هل يعبر السودان المرحلة الانتقالية ويطوي صفحة الدم؟

هل يعبر السودان المرحلة الانتقالية ويطوي صفحة الدم؟


14/07/2020

يسعى رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، إلى حلّ النزاعات القائمة حول تقاسم السلطة، والتصدي لمطالب الجبهة الثورية، بتمديد الفترة الانتقالية إلى أربعة أعوام، حتى يكون بمقدورها إعداد كوادرها للانتخابات؛ إذ يعمد إلى تأمين مسارات سياسية تفاوضية، بهدف عبور المرحلة الانتقالية دون معوقات أو توترات بين الفرقاء السياسيين، ومن ثم، تهيئة الأجواء لاستكمال "عملية السلام"، لطيّ الفصل الدموي القائم على الحروب والصراعات الأهلية، وذلك عبر الالتزام بنصوص الوثيقة الدستورية الخاصة بالفترة الانتقالية، والوفاء باستحقاقاتها.

الصراع على السلطة

يظلّ الخلاف على تحديد نسب مقاعد المجلس التشريعي بين الأطراف السياسية المتباينة، وتعيين ولاة مدنيين، من بين أبرز القضايا العالقة في المفاوضات القائمة بالعاصمة السودانية، مما يجعل هياكل المرحلة الانتقالية، التشريعية والإدارية والسياسية، غير مكتملة، بيد أنّ رئيس وزراء السودان الذي يستعد خلال الأيام القليلة القادمة لتعيين ولاة مدنيين في عدد من الولايات؛ كالخرطوم، والشمالية، والنيل الأبيض، كان قد أكّد أنّ "لا خطوط حمراء أمام تحقيق السلام في السودان، خاصة أنّ الحكومة الانتقالية قطعت شوطاً بعيداً في المفاوضات، وذلك على مدار الشهور التسعة الماضية، بهدف إنهاء القضايا الجامدة كافة".

ورغم ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، في 17 آب (أغسطس) العام الماضي، بضرورة تحقيق السلام، خلال الستة أشهر الأولى من بداية الحكومة الانتقالية، غير أنّ هناك خلافات قائمة بين الأطراف السياسية، تسبّبت في تعطيل حدوث تقدم في جملة من الملفات والقضايا السياسية، لا سيما فيما يتّصل بتحديد نسب أعضاء المجلس التشريعي، بين وفد الحكومة الانتقالية واللجنة المركزية لقوى الحرية والتغيير من ناحية، ومفاوضي حركات الكفاح المسلح، من ناحية أخرى.

من يملك "الكعكة" الثورية؟

كما تعدّ التناقضات السياسية مع بعض الحركات والفصائل المسلحة، مثل حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية، بقيادة عبد العزيز الحلو، من بين أبرز القضايا التي عطلت مسار الفترة الانتقالية؛ حيث وضعت الأولى قيوداً عديدة على المشاركة في المرحلة الانتقالية، واشترطت نقل المحادثات إلى الخرطوم.

بالتزامن مع التعديل الوزاري قامت الحكومة الانتقالية بمجموعة من التغييرات التشريعية المهمة واللافتة كانت تعكس رغبة قوية في إزاحة ميراث عقود من حكم تيارات الإسلام السياسي

وفيما يخص الحركة الشعبية، فقد انخرطت في المفاوضات، إلا أنّها اتخذت موقفاً حاداً وصلباً في بعض القضايا الإشكالية؛ إذ فرضت موقفها الراديكالي الداعي إلى علمانية الدولة، إضافة إلى منح منطقتَي جبال النوبة والنيل الأزرق حقّ تقرير مصيرهما، وذلك في مقابل رؤية الحكومة الانتقالية التي أوضحت أنّ مثل هذه الأمور تقع خارج إطار تفويضها.

اقرأ أيضاً: السودان..ما قصة مجزرة العليفون التي نبشت قبورها بعد 22 عاماً؟

وتعدّ مسألة هوية الدولة من الأمور السجالية بين كافة الأطراف السياسية، منذ الإطاحة بحكم عمر البشير؛ حيث نصّت الوثيقة الدستورية، التي تكوّنت الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي بموجبها، على أنّ "السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة مدنية ديمقراطية تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي"، وقد اعتمد واضعو وثيقة الإعلان الدستوري التي قدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير للمجلس العسكري في بعض بنودها، على دستور عام 2005 الانتقالي، والأخير تمّ تدشينه عقب اتفاقية السلام بين شمال السودان وجنوبه.

بيد أنّ الوثيقة الدستورية خلت من البند الذي يقرّ بأنّ "الشريعة الإسلامية والإجماع مصدر التشريعات التي تُسنّ على المستوى القومي، وتطبَّق على ولايات شمال السودان"، وهو النصّ الذي ظلّ يحكم السودان لمدة تقارب نصف قرن.

وبحسب مصادر صحفية؛ فإنّ الصراع السياسي المحتدم حول نسب مقاعد المجلس التشريعي، قد شكّل محوراً أساسياً في جلسات النقاش التي انعقدت، مؤخراً، بين وفد الحكومة الانتقالية، برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي، شمس الدين كباشي، ومفاوضي الحركات المسلحة والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير؛ إذ قامت الأخيرة بتحديد عدد مقاعد للجبهة الثورية، يتراوح بين 60 و70 مقعداً، بينما طالبت الجبهة الثورية بتخصيص 90 مقعداً.

اقرأ أيضاً: تركيا ورقصة "إخوان السودان" الأخيرة

ومن جانبه، أعلن مقرّر الوساطة بين الفرقاء السياسيين السودانيين، ضيو مطوك، أنّ الجبهة الثورية تسلمت أثناء حضور الجلسة ردّ الحكومة على النقاط التي تقدمت بها، وتشكل أبرز نقاط الخلاف بينهما، لكنه أكّد حدوث "توافق كبير"، بحسب تعبيره، وذلك غم وجود بعض التناقضات في الرؤى بين الطرفين.

هل يتفق الفرقاء؟

وإلى ذلك، قال وفد التفاوض للحركة الشعبية، بقيادة الفريق مالك عقار ياسر عرمان؛ إنّ "الاتفاق حول القضايا التي جاء من أجلها الوفد إلى الخرطوم بات وشيكاً".

وبالتزامن مع التعديل الوزاري، الذي جرى قبل أيام قليلة، قامت الحكومة الانتقالية بمجموعة من التغييرات التشريعية المهمة واللافتة، والأخيرة كانت تعكس رغبة قوية في إزاحة ميراث ثلاثة عقود من حكم تيارات الإسلام السياسي، وتنقية القوانين من أدبيات العنف والتكفير؛ حيث خرجت مسيرات حاشدة، نهاية الشهر الماضي، تضغط لجهة استكمال أهداف الثورة، التي تتمثل في القصاص للشهداء، وتشكيل المجلس التشريعي، وتعيين الولاة المدنيين، ومحاسبة رموز نظام جماعة الإخوان، ناهيك عن المطالبة بإجراء تعديلات وزراية.

وعليه، أكّد وزير العدل السوداني، نصر الدين عبد الباري، أنّ التشريعات الجديدة والتغييرات التي قام بها "تستهدف التخلص من أدبيات الجماعات التكفيرية في القوانين الجنائية؛ حيث قام بإسقاط عقوبة "حدّ الردة"، وتجريم "تكفير الأشخاص"، الذي ظلّ يحكم ضمير وحرية اعتقاد الأفراد لأعوام طويلة في السودان".

ميراث التكفير

وصرّح وزير العدل بأنّ هذه التعديلات جاءت ضمن قانون التعديلات المتنوعة الذي وقّعه رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بهدف ملائمة القوانين والوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية، ووفق الحاجة الملحّة بإقرار الحريات وضمان سيادة حكم القانون دون تمييز.

وتابع: "القانون الجديد ألغى المادة 126، الواردة في القانون الجنائي لعام 1991، التي تتحدث عن الردّة واستبدالها بمادة تجرم التكفير، لا سيما أنّ الوثيقة الدستورية نصّت على ضمان حرية الاعتقاد، كما أنّ تكفير الآخرين بات مهدداً لأمن ولسلامة المجتمع".

بحسب نصّ الوثيقة الدستورية الحاكمة؛ فإنّ ثلثَي مقاعد المجلس التشريعي هي لقوى الحرية والتغيير، أي نحو 67% من مقاعده، فيما يتم تخصيص نسبة الـ 33% للقوى السياسية الأخرى

بحسب نصّ الوثيقة الدستورية الحاكمة؛ فإنّ ثلثَي مقاعد المجلس التشريعي هي لقوى الحرية والتغيير، أي نحو 67% من مقاعده، بينما يتمّ تخصيص نسبة الـ 33% للقوى السياسية الأخرى بالتشاور بين شريكي الحكم، لكنّ المفارقة أنّه، حتى الآن، لم يتمّ تشكيل المجلس التشريعي، رغم مضي أكثر من 9 شهور على تكوين مجلسي الوزراء السيادة، حسبما يقول الصحفي السوداني، محمد جميل أحمد، مضيفاً لـ "حفريات": "من أهمّ النقاط العالقة بين وفدي الحكومة والجبهة الثورية حيال التمثيل في المجلس التشريعي القادم (يتكون من300 مقعداً) مطالبة الجبهة الثورية بما نسبته 35 في المئة، أي 120 من مقاعد المجلس التشريعي، فيما تطرح الحكومة 75 مقعداً، أي ما نسبته 25% من مقاعد المجلس التشريعي للجبهة الثورية".

وثمة مفارقة أخرى في وضع التفاوض بين الطرفين، بحسب جميل أحمد؛ فالجبهة الثورية هي، في الوقت ذاته، جزء من كتلة نداء السودان (إحدى الكتل الخمس لتحالف قوى الحرية والتغيير) الأمر الذي سيحدث إشكالاً في التداخلات بين النسب داخل كتلة نداء السودان؛ فإذا كانت الجبهة الثورية جزءاً من كتلة نداء السودان، المتمثلة في قوى الحرية والتغيير، وفي الوقت ذاته تفاوض هذه الجبهة حكومة قوى الحرية والتغيير، فإنّ ذلك سيعقد المشهد التفاوضي، وسيجعله أكثر غرابة، ولعلّ هذا التعقيد هو الذي يقف وراء تعثر تكوين المجلس التشريعي، مما يعني أنّ ما يحدث الآن هو ترحيل أجل الصراع السياسي باستمرار بين الكتل على مقاعد المجلس التشريعي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية