هل تشهد السياسة الأمريكية انعطافة في الموقف من إسرائيل؟

هل تشهد السياسة الأمريكية انعطافة في الموقف من إسرائيل؟


22/05/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

بالنّظر إلى التحوّل الملحوظ في المواقف الأمريكية نحو الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو أنّ بعض الجماعات المؤيّدة لإسرائيل في الولايات المتّحدة تُصارع في يأسٍ جامح.

دفع عدد من هذه الجماعات أكثر من 30 ولاية لتجريم دعم جهود مقاطعة إسرائيل، أو سحب الاستثمارات منها، أو معاقبتها، وبالتّوازي مع ذلك، أَطلقت حملات لتمرير تشريعات على المستويين الوطني والولايتي، لتوسيع تعريف معاداة السّاميّة ليشمل العديد من أشكال النّقد المشروع لدولة إسرائيل. لا يُستخدم هذا التّعريف الموسّع في ملاحقة بعض جرائم الكراهية فحسب؛ بل يشقّ طريقه أيضاً إلى حرم الجامعات ومجالس المدارس المحلّيّة، ويُستخدم لخنق الاحتجاجات الطلابية ضدّ السّياسات الإسرائيليّة، والتّأثير على ما يمكن وما لا يمكن أن يُدرَّس، ومن يستطيع ومن لا يستطيع التّدريس عن الشّرق الأوسط وتاريخه.

علاوة على ذلك، فيما يتعلّق بالعدد المتزايد من مرشّحي الكونغرس الذين ينتقدون السّياسات الإسرائيليّة علانية، أُسّست لجان عمل سياسيّ جديدة لدعم المرشّحين غير المشكّكين في السّلوك الإسرائيليّ أو لمعارضة أولئك الذين اعترضوا على تعامل إسرائيل مع الفلسطينيّين. في الرّبع الأوّل فقط من هذا العام، جمعت هذه اللجان وأنفقت الملايين إلى حدّ كبير لتشويه سمعة أولئك الذين تسعى إلى هزيمتهم.

تعدّ هذه الجهود مجتمعة غير ديمقراطيّة وخطيرة، وهي مصمّمة لترهيب، و/أو معاقبة أولئك الذين يجرؤون على انتقاد السّياسات الإسرائيليّة، بالتالي، لإسكات النّقاش المطلوب حول سياسة الولايات المتّحدة في الشّرق الأوسط.

إنّ كثيراً ممّا تفعله هذه الجماعات هو مجرّد امتداد لأساليب استخدمتها على مدى عقود.

لجان العمل السّياسيّ المؤيّدة لإسرائيل

جمّعت لجان العمل السّياسيّ المؤيّدة لإسرائيل مساهمات هذه الحملة على مدى عقود، واستخدمتها لمكافأة المرشحين الذين أيّدوا دعماً لا جدال فيه لدولة إسرائيل ومعاقبة أولئك الذين أظهروا حتّى أدنى ميل لتحدّي سياسات تلك الدّولة. كما استخدمت الجماعات الرّئيسة، على مدى عقود، مساعيها لتشويه سمعة النّقاد بتهمة معاداة السّاميّة أو التّعاطف مع الإرهاب، وهي طريقة مؤكّدة لإنهاء الجدل والإضرار بسمعة المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيّ.

أعضاء ناطوري كارتا، الذين يصفون أنفسهم بأنهم من اليهود الأرثوذكس ضد الصهيونية، احتجوا خارج البيت الأبيض في أغسطس الماضي

لكن البيئة السياسية التي أوجدتها هذه الجماعات، عبر مثل هذه الأساليب، شُوِّهَت. ربما فازوا بأصوات في الكونغرس الأمريكيّ، لكن في كثير من الحالات يُدلي الأعضاء بأصواتهم خوفاً من التداعيات السياسيّة، وليس انطلاقاً من مواقفهم السياسية، بما في ذلك المواقف التي يعرفون أنّها ستخدم مصالح الولايات المتّحدة بشكل أفضل.

كان تأثير التّشهير بالنّقاد على أنّهم من معادي السّاميّة أو مؤيّدي الإرهاب أكثر ضرراً، فقد بعض العرب الأمريكيّين، وغيرهم ممّن تحدثوا دعماً للفلسطينيّين، وظائفهم وارتباطاتهم في التحدّث.

على الرّغم من جهود الجماعات المؤيّدة لإسرائيل؛ فإنّ الانتقادات الموجّهة للسّياسات الإسرائيليّة في تزايد، وتُظهِر استطلاعات الرّأي أنّ غالبيّة الأمريكيّين يريدون اشتراط المساعدة الأمريكيّة لإسرائيل بطريقة معاملتها للفلسطينيّين

استُبعِدَت الجماعات العربيّة الأمريكيّة من التّحالفات السّياسيّة، وحُرِم بعض العرب الأمريكيّين من حقّ المشاركة في العمليّة السّياسيّة، ممّا حدّ من قدرتهم على تمثيل جاليتهم والدّفاع عنها.

لكن، على الرّغم من بذل الجماعات المؤيّدة لإسرائيل قصارى جهدها؛ فإنّ الانتقادات الموجّهة للسّياسات الإسرائيليّة في تزايد، وتُظهِر استطلاعات الرّأي أنّ غالبيّة الأمريكيّين يريدون اشتراط المساعدة الأمريكيّة لإسرائيل بطريقة معاملتها للفلسطينيّين.

زاد دعم الفلسطينيّين وانتقاد إسرائيل

يرى عدد كبير من الأمريكيّين أنّ دعم معاقبة إسرائيل أو مقاطعتها أمر مشروع، وقد زاد دعم الفلسطينيّين وانتقاد إسرائيل بشكل كبير بين الدّيمقراطيّين، وعلى مدى العقدين الماضيين، على سبيل المثال، انخفضت نسبة الدّيمقراطيّين الذين قالوا إنّهم يتعاطفون مع إسرائيل أكثر من فلسطين 11 نقطة، من 38 في المئة إلى 27 في المئة، وفق "مركز بيو للأبحاث".

 في آذار (مارس) من العام الماضي، أظهر استطلاع للرّأي أجرته "مؤسّسة غالوب"؛ أنّ 53 في المئة من قادة الحزب الديمقراطيّ يفضّلون الضّغط على إسرائيل لتقديم تنازلات لإنهاء الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ المستعر في ذلك الوقت، وقد مثّل ذلك قفزة بمقدار 10 نقاط عن عام 2018 وزيادة بمقدار 20 نقطة عن عام 2008، عندما اندلع الصّراع بين الجانبين في تلك الأعوام.

الشّباب اليهوديّ الأمريكيّ أصبح منظّماً وشجاعاً فيما يتعلّق بتحدّي العزم المؤيّد لإسرائيل بين المنظّمات السّائدة التي هيمنت لفترة طويلة جدّاً على سياسة المجتمع اليهودي الأمريكيّ

إضافة إلى تمكين العرب الأمريكيّين، أصبح الأمريكيّون من أصل أفريقيّ والّناخبون الشّباب أكثر جرأة، ومن الأهميّة بمكان في هذا الصّدد أنّ الشّباب اليهوديّ الأمريكيّ أصبح منظّماً وشجاعاً فيما يتعلّق بتحدّي العزم المؤيّد لإسرائيل بين المنظّمات السّائدة التي هيمنت لفترة طويلة جدّاً على سياسة المجتمع اليهودي الأمريكيّ. نتيجة لذلك؛ بينما كان يمكن للمرء في الماضي أن يُحصي حملة واحدة أو اثنتين فقط للكونغرس، حيث برزت حقوق الفلسطينيّين بوصفها القضيّة، هناك العشرات هذا العام.

كلّ هذا، مجتمعاً، خلق حالة من الذّعر في الدّوائر المتشدّدة المؤيّدة لإسرائيل، مثل الطّفل الهولنديّ الصّغير في القصّة المشهورة، يحاولون وضع أصابعهم في الحاجز لصدّ الفيضانات، لكن مع وجود تسريبات كثيرة يجدون أنفسهم في حيرة من أمرهم، ومن هنا جاءت الإجراءات اليائسة.

قوات الأمن الإسرائيلية تحرس باب المجمع الذي يضم المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس الأسبوع الماضي

ظهر هذا القلق في خطاب ألقاه جوناثان غرينبلات، رئيس "رابطة مكافحة التّشهير"، بعد أن أشار إلى زيادة الحوادث المعادية للسّاميّة، سعى إلى إلقاء الّلوم على منتقدي إسرائيل، مستهدفاً مجموعة طلّابيّة مؤيّدة للفلسطينيّين، وحركة من الشّباب اليهود التّقدميّين، ومجموعة إسلاميّة. كما أدلى بتأكيد غير دقيق عندما قال: "لأولئك الذين ما يزالون متمسّكين بفكرة أنّ معاداة الصهيونيّة ليست هي معاداة للساميّة، اسمحوا لي أن أوضّح هذا لكم بأوضح ما أستطيع، معاداة الصّهيونيّة هي معاداة الساميّة".

إسكات النّقاش حول إسرائيل

كما اقترح غرينبلات تسريع الإجراءات المصمّمة لإسكات النّقاش حول إسرائيل ومعاقبة الانتقاد المشروع لها من خلال، على سبيل المثال، مناشدة الحزب الديمقراطي لمراقبة معاداة الصّهيونيّة في صفوفه. أضاف: "سنطالب شركات التّكنولوجيا التي تستثمر بكثافة لمحاربة انتهاكات حقوق الطّبع والنّشر على منصّاتها بأن تلتزم بالمستوى نفسه من الابتكار لتقليل وصول خطاب الكراهية إلى خدماتها. هذه ليست دعوة للرّقابة؛ إنهّا نداء من أجل اللياقة".

هناك الكثير من التّعليقات الإضافية التي يمكن للمرء أن يُدلي بها حول هذا الجهد الموجّه بشكل خاطئ، لكن يكفي أن نقول إنّه أمر خطير. قد تفوز الجماعات المؤيّدة لإسرائيل في بعض السّباقات لأنّها لطّخت مرشّحاً نزيهاً، قد تضرّ ببعض الحيوات المهنية، وتسبّب تهديدات لعدد قليل من الأكاديميّين الشّجعان أو المدافعين عن العدالة. يمكنها أيضاً تمرير بعض القوانين غير الدستوريّة التي تحظر حرّية التعبير.

لكن، في نهاية المطاف، لن تنجح في إسكات الانتقادات المتزايدة لأفعال إسرائيل ضدّ الفلسطينيّين؛ لأنّ ما يحفّزها ليس معاداة السامية، بل سياسات تلك الدّولة، وستستمر النّتيجة الصّافية لأساليبها القاسية في توليد الغضب والاستياء، والأهم من ذلك، إقامة شراكات أعمق ومزيد من التّنظيم لدعم العدالة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زغبي، "ذي ناشونال"، 14 أيار (مايو) 2022

مواضيع ذات صلة:

تهديدات رئيسي بضرب قلب إسرائيل: عنجهية إيرانية أم ابتزاز لواشنطن؟

محللون يكشفون لـ "حفريات" أسباب حياد إسرائيل تجاه الحرب في أوكرانيا

ردود الإخوان على زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا: بين الصمت والإدانة الخجولة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية