
جورج عيسى
رأى محلل شؤون الشرق الأوسط جوناثان سباير أنه في معظم الأشهر الثمانية الماضية، طغى نطاق وحدّة القتال في غزة على مناطق الاشتباك الإقليمية الأخرى في الضفة الغربية ولبنان والعراق وسوريا واليمن.
حزب الله منظمة أقوى بكثير من حماس
ولكن ثمة أدلة تشير إلى أن هذا في طور التغير. بالتحديد، إن المواجهة بين إسرائيل وحزب الله ازدادت حدة ونطاقاً خلال الأيام الأخيرة، وعلى الأرجح لم يصل هذا التصعيد إلى ذروته.
وكتب سباير في مجلة "سبكتيتور" أنه يجري تبادل يومي لإطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ترك نحو 60 ألف إسرائيلي منازلهم في المنطقة الحدودية مع لبنان وأصبحوا فعلياً لاجئين في بلدهم. على الجانب الآخر من الخط، غادر نحو 100 ألف لبناني باتجاه الشمال. على عمق 5 كيلومترات على طول الحدود، توقفت الحياة الطبيعية فعلاً في إسرائيل. وبروح دعابة مريرة، يشير الإسرائيليون الآن في كثير من الأحيان إلى هذه المنطقة باسم "المنطقة الأمنية" لحزب الله، في إشارة إلى المنطقة العازلة التي سيطرت عليها إسرائيل شمال خط الحدود بين عامي 1985 و2000.
من المتفوق؟
في التبادلات التكتيكية اليومية الجارية حالياً، تحتفظ إسرائيل باليد العليا. ينعكس هذا في أرقام الخسائر لدى كلا الجانبين. قُتل 10 جنود من الجيش الإسرائيلي و14 مدنياً إسرائيلياً في القتال ضد حزب الله خلال الأشهر الثمانية الماضية. على الجانب الآخر، اعترف حزب الله بمقتل 330 شخصاً، إلى جانب عدد غير معروف من المدنيين. وثمة عمليات قتل تستهدف كبار كوادر الحزب كل بضعة أيام، لكن الميزة التكتيكية لإسرائيل لا تؤثر على الوضع الاستراتيجي الأكبر.
يرجع انخفاض أعداد الضحايا على الجانب الإسرائيلي بشكل جزئي إلى إخلاء منطقة الحدود الشمالية من السكان. في الوقت الحالي، لا يرغب سكان المجتمعات الحدودية الشمالية بالعودة إلى منازلهم، ليس فقط بسبب النزاع الحالي، لكن أيضاً لأن وجود مقاتلي حزب الله على طول الحدود، وأحياناً على بعد أمتار قليلة من المنازل الإسرائيلية، يزيد من احتمال هجوم آخر من نوع 7 أكتوبر على نطاق أوسع.
يبدأ العام الدراسي في إسرائيل في الأول من سبتمبر (أيلول). وكما تبدو الأمور حالياً، من المقرر أن تواجه آلاف العائلات الإسرائيلية استمرار الاضطراب الشديد لحياتها، حيث لن تتمكن من العودة إلى منازلها. على مستوى أوسع، إن التنازل الفعلي عن منطقة من الأرض تحت الإكراه بهذه الطريقة يعد حدثاً غير مسبوق بالنسبة إلى إسرائيل. وإذا سُمح له بالاستمرار فسيمثل إنجازاً كبيراً لأعدائها.
تصعيد جديد
في الأيام الأخيرة، ازداد نطاق وكثافة تبادل إطلاق النار. قتلت إسرائيل 17 عنصراً مرتبطاً بإيران في غارة جوية بالقرب من مدينة حلب السورية يوم الإثنين. ومن بين القتلى مواطنان إيرانيان، أحدهما يدعى سعيد أبيار، وهو أحد كبار عناصر الحرس الثوري الإيراني. وكان من بين القتلى أيضاً 3 رجال من حزب الله. وبالقرب من الحدود، قامت إسرائيل بقتل عناصر من حزب الله في الأيام القليلة الماضية. كان أبرزهم علي حسين صبرا، وهو مهندس شارك في تطوير قدرات الدفاع الجوي للحزب.
رداً على هذه النجاحات، أطلق حزب الله صواريخ وطائرات بدون طيار على كتسرين في جنوب مرتفعات الجولان وعلى بلدات كريات شمونة الحدودية. كما سقطت طائرة بدون طيار على مدينة نهاريا إلى الجنوب، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف هذه المنطقة بنجاح في النزاع الحالي. واندلعت حرائق كبيرة بسبب ذخائر حزب الله في منطقة كتسرين وفي سلسلة جبال رميم.
دعوات وتصريحات متزايدة
أضاف الكاتب أن الطبيعة غير المقبولة للوضع الحالي في منطقة الحدود الشمالية وفشل المستوى الحالي من الإجراءات الإسرائيلية ضد حزب الله في حثه على وقف هجماته يؤديان إلى تزايد الدعوات في إسرائيل لتكثيف حاد للعمليات ضد التنظيم الشيعي اللبناني.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، يوم الثلاثاء، بعد تقييم أجراه مع مسؤولين عسكريين في قاعدة بكريات شمونة: "إننا نقترب من النقطة التي يجب فيها اتخاذ قرار، والجيش الإسرائيلي مستعد ومستعد جداً لهذا القرار.. نحن مستعدون بعد عملية تدريب جيدة للغاية للتحرك لشن هجوم في الشمال".
في غضون ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد يوم واحد في كريات شمونة: "كل من يعتقدون أن بإمكانهم إيذاءنا وأننا سنقف مكتوفي الأيدي مخطئون للغاية".
إذاً ماذا سيحدث الآن؟
يجيب الكاتب بأن حزب الله منظمة أقوى بكثير من حماس، وهو يمتلك مجموعة مخيفة من الصواريخ والقذائف وقوة برية كبيرة ذات خبرة. ليس لإسرائيل شركاء أو حلفاء داخل لبنان. تقع البلاد اليوم تحت السيطرة الفعلية لحزب الله وإيران. من شبه المؤكد أن أي عملية كبيرة ضد الجماعة، من الجو أو من الأرض، ستؤدي إلى إطلاق صواريخ على وسط إسرائيل.
ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى زيادة الهجمات من قبل القوات الإيرانية أو حلفائها في سوريا والعراق. من ناحية أخرى، من الواضح أن الوضع الحالي لا يُحتمل، ما لم ترغب حكومة إسرائيل بالتنازل عن المجتمعات الحدودية الشمالية لصالح وكيل الحرس الثوري الإيراني في لبنان. وختم سباير كاتباً: "إنه قرار صعب بالنسبة إلى نتنياهو".
عن موقع "24"