تأثير دومينو" خطير.

وأضاف التحليل إلى أنّه يجب على الولايات المتحدة أن تركز على بناء شراكات مع الدول الأفريقية، لأنّها تظهر فرصاً اقتصادية واعدة. في هذا الإطار، يرى الكولونيل من الجيش الأمريكي جو بروهل أنّ السياسات الأمريكية تجاه أفريقيا غير قادرة على أن تكون استباقية، حيث يعاني صناع السياسة "نقطة عمياء استراتيجية" لا تعانيها القوى الكبرى الأخرى. وبدلاً من النظر إليها على أنّها مشكلة يجب حلها، تنظر الصين وروسيا إلى أفريقيا على أنّها فرصة يجب اغتنامها".

وسوف تتعزّز المنافسة بين روسيا والصين والولايات المتحدة من خلال الاعتماد العالمي على الموارد الطبيعية الأفريقية، مثل تلك المستخدمة في الإلكترونيات والأسلحة العسكرية، وهذا يزيد من إمكانية عودة الوجود الغربي في أفريقيا، وإمكانية أن تصبح القارة ساحة معركة.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ أفريقيا تحتوي على ثلث احتياطيات المعادن في العالم، وبالتالي فإنّها مصدر رئيسي للموارد التي توفّر "أغراضاً اقتصادية وأمناً قومياً حاسماً" للولايات المتحدة. ذلك أنّ البلاتين والإيريديوم والتنتالوم والتورمالين معادن ضرورية لأنظمة الدفاع الوطني الأمريكية، التي تستحوذ عليها الصين أيضاً من أفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك، تزداد أهمية أفريقيا كمصدر للنفط. وفي حين أنّ الولايات المتحدة لا تعتمد حالياً اعتماداً كبيراً على النفط الأفريقي، فإنّ التعقيدات في صادراتها تؤّثر على الاقتصاد الأمريكي. على سبيل المثال، أجبر انقطاع النفط الليبي في عام 2011 الولايات المتحدة على الاستفادة من احتياطياتها، وأثّر عدم الاستقرار في دلتا النيجر بشكل مباشر على الشركات الأمريكية.

 تزداد أهمية أفريقيا كمصدر للنفط

الولايات المتحدة مُعرّضة بشكل هائل للاضطرابات في سوق النفط العالمية، مثلما ظهر خلال بداية الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المتوقع أن يزداد الاعتماد الأمريكي على النفط الأفريقي بشكل كبير، حيث يتوقع مدير مكتب وكالة الاستخبارات المركزية للقضايا العابرة للحدود الوطنية ديفيد جوردون أنّ 65% من واردات النفط الأمريكية ستكون من أفريقيا من الآن وحتى نهاية العقد. كما ستزداد المنافسة مع ارتفاع اعتماد الصين على النفط، "ممّا يوفّر وجهاً آخر للعلاقات الاقتصادية الصينية الأفريقية القوية (التي توسّع نفوذ الصين السياسي في القارة)".    

دولتان من دول منطقة الساحل، هما مالي وبوركينا فاسو، من بين دول العالم الـ (5) الأكثر تضرراً من الوفيات الناجمة عن الإرهاب

إنّ تاريخاً من الإخفاقات الغربية في مكافحة الإرهاب، وزيادة وجهات النظر المعادية للغرب، وتوسّع النفوذ الروسي والصيني، تُشكّل المشاعر المتنامية للجماعات الإرهابية، ومن المرجح أن تزداد في أفريقيا. وفي ظل انتشار الإرهاب والحرب الباردة المتوقعة، من المتوقع أن يزداد انخراط الولايات المتحدة في افريقيا في المستقبل القريب.

ولا شّك أنّ إخفاقات الولايات المتحدة في العراق ستجعل واشنطن مترددة فيما يتعلق بالمشاركة في أفريقيا، إلّا أنّ انتشار الإيديولوجيات الروسية والصينية واحتمال فقدان موارد كبيرة، هذا إلى جانب انتشار الإرهاب في أفريقيا، وزيادة جماعات مثل حركة الشباب من فتكها، سيسهم في تعطيل حتمي للموارد التي تعتمد عليها الولايات المتحدة بشدة.

مواضيع ذات صلة:

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا

داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية