داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟

داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟

داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟


08/01/2023

تمثل بيئة الصراعات المتفاقمة داخل عدد من الدول الأفريقية، وما ينتج عنها من حالة عدم الاستقرار أمنياً وسياسياً، حاضنة مثالية لتنظيمات الإرهاب والتطرف، لذلك تتصاعد التحذيرات الدولية يوماً تلو الآخر من قدرة تلك التنظيمات، وخاصة تنظيمي داعش والقاعدة، لتوظيف تلك العوامل لتوسيع نفوذها الجغرافي في مناطق جديدة داخل القارة الأفريقية، ستمثل نقطة انطلاق جديدة لتلك التنظيمات خارج حدودها الجغرافية التقليدية، على حدّ تقدير مراقبين.

وفي حين تتجه غالبية التقديرات إلى تنامي نشاط الإرهاب بوجه عام خلال العام الجديد 2023، تحصد القارة الأفريقية، تحديداً منطقة غرب أفريقيا ومثلث الساحل الأفريقي، نصيب الأسد من جملة التحذيرات الدولية من عودة تنظيم داعش الإرهابي.

خلافة جديدة من قلب أفريقيا

لم تتهاون القوى الدولية في التحذير المستمر من خطر استغلال تنظيم داعش للظروف السياسية والأمنية في دول الغرب الأفريقي، ليس فقط لتكثيف العمليات أو توسيع النفوذ الجغرافي، ولكن أيضاً لتجديد حدود ما يُعرف بدولة الخلافة من قلب القارة الأفريقية هذه المرة بعيداً عن الحدود التقليدية في منطقة الشام، وهو ما يمثل تهديداً صارخاً لأمن المنطقة ومصالح الدول التي تلقي بثقل استثماراتها داخل القارة الأفريقية.

صلاح خليل: يعود تمركز الفواعل المسلحة في العديد من البلدان الأفريقية إلى غياب الدور المؤثر للمؤسسات في تلك الدول، وهشاشة النظام الأمني السائد، أو وجود مؤسسات غير قادرة على وضع تدابير تخفف من الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية الإثنية والقبلية

آخر هذه التحذيرات جاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية في 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حذرت خلاله من تنامي نفوذ داعش داخل منطقة الغرب الأفريقي واستغلال بيئة الصراعات من أجل تدشين "دولة خلافة" جديدة داخل منطقة القرن الأفريقي.

لماذا تمثل أفريقيا بيئة جاذبة للإرهاب؟

يعزي الباحث المختص بالشؤون الأفريقية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية صلاح خليل، تمركز الفواعل المسلحة في العديد من البلدان الأفريقية إلى غياب الدور المؤثر للمؤسسات في تلك الدول، وهشاشة النظام الأمني السائد، أو وجود مؤسسات غير قادرة على وضع تدابير تخفف من الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية الإثنية والقبلية. 

مخاوف من تنامي نفوذ داعش داخل منطقة الغرب الأفريقي

بالإضافة إلى أنّ هياكل تلك الدول لا تسعفها قدراتها على التقليل والتخفيف من حدة النزاعات والصراعات المرتبطة بالحدود القبلية والإثنية، وهو الأمر الذي جعل الفواعل المسلحة بديلاً لمؤسسات الدولة من خلال توفيرها الحماية والخدمات للسكان المحليين، وفق دراسة نشرها المركز تحت عنوان: "داعش والقاعدة في أفريقيا: تحولات خارطة الانتشار وتغير حدود التأثير".

كذلك تتيح المناطق الحدودية غير المراقبة في معظم الدول الأفريقية فرصة لهذه التنظيمات للتحرك بحرية عبر الحدود، فضلاً عن وصول السلاح إليها من الموردين الخارجيين.

ليس هذا فحسب، بل إنّ الصراعات الحدودية بين الدول، وانتشار الجماعات المعارضة المسلحة، أتاح فرصاً لهذه الجماعات للنمو والتكاثر وجذب التأييد، والدخول في تحالفات وعلاقات، سواء مع بعض الحكومات أو بعض الجماعات المسلحة، في تبادل مصالح.

تتيح المناطق الحدودية غير المراقبة في معظم الدول الأفريقية فرصة لهذه التنظيمات للتحرك بحرّية عبر الحدود، فضلاً عن وصول السلاح إليها من الموردين الخارجيين

كذلك تمنح البيئة الأمنية الهشة فرصة لممارسة هذه الجماعات الأنشطة غير المشروعة للحصول على الدعم والتمويل. على سبيل المثال، تعمل هذه الجماعات في الترويج لتجارة المخدرات وتجارة السلاح بعيداً عن مراقبة الدول، والاتجار بالبشر، والجريمة العابرة للحدود، في ظل حدود يصعب مراقبتها، وارتفاع كبير في بؤر التوتر والصراع (الجماعات القبلية والإثنية المسلحة)، وأخيراً غياب المشاريع التنموية.

من جهة أخرى، يرى الباحث أنّ البيئة الاجتماعية تتيح مجالاً لهذه التنظيمات للانتشار والتغلغل بين السكان المحليين، فهم يقدمون بعض الخدمات الاجتماعية التي تعجز الدول عن الوفاء بها، مثل الصحة والتعليم والمساعدات.

ما خارطة الانتشار الجديدة لداعش في القارة الأفريقية؟

أوّلاً: في منطقة شرق أفريقيا

يُعدّ شرق أفريقيا واحداً من البوابات المهمة كمنطقة ساحلية تقع ضمن خطوط الملاحة الدولية، وقد ساهمت تلك المنطقة، بحسب خليل، في دخول مقاتلي تنظيمات القاعدة وداعش بعد تراجع نشاطهما في مواقع أخرى حول العالم، حيث تمثل حركة الشباب المجاهدين الصومالية أوائل الجماعات الأكثر عنفاً في شرق القارة تأييداً للقاعدة.

ومن خلال هذا التأييد تتوغل القاعدة وداعش في شرق أفريقيا في كل من الصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا، باعتبار تلك الدول ترتفع فيها حدة الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية والجهوية.

 لهذا تحتل منطقة شرق أفريقيا المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بواقع (30) عملية تفجيرية في كل من الصومال وموزمبيق، أمّا منطقة غرب أفريقيا فقد شهدت (15) عملية تفجير أغلبها كانت في بوركينافاسو ومالي.

ثانياً: وسط أفريقيا

أسس تنظيم الدولة الإسلامية فروعاً وولايات تابعة له في وسط أفريقيا وتوسع في هذه المنطقة الجغرافية المهمة بفضل التحالف بين عدد من التنظيمات المسلحة المحلية في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وتنزانيا، والتي تجاوزت الاختلاف الإيديولوجي بينها لتبرم تحالفات مع تنظيمات إسلامية راديكالية كالقاعدة وداعش.

انتشار الجماعات المعارضة المسلحة

وتشهد أكثر من (8) أقاليم رئيسية في وسط أفريقيا تواجداً أو سيطرة جزئية لتنظيمات الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة من خلال التحالفات على أسس غير إيديولوجية عقدتها الجماعات المسلحة، أو الجماعات التي انضمت تحت لوائهما، مثل تحالف القاعدة وتحالف القوى الديمقراطية في أوغندا، فهما يعملان معاً لإسقاط نظام الرئيس يوري موسفيني، وفق الدراسة.

كما أنّ تنظيم الدولة الإسلامية في وسط القارة تمكن من الصمود أمام المواجهات التي قادها ضد جيوش تلك المنطقة، ممّا جعله يكتسب شعبية وانتشاراً سريعين وسط الفئات العمرية التي تتراوح ما بين (20 ـ إلى 30) عاماً.    

ثالثاً: الغرب الأفريقي

تشهد القارة الأفريقية نشاطاً كبيراً للفواعل المسلحة العنيفة من غير الدول، خاصة تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، في ظل تراجع دور الدولة، والفشل الذي لازم النخبة السياسية في أفريقيا بعد الاستقلال في توطين مشروع الدولة الوطنية.

وأصبحت تلك الفواعل لاعباً أساسياً في الصراعات والنزاعات ذات الطابع القبلي والإثني، وهو الأمر الذي جعل عدم الاستقرار يسود جميع أقاليم القارة، كما أصبحت تلك الفواعل عنصراً مهماً في التفاعلات السياسية، في ظل بنية اجتماعية وسياسية وثقافية هشة، ممّا جعل معظم البلدان الأفريقية تعاني من عدم الاستقرار طويل الأمد. ولا شك أنّ لجوء تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر القاعدة بعد هزيمتهم في العديد من مواقع التأسيس إلى أفريقيا بوصفها بيئة أخرى مناسبة وحاضنة جديدة له، قد فاقم من الأزمات وحالة عدم الاستقرار. 

أفريقيا بيئة جاذبة لعناصر داعش والقاعدة

تتمركز الفواعل المسلحة في العديد من البلدان الأفريقية، لأنّ البيئة تبدو شبه مواتية لنشاط هذه الجماعات، وذلك نتيجة لغياب الدور المؤثر للمؤسسات في تلك الدول، وهشاشة النظام الأمني السائد، أو وجود مؤسسات غير قادرة على وضع تدابير تخفف من الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية الإثنية والقبلية. 

بالإضافة إلى أنّ هياكل الدول لا تسعفها قدراتها على التقليل والتخفيف من حدة النزاعات والصراعات المرتبطة بالحدود القبلية والإثنية، وهو الأمر الذي جعل الفواعل المسلحة بديلاً لمؤسسات الدولة من خلال توفيرها الحماية والخدمات للسكان المحليين.   

تشهد القارة الأفريقية نشاطاً كبيراً للفواعل المسلحة العنيفة من غير الدول، خاصة تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، في ظل تراجع دور الدولة، والفشل الذي لازم النخبة السياسية في أفريقيا بعد الاستقلال في توطين مشروع الدولة الوطنية

كذلك تتيح المناطق الحدودية غير المراقبة في معظم الدول الأفريقية فرصة لهذه التنظيمات للتحرك بحرية عبر الحدود، فضلاً عن وصول السلاح إليها من الموردين الخارجيين.

ليس هذا فحسب، بل إنّ الصراعات الحدودية بين الدول، وانتشار الجماعات المعارضة المسلحة، أتاح فرصاً لهذه الجماعات للنمو والتكاثر وجذب التأييد، والدخول في تحالفات وعلاقات، سواء مع بعض الحكومات أو بعض الجماعات المسلحة، في تبادل مصالح.

كذلك تمنح البيئة الأمنية الهشة فرصة لممارسة هذه الجماعات الأنشطة غير المشروعة للحصول على الدعم والتمويل. على سبيل المثال، تعمل هذه الجماعات في الترويج لتجارة المخدرات وتجارة السلاح بعيداً عن مراقبة الدول، والاتجار بالبشر، والجريمة العابرة للحدود، في ظل حدود يصعب مراقبتها. وارتفاع كبير في بؤر التوتر والصراع (الجماعات القبلية والإثنية المسلحة)، وأخيراً غياب المشاريع التنموية.

البيئة تبدو شبه مواتية لنشاط هذه الجماعات

من جهة أخرى، تتيح البيئة الاجتماعية مجالاً لهذه التنظيمات للانتشار والتغلغل بين السكان المحليين، فهم يقدمون بعض الخدمات الاجتماعية التي تعجز الدول عن الوفاء بها، مثل الصحة والتعليم والمساعدات.

وإجمالاً؛ يرى الباحث أنّ تلك العوامل سهلت بدرجة كبيرة مهمة الفواعل المسلحة إلى الوصول إلى مبتغاها من خلال الاعتماد على التنسيق والتعاون مع السكان المحلين مقابل أن توفر لهم الحماية وتؤمن لهم التجارة غير المشروعة، فيما تحقق الفواعل المسلحة من المناطق الحدودية مركزا مهمّاً في التواصل مع التنظيمات والفواعل الأخرى بغرض تحقيق المصالح على الرغم من الاختلاف الإيديولوجي.

خارطة الانتشار والفاعلية

يُعدّ شرق أفريقيا واحداً من البوابات المهمة كمنطقة ساحلية تقع ضمن خطوط الملاحة الدولية، وقد ساهمت تلك المنطقة في دخول مقاتلي تنظيمات القاعدة وداعش بعد تراجع نشاطهما في مواقع أخرى حول العالم.

وتمثل حركة الشباب المجاهدين الصومالية أوائل الجماعات الأكثر عنفاً في شرق القارة تأييداً للقاعدة، فمن خلال هذا التأييد تتوغل القاعدة وداعش في شرق أفريقيا في كل من الصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا، باعتبار تلك الدول ترتفع فيها حدة الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية والجهوية.

تمنح البيئة الأمنية الهشة فرصة لممارسة هذه الجماعات الأنشطة غير المشروعة للحصول على الدعم والتمويل

لهذا تحتل منطقة شرق أفريقيا المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بواقع (30) عملية تفجيرية في كل من الصومال وموزمبيق، أمّا منطقة غرب أفريقيا، فقد شهدت (15) عملية تفجير أغلبها كانت في بوركينافاسو ومالي.

بينما في وسط أفريقيا أسس تنظيم الدولة الإسلامية فروعاً وولايات تابعة له، وتوسع في هذه المنطقة الجغرافية المهمة بفضل التحالف بين عدد من التنظيمات المسلحة المحلية في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وتنزانيا، والتي تجاوزت الاختلاف الإيديولوجي بينها لتبرم تحالفات مع تنظيمات إسلامية راديكالية كالقاعدة وداعش.

وتشهد أكثر من (8) أقاليم رئيسية في وسط أفريقيا تواجداً أو سيطرة جزئية لتنظيمات الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة من خلال التحالفات على أسس غير إيديولوجية عقدتها الجماعات المسلحة، أو الجماعات التي انضمت تحت لوائهما، مثل تحالف القاعدة وتحالف القوى الديمقراطية في أوغندا اللذين يعملان معًا لإسقاط نظام الرئيس يوري موسفيني، وفق ما أوردته الدراسة.

كما أنّ تنظيم الدولة الإسلامية في وسط القارة تمكن من الصمود أمام المواجهات التي قادها ضد جيوش تلك المنطقة، ممّا جعله يكتسب شعبية وانتشاراً سريعين وسط الفئات العمرية التي تتراوح ما بين (20 ـ إلى 30) عاماً.   

ثالثاً: الغرب الأفريقي

أمّا على مستوى غرب أفريقيا، فتشهد الساحة نسقاً تصاعدياً في ارتفاع مؤشر العنف والتفجيرات الإرهابية في كلٍّ من نيجيريا والكاميرون والنيجر ومالي وبوركينافاسو والكونغو وموريتانيا، وصولاً إلى حوض بحيرة تشاد، خاصة بعد تحالفات أو الانضمام لتنظمي القاعدة وداعش من قبل جماعة بوكو حرام في نيجيريا، وحركتي أنصار الدين السلفية الجهادية، والتوحيد والجهاد في جمهورية مالي، وفق ما أوردته الدراسة.

كما أدى تنامي انتشار الفواعل المسلحة في منطقة غرب أفريقيا بمعدل كبير إلى تعقيد المشهد السياسي في تلك البلدان (مالي، النيجر، وبوركينافاسو)، فضلاً عن تصاعد وتيرة العنف بشكل كبير من قبل الفواعل المسلحة، خاصة بعد تحالفات وتأييد من حركتي أنصار الدين السلفية الجهادية، والتوحيد والجهاد في جمهورية مالي.

وتشير الأحداث إلى عدم تراجع مؤشر العنف والتفجيرات الإرهابية في تلك المنطقة. ومعظم الفئات العمرية للفواعل المسلحة قيادتها من الأجانب كوافدين جدد بعد التنسيق على مستوى غرب أفريقيا مع جماعة بوكو حرام في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، وفي شرق أفريقيا من شباب المجاهدين في الصومال، وفي وسطها من الجماعات الإسلامية المتشددة، تتراوح ما بين (20 إلى 30) عاماً، فضلاً عن خلفيات تعليمية ومهنية واجتماعية واقتصادية متنوعة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية