محللون يكشفون لـ "حفريات" أسباب حياد إسرائيل تجاه الحرب في أوكرانيا

محللون يكشفون لـ "حفريات" أسباب حياد إسرائيل تجاه الحرب في أوكرانيا


22/03/2022

منذ الأزمة الروسية الأوكرانية، عام 2014، سعت إسرائيل إلى النأي بنفسها عن اتخاذ موقف مؤيد لأحد طرفَي الصراع، وتبنّت مبدأ الحياد بين الدولتين، حتى أنّها رفضت طلباً أمريكياً لتزويد كييف بمنظومة القبة الحديدية، عام 2020، وفق صحف إسرائيلية.

إلا أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 شباط (فبراير) الماضي، وضع المزيد من الضغوط على إسرائيل لاتخاذ موقف مؤيد لأوكرانيا، وإدانة روسيا صراحةً، ولم تكن الضغوط من جانب أوكرانيا فقط، التي يدين رئيسها فولوديمير زيلينسكي باليهودية، بل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ولا يبدو أنّ القرار الإسرائيلي متفِقاً تجاه السياسة الخارجية الواجب اتباعها في الأزمة، بينما عبّر وزير الخارجية، يئير لبيد، عن إدانته الصريحة للغزو الروسي، لم يعلن رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، الموقف نفسه، وعبّر عن الحياد.

محددات الموقف الإسرائيلي

وهناك محددات عديدة لموقف إسرائيل من الحرب الروسية على أوكرانيا، منها؛ علاقتها الثنائية الجيدة بطرفي الأزمة، والتنسيق مع روسيا في سوريا، والتعاون الدفاعي مع أوكرانيا، ومواجهة التعاون الإيراني الأوكراني، والامتداد اليهودي الكبير لإسرائيل في أوكرانيا وروسيا، والعلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وطرفي الأزمة، ووجود رجال أعمال مقربين من بوتين يحملون الجنسية الإسرائيلية، إلى جانب الموقف الأمريكي - الأوروبي الحازم ضدّ روسيا.

مظاهرات تضامنية مع أوكرانيا في إسرائيل

ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أنّ "إسرائيل تتعمد أن تُظهر موقفها بالنسبة للأزمة، كموقفٍ محايدٍ، نظراً لعدة اعتبارات، هي؛ التمركز الروسي في سوريا، والتنسيق العالي بين الدولتين على أراضيها، الذي يتيح لها تحجيم التمدد الإيراني، وهو ما يتلاقى في بعض النقاط مع روسيا".

وتابع مطاوع لـ"حفريات": "هناك اعتبار اليهود الأوكرانيين، والتي تنظر إليهم إسرائيل كخزان احتياطي يجب أن تستعيده الآن لاستكمال خطط الاستيطان، وخصوصاً أنّ على رأس الحكومة حزب يميني متطرف، يرى أن ذلك يُكسبه نقاط في معركة الانتخابات القادمة بعد تخليه عن اليمين المتطرف وانضمامه في تحالف مع حكومة من يسار الوسط لإزاحة نتنياهو".

سمحت تل أبيب باستضافة اليهود من أوكرانيا ممن لهم أقارب في إسرائيل، ورغم ذلك تعرضت لانتقادات حادة بسبب التضييق على دخول الأوكرانيين إليها

وأفاد: لدى إسرائيل "أطماع مادية جراء مبيعات السلاح والتقنيات العسكرية خصوصاً بعد رفع دول أوروبا من إنفاقها الدفاعي. بجانب ذلك هناك الاستثمارات الإسرائيلية في أوكرانيا وروسيا، والتي لا تريد تل أبيب خسارتها".

وبالنسبة لواشنطن فتطبيق إسرائيل للعقوبات الاقتصادية على روسيا هو الأولوية عن دعم إسرائيل عسكرياً لأوكرانيا، وكانت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون العامة، فيكتوريا جيه نولاند، حذرت إسرائيل "لا تريدون أن تكونوا الملاذ الأخير للأموال القذرة التي تغذي حروب بوتين. لذا فإن كل ما تستطيع إسرائيل فعله، سيرحب به الأوكرانيون وسيرحب به التحالف الدولي لدعم أوكرانيا".

اقرأ أيضاً: سوء معاملة الأوكرانيين للعرب والأفارقة... عنصرية أم رُهاب؟.. منظمة حقوقية تجيب

ومن جانبه يرى الأكاديمي والكاتب السياسي السوري، محمد صالح الفتيح، أنّ اهتمام إسرائيل بأوكرانيا ينبع من ثلاثة عوامل "دعم الأمن الغذائي الإسرائيلي، حيث تعتبر أوكرانيا من أبرز مصدري القمح والمواد الغذائية الأولية لإسرائيل، وتعميق العلاقات مع المجتمع اليهودي في أوكرانيا، الذي تتراوح التقديرات حول حجمه بين 250 و400 ألفاً، والتعاون في المجال الدفاعي".

الورقة السورية

وحين صرح وزير خارجية إسرائيل بإدانته للغزو الروسي لأوكرانيا، ردت موسكو بإعلانها عدم اعتراف إسرائيل بضم الجولان السوري المحتل، والذي اعترفت به إدارة ترامب في العام 2019.

الفتيح: بين روسيا وإسرائيل تفاهمات بتفاصيل معقدة ومتداخلة في الملف السوري

وفي حديثه لـ"حفريات"، يرى الكاتب الفتيح أنّه "من المنظور الإسرائيلي، تشمل التأثيرات المحتملة للحرب الروسية - الأوكرانية على الملف السوري سيناريوهين اثنين: الأول يتعلق بتصاعد التوتر الأمريكي - الروسي (ومع حلف الناتو عموماً) والذي يمكن أن يقود روسيا لزيادة حضورها العسكري في سورية، وإنهاء التفاهمات القائمة مع إسرائيل والتي منحتها عملياً حرية الحركة الجوية فوق سورية".

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية: هل أعادت العالم إلى التوحش؟

والسيناريو الثاني: "هو احتمال أن تضطر روسيا، في حال طال أمد الحرب في أوكرانيا، كما هو مرجح، إلى تخفيض حضورها العسكري في سورية مما يخلق حالة فراغ تخشى إسرائيل أن تستفيد منها إيران، لتزيد من حضور قواتها وميليشياتها والتمتع بحرية حركة أكبر".

بالمجمل إذاً، يقول الكاتب السياسي السوري: "بين روسيا وإسرائيل تفاهمات بتفاصيل معقدة ومتداخلة في الملف السوري، والحفاظ على هذه التفاهمات سيصبح أكثر تعقيداً في حال قررت روسيا مثلاً الرد على التسليح الأمريكي للقوات الأوكرانية عبر تزويد بعض الفصائل في سورية بسلاح روسي لاستهداف القوات الأمريكية".

الامتداد اليهودي

بحسب تقديرات، يعيش ما بين 250 - 400 ألف يهودي في أوكرانيا، ويعيش في روسيا 160 ألف يهودي تقريباً، ويحمل العديد من رجال الأعمال اليهود المقربين من بوتين الجنسية الإسرائيلية. وتلقت تلّ أبيب تحذيرات بألا تكون ملاذاً لرجال الأعمال هؤلاء للتهرب من العقوبات، وذلك بعد رصد هبوط رحلات طائرات خاصة بكثافة من موسكو في إسرائيل.

ينبع اهتمام إسرائيل بأوكرانيا برغبتها في تعميق العلاقات مع المجتمع اليهودي في أوكرانيا

ولا يرى الكاتب الفتيح أنّ الوجود اليهودي الكبير في أوكرانيا العامل الأساسي في سياستها تجاه الأزمة، ويقول: "هذا العامل أخذ مرتبةً ثانوية بالمقارنة مع العوامل الأمنية والدفاعية؛ فقد تجنّبت إسرائيل التعليق على وصف روسيا للحكومة الأوكرانية بالنازية، وذلك رغم أنّ فولوديمير زيلينسكي هو، على الأرجح، رأس الدولة اليهودي الوحيد خارج إسرائيل".

ولفت إلى نقطتين غضّت إسرائيل الطرف عنهما كيلا تغضب موسكو، وهما: "عدم التعليق على الاستخدام لوصف النازية من قبل موسكو، الذي طال رأس أوكرانيا الرئيس اليهودي زيلينسكي. والثانية أنّه رغم تمركز الكثافة السكانية اليهودية في مناطق القتال، مثل كييف ودنيبرو وخاركيف وأوديسا، لم تعلّق إسرائيل رسمياً، وفضلت التركيز على إجلاء اليهود الإسرائيليين".

الأكاديمي محمد الفتيح لـ "حفريات": اهتمام إسرائيل بأوكرانيا ينبع من ثلاثة عوامل: دعم الأمن الغذائي الإسرائيلي، وتعميق العلاقات مع المجتمع اليهودي في أوكرانيا، والتعاون في المجال الدفاعي

ويرتبط الداخل الإسرائيلي بهذا الامتداد، وسمحت تل أبيب باستضافة اليهود من أوكرانيا ممن لهم أقارب في إسرائيل، ورغم ذلك تعرّضت لانتقادات حادة بسبب التضييق على دخول الأوكرانيين إليها، وذلك على لسان وزير الخارجية الأوكراني، وسفير كييف في تل أبيب.

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية؛ فإنّ "لابيد الذي يقود حزب يش عتيد (هناك مستقبل)، يجسد الصهيونية العلمانية ذات الميول اليسارية التي شكلت إسرائيل منذ تأسيسها حتى السبعينيات. في تلك الحقبة كانت إسرائيل ترى نفسها على قدم المساواة بين دول العالم، حريصة على التعامل مع أزمات وانتصارات النظام العالمي، تماماً مثل أية دولة أخرى".

مطاوع: إسرائيل تتعمد أن تظهر بموقف محايد

بينما نفتالي بينيت، الذي يقود حزب يمينا (الجناح اليميني) "يمثل الصهيونية الدينية والقومية التي سادت طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية، وهو يرى أنّ دور إسرائيل هو قبل كلّ شيء حماية اليهود، حتى ولو كان الثمن تنفير الحلفاء".

وساطة إسرائيل

وفي خطوة تكشف ابتعاد إسرائيل عن التورط في دعم طرفٍ على حساب الآخر، اعتذر الكنيست عن استضافة الرئيس الأوكراني لإلقاء كلمة أمامه، وعرض اجتماعاً عبر خاصية "زوم"، وهو ما رفضه زيلينسكي، واتّهم سفير أوكرانيا لدى تل أبيب، يفغين كورنيتشوك، الأخيرة بأنّها "خائفة من روسيا" وحول وساطتها قال: "إسرائيل ليست لديها أية حصرية في عملية الوساطة. وبالطبع، طلبنا من العديد من قادة الدول المختلفة أن يكونوا وسطاء".

ويرى المحلل السياسي عبد المهدي مطاوع؛ أنّ "زيارة بينيت إلى روسيا جاءت لعدة أسباب؛ داخلية كي يظهر أنّه حامي اليهود حول العالم، وكي يُسكت كلّ الأصوات التي تطالبه باتخاذ موقف واضح في هذه الأزمة؛ عبر الهروب للأمام بالزيارة وطرح الوساطة".

اقرأ أيضاً: هل يتواجه السوريون على أرض أوكرانيا؟

والأسباب الخارجية هي: "الاتفاق النووي الإيراني، ومواجهة الموقف العالمي الشعبي المتصاعد الذي يتهم الغرب بالكيل بمكيالين في التعامل مع أزمة أوكرانيا والقضية الفلسطينية عبر تصوير إسرائيل كدولة تسعى للسلام"، ولفت مطاوع إلى أنّ "شعبية بينيت زادت انتخابياً بعد هذا التحرك".

ومن جانبه، يرى الكاتب السياسي الفتيح؛ أنّ عرض إسرائيل المتكرر للتوسط بين روسيا وأوكرانيا يسمح لها بتحقيق عدة أهداف، وهي: "الحفاظ على المستوى الجيد للعلاقات مع روسيا، وتقديم تبرير للإدارة الأمريكية لاستمرار الاتصالات معها، خصوصاً بعد أن استشعرت إسرائيل أنّ الإدارة الأمريكية تبحث بالفعل عن مخرج من الحرب الحالية، أو على الأقل تبحث عن ترتيبات تحول دون انزلاق حلف الناتو إلى الحرب المباشرة مع روسيا".

ومن ناحية ثانية، تابع الفتيح: "مع سعي الاتحاد الأوروبي لتبني سياسة خارجية أكثر نشاطاً، خصوصاً عبر الانخراط في شؤون الشرق الأوسط، فإنّ عرض إسرائيل الوساطة بين روسيا وأوكرانيا سيزيد من أهمية إسرائيل في الحسابات الأوروبية، وهذا الرهان ظهر نجاحه عبر التغيير المهم في مواقف الحكومة الألمانية الجديدة، وتوقيع بينيت مع المستشار شولتز اتفاقية شراكة إستراتيجية جديدة".

ويبقى الرهان الإسرائيلي قائماً على الاستمرار في دور الحياد في الأزمة، باستيعاب الضغوط الأوكرانية والغربية عليها، خصوصاً أنّ المسؤولين في أوكرانيا يعيشون حالة صدمة من الموقف الإسرائيلي، وهو ما سيؤثر على العلاقات بينهما، حيث الموقف الحيادي يعني دعم روسيا على الأرجح.

ولا يتوقع المحلل السياسي، عبد المهدي مطاوع؛ أن تحافظ إسرائيل على الحياد، حيث إنّ "لدى إسرائيل قراءةً للتغيرات التي تحدث في العالم، ولهذا ستحدّد موقفها تجاه أحد الأطراف بناءً على ذلك".

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأوكرانيا 758 مليون دولار، عام 2019، واستوردت إسرائيل من أوكرانيا بقيمة 629 مليون دولار، وصدّرت إليها بقيمة 129 مليون دولار في العام نفسه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية