هل تقوى إيران على إصلاح نفسها؟

هل تقوى إيران على إصلاح نفسها؟


07/03/2018

يسرد المحلل السياسي والخبير الاقتصادي، مجيد محمدي، أهمّ مفاصل الدولة الإيرانية التي تحتاج إلى إصلاحات، وفق ما يتفق عليه الشارع الإيراني، ويؤمن بضرورة تنفيذ هذه الإصلاحات، رغم رفض الدولة تنفيذ أيّ شيء منها.

لمعرفة قدرة ونية الإصلاح في الجمهورية الإسلامية، ليس علينا أن نقف أمام الملفات الصادمة والقضايا الإصلاحية الإشكالية، التي ستخلق بلبلة كبيرة إذا وضعت تحت مجهر الإصلاح مثل: المساواة بين الجنسين في الميراث، وإلغاء حكم الإعدام الذي ينفذ في الشوارع، وإنهاء احتكار الدولة للعطاءات والمشروعات، وقطع دعم المؤسسات الدينية والمذهبية من موازنة الدولة، وإجراء انتخابات نزيهة لانتخاب محافظي المدن بإرادة شعبية، وحذف الدين الرسمي للدولة من الدستور، والتوقف عن إعلان العداء لإسرائيل من خلال قنوات السياسة الخارجية الإيرانية.

هذه الإصلاحات مرهونة بالمناخ السياسي والحوار بين مؤسسات الدولة والإعلام الحرّ، ومن الممكن أن تتغيّر عبر هذه القنوات، أمّا الإصلاحات التي تخصّ المجتمع بشكل مباشر، ويتوجّب على الدولة أن تقوم بها منذ سنوات طويلة، ولا تتقدم خطوة واحدة نحوها؛ بل ترفضها رفضاً قاطعاً، ولا تظهر أيّة نية للإصلاح، سأحاول من خلال هذا العرض السريع أن أشير إلى أهمها، التي يتوجب على الدولة النظر لها بعين الإصلاح، وتنفيذها كمطلب يطلبه المجتمع ويحتاجه؛ بل يطالب بها أيضاً الموالون للحكومة؛ لأنّها تلبي مطالب الشعب، وتُجمّل صورة الدولة أيضاً.

الشرطة تلقي القبض على بعض أطفال الشوارع المشردين-أرشيفية

إلغاء قانون البثّ الفضائي وحلّ الإذاعة والتلفزيون الرسمي

قال وزير الداخلية الإيرانية، في هذا الباب، ضمن أحد تصريحاته: "إذا امتلك الناس قمراً صناعياً فلن يفتحوا التلفزيون الإيراني أبداً"، تعلم السلطات الرسمية في إيران أنّ نسبة مشاهدة التلفاز الحكومي ضئيلة، ومع هذا تمنع امتلاك أي قمر صناعي خارج سلطتها، ولو كانت الحكومة جادة في الإصلاح فعليها أن تمنح هذه القنوات للقطاع الخاص، بدل إنفاق المليارات عليها، رغم أنّها لا تلقى أي رواج بين الناس.

تعلم السلطات الرسمية في إيران أنّ نسبة مشاهدة التلفاز الحكومي ضئيلة، ومع هذا تمنع امتلاك أي قمر صناعي خارج سلطتها

من خلال خصخصة هذه القنوات، سيزول العبء الكبير عن الناس، وتنزاح عنهم الضرائب التي يدفعونها، كذلك يمتلك القطاع الخاص خبرة كبيرة في إدارة هذه الشؤون باحتراف كبير، وسيساهم هذا بإبعاد تدخلات رجال الدين والسلطات الأمنية عن الإذاعة والتلفزيون، ليواصلوا واجباتهم في أماكن عملهم فقط.

ومن الجدير ذكره؛ أنّ الجمهورية الإسلامية تملك ماكينة دعائية عملاقة للسياسة وتشكيل المزاج الشعبي العام، مثل: مؤسسة "أوج"، وكثير من وكالات الأنباء الرسمية (عسكرية وأمنية)، وآلاف المواقع الإخبارية الإلكترونية (منظمة الدعوة الإسلامية، منظمة الإعلام والاتصال).

إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية

يقدّر عدد الفارين من الخدمة العسكرية الإجبارية في إيران، بنحو مليون ونصف المليون، وفق الإحصائيات الرسمية المنشورة في وكالة "إيسنا" الرسمية، عام 2017. ومن جهة أخرى؛ بدأت الجمهورية الإسلامية، في العقدين الأخيرين، عملية بيع بطاقات الإعفاء من التجنيد الإجباري (دفع البدل) لملايين المكلّفين الإيرانيين، وفي جولة واحدة لاستقبال المكلفين الراغبين بدفع البدل، استقبلت الجهات المختصة أكثر من 287 ألف مُكلّف، جاؤوا لشراء بطاقة الإعفاء من التجنيد، وثمّة أعداد كبيرة منهم لم يحصلوا على البطاقة؛ لأنّهم لا يملكون المبلغ المطلوب للبدل.

تبين هذه الأرقام مدى رفض المجتمع للتجنيد الإجباري، عامان كاملان يقضيهما المكلف، وقت يضيع بلا فائدة، بعيداً عن التعليم والعمل ليجتاز الخدمة الإجبارية، كذلك لا تنفق الدولة على المكلف الذي لا يودّ البقاء في العسكرية بعد الخدمة، كما تنفق على المكلف الذي سيواصل عمله العسكري، ولا تقدّم له أيّة بدائل للعمل، وفي كثير من الدول النامية تم إلغاء الخدمة الإجبارية، ولم يؤثّر ذلك سلباً على تلك الدول.

معالجة عمالة الأطفال وجمعهم من الشوارع

لا يختلف أحد في إيران على هذه القضية، فبدل هدر مليارات الموازنة ومضايقة رجال الشرطة للنساء والشباب، عليهم أن يجمعوا الأطفال الذين يعملون في الشوارع وينبشون القمامة.

وعلى إدارة التعليم ألّا تطرد الطلاب من المدارس (في الدول المتحضرة يرسل الطلاب المطرودين إلى مدارس خاصة لحالاتهم بعد طردهم)، بينما في إيران تترك الشرطة الأطفال المشردين في الشوارع تحت نظرها، وفي حال أمسكت بأحدهم فإنّها تحوّله إلى عائلته، وإذا كان بلا عائلة تجد له مكانًا مؤقتًا ليبقى فيه، بوسع الشرطة أن تترك هذه المهمة لمؤسسات المجتمع المدني، وفي هذا خير للأطفال وحماية لهم، إلّا أنّ الدولة لم تتقدم خطوة واحدة نحو هذا الإصلاح.

الجمهورية الإسلامية تملك ماكينة دعائية عملاقة للسياسة وتشكيل المزاج الشعبي العام

الادّعاء بأنّ عمل الأطفال يهدف إلى تأمين الخبز للعائلة ادعاء غير واقعي؛ لأنّ عمل الأطفال لا يعود بدخل كبير، أو حتى يساعد عائلاتهم على المعيشة، وعلى الدولة أن تجد حلاً جذرياً للعائلات التي تتخلّى عن أطفالها، ففي الدول المتحضرة يؤخذ الطفل من هذه العائلات ليعيش في مراكز إيواء مخصصة، أو مع عائلات متطوعة تستقبل الطفل لرعايته وتربيته، فإذا كانت الدولة جادة في الإصلاح عليها أن تضع رعاية الأطفال المشردين والمطرودين من عائلاتهم، في أهم أولوياتها، بدل رميهم في الشوارع.

إيرانيات في استاد دولي يشجعن منتخب بلادهن ضد بلجيكا-أرشيفية

ذهاب النساء إلى الصالات الرياضية

سعى أربعة رؤساء للدولة (هاشمي رفسنجاني، محمد خاتمي، محمود أحمدي نجاد، حسن روحاني) لتمهيد الطريق أمام المرأة الإيرانية للذهاب إلى الملاعب والصالات الرياضية، إلّا أنّهم لم ينجحوا في هذا المسعى، فقد تصدت فئة من رجال الدين في قم لهذه الجهود وحاربتها، ورأي هذه الفئة يغلب على رأي أكثر من 80 مليون إيراني يدعمون هذه الجهود ويريدون النساء في الملاعب.

لو زالت هذه العقبة، لاشترت الإيرانيات ملايين التذاكر لحضور المباريات، ممّا سيعود بالنفع على الاقتصاد الإيراني المتراجع، ولأمضت الفتيات مع عائلاتهن أوقات الفراغ بسلامة وأمان، إلّا أنّ هذه القرار، والإصرار على العمل به، ينبع من فتاوى المرجعيات الشيعية التي تضع النساء تحت الوصاية.

إيقاف تنفيذ حكم الإعدام في الشوارع العامة

كان إعدام الإنسان في الأماكن العامة رائجاً في الولايات المتحدة قبل 80 عاماً، كان ينفذ حكم الإعدام في الشوارع العامة أمام حشد من الناس، وآخر تنفيذ للإعدام في أمريكا بهذه الصورة كان عام 1936، وفي فرنسا عام 1938، وفي بريطانيا عام 1868، إلّا أنّ الإعدام في إيران قائم، ولا يختلف أحد على مساوئه، والقليل من الإيرانيين يقبلون بالإعدام العلني أمام الأطفال اليافعين.

إنهاء تنفيذ الإعدام العلني ليس مشكلة قانونية، ولا يكلف الدولة الكثير من المال؛ بل يقلّل التكاليف، كذلك لا يسهم في زيادة الأمن المجتمعي، تنفذ إيران الإعدام العلني دائماً، ولا يقلل هذا من نسبة الجريمة من خلال ردع الناس بالمشهد، وإذا كانت الجمهورية الإسلامية تستطيع الإصلاح فعليها أن تضع هذه الإعدامات العلنية في سلم إصلاحاتها، دون أن تستخدم مشاهدة الناس تنفيذ حكم الإعدام لترهيبهم بهذه الوسيلة البشعة.

التوقّف عن دعم الطبقة المخملية

قبل، وبعد، المصادقة على دفع الدعم المالي للإيرانيين، يتفق علماء الاقتصاد والاجتماع في أنّ دعم الأثرياء أمر غير معقول؛ ماذا يريد صاحب محلّ الذهب أو المسؤول المرموق في الدولة، من خمسين أو مئة مليون تومان شهرياً كدعم له!

في كلّ العالم لن تجد هذا السلوك الرسمي كما في إيران، في كلّ دول العالم تدعم الدولة الشريحة الفقيرة في المجتمع (الأيتام، العاطلين عن العمل، ضحايا الكوارث الطبيعية) ليستطيعوا مواصلة حياتهم، أما منح الدعم لـ 80 مليون، ثم لـ 76 مليون فرد، فهذا هدر للمال العام، كذلك الدّعم والامتيازات التي يحصل عليها رجال الدين، وطبقة المسؤوليين المخملية.

بهذا فإنّ نظام الجمهورية الإسلامية لا يخطو الخطوة الثانية نحو الإصلاح؛ لأنّ مشكلته تكمن في اتخاذ الخطوة الأولى.

حاول مجلس النواب، وبعض مسؤولي الحكومة، أن يصلحوا هذا الخلل في مراحل سابقة، إلّا أنّ الهكيل الإداري في الدولة وضع هذه الخطط الإصلاحية في آخر أولوياته، ومن الطبيعي أن الأشخاص الذين لا يعارضون هذا ويقبلونه، يطيب لهم لو ظلّ الحال كما هو عليه، وبهذا يضيع 1200 ترليون تومان إيراني سنوياً من الموازنة، ويأخذ ملف الدعم وحده 37.5 ألف مليار تومان من هدر الخزينة.

إيرانيون ينتظرون دورهم لاستلام الدعم الحكومي ضمن 77 مليون إيراني يتسحقون الدعم-أرشيفية

رفع الرقابة عن الكتاب

في الوقت الذي يستخدم 50 مليون إيراني شبكة الإنترنت، وبوسعهم أن يتجاوزوا أيّ نظام حماية لتحميل الكتب الإلكترونية، وبوسع الكتّاب نشر مؤلفاتهم إلكترونياً، تفرض الحكومة الدينية رقابتها على المؤلفات السياسية والاجتماعية والدينية، وتمنع قرابة 200 إلى 500 مطبوعاً من التداول.

من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بوسع الأشخاص أن يقولوا ما يريدون، ولا أحد يمنعهم، إلّا أنّ آلاف الكتّاب الإيرانيين يخضعون لرقابة الجمهورية الإسلامية لئلّا يقول أحدهم ما يدور في ذهنه على صفحته الشخصية.

الإصلاح في الجمهورية الإسلامية أمر مستحيل؛ لأنّ الطرق القانونية للإصلاح مسدودة بوجود المرشد الأعلى ومجلس خبراء القيادة ونظام الانتخابات

لن يخلق إلغاء الرقابة على الكتب أيّة مشكلة اجتماعية أو سياسية في المشهد الإيراني اليوم، ولن يؤثر حتى في السلطة الدينية، فلم يعد للكتاب أثره كما كان سابقاً، حتّى أنّ أكثر مؤيدي النظام أبدوا رفضهم للرقابة على الكتاب، ولم يخلق هذا الرفض أيّة أزمة في البلاد.

يقول الواقع السياسي في إيران، إنّ مثل هذه الإصلاحات لن تتحقّق، بالكاد نرى قليلاً من الإصلاحات في بعض المجالات؛ مثل تعديل طفيف على قانون المخدرات لإلغاء تنفيذ حكم الإعدام العلني، وكلّها إصلاحات تتخذ لإلهاء الناس، وليست بنية الإصلاح الحقيقي.

إصلاح تراه دائماً في إيران إلّا أنّه لتوطيد تديّن الدولة، وتغلغل دورها في كلّ المجالات، وطمس أيّ تنوّع ثقافي واجتماعي.

وعلى الذين يصدقون نية وخطوات الجمهورية الإسلامية نحو الإصلاح، أن يجيبوا –إذا استطاعوا- عن سؤال: "لماذا لا يتم الإصلاح في المجالات المذكورة أعلاه!" فالإصلاح لا يتمّ بينما يتواجد رجال دين في السلطة.

الإصلاح في الجمهورية الإسلامية أمر مستحيل؛ لأنّ الطرق القانونية للإصلاح مسدودة (بوجود المرشد الأعلى ومجلس خبراء القيادة ونظام الانتخابات)، كذلك لا توجد وسائل تنقل للعالم الآخر ما يحدث؛ (قيود على الإعلام والتعبير، وتشكيل التيارات والجماعات)، فكيف سيأتي الإصلاح دون قنوات تسمح له بالوصول ليتّخذ صيغة مطلوبة وتتبدّل به السياسات والقوانين؟

مجيد محمدي- محلل اقتصادي إيراني -عن "بي بي سي" الفارسية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية