هل تسعى مصر والعراق والأردن لمواجهة التدخلات التركية والإيرانية بالمنطقة؟

هل تسعى مصر والعراق والأردن لمواجهة التدخلات التركية والإيرانية بالمنطقة؟


15/10/2020

يمثل اجتماع وزراء خارجية مصر والعراق والأردن، في القاهرة، أول من أمس، استئنافاً للقاءات مماثلة، جرت بين قادة الدول ذاتها، مما يعكس وجود ملفات إستراتيجية، سياسية واقتصادية وأمنية، تحتاج إلى الاصطفاف  السياسي والإقليمي؛ إذ سبق وانعقدت في العاصمة الأردنية، عمّان، في النصف الثاني من آب (أغسطس) الماضي، قمة ثلاثية بين رؤساء الدول الثلاث، لجهة تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مجالات الطاقة، وتكثيف التنسيق المتبادل في ما يتصل بتطوير البنية الأساسية، إضافة إلى إيجاد مسار سياسي لحل وتصفية الصراعات الموجودة في عدد من دول المنطقة، خاصة، في ليبيا وسوريا واليمن، وذلك بالصورة التي تضمن وحدة واستقرار جغرافيتهم السياسية، ومن ثم، إنهاء التدخلات الخارجية التي تشكل تهديدات جمة على الأمن القومي العربي والخليجي.

 

ينطوي مشروع  الدول الثلاث على بعد جيوسياسي من شأنّه تغيير التوازنات الإقليمية القائمة، وفرض معادلات جديدة مخالفة للسياق الذي سارت عليه المنطقة، منذ بداية القرن الحالي

 

وقد أشار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى أنّ "القاهرة مستعدة لإقامة مشروعات تنموية مشتركة محددة مع البلدين، يتم تنفيذها وفق جدول زمني محكم، يكون لها مردود مباشر وسريع علي عملية التنمية والحياة المعيشية للمواطنين، وذلك بالإضافة إلى تعزيز مسارات التعاون السياسي والأمني".

ملفات مشتركة

وبحسب الناطق الرسمي بلسان رئاسة الجمهورية المصرية، بسام راضي، فإنّ "القمة الثلاثية تناولت سبل تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات بين الدول الثلاث، خاصة تلك التي تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والبنية الأساسية والغذاء، فضلاً عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب".

وفي اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث، لم تختلف طبيعة وهوية الملفات والأزمات المطروحة عن سابقتها، وقد انتقلت من طاولة المفاوضات والنقاشات الأولى إلى الأخيرة؛ فاحتلت الأوضاع السياسة والميدانية المعقدة في ليبيا قمة أولويات الاجتماع، حيث أجمعوا على ضرورة التمسك بالحل السياسي، عبر حوار هادئ بين الفرقاء الليبيين، وذلك بالشكل الذي يتيح استعادة الاستقرار إلى ليبيا، كما اتفق وزراء خارجية على ضرورة التنسيق والتعاون لحفظ الأمن العربي، ومنع التدخلات الإقليمية.

إقرأ أيضاً: محللون : قمة عمّان محور سياسي اقتصادي لمواجهة الأطماع التركية الإيرانية

 وأكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الثلاثي، أنّ لدى الدول الثلاث رؤية مشتركة فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن القومي العربي، ومنع التدخلات في شؤون الدول العربية، مضيفاً: "تناولنا التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتحدثنا عن التطورات المتلاحقة في سوريا وليبيا، وأهمية التوصل لحلول سياسية تتيح استعادة هذه الدول لاستقرارها، والحفاظ على سيادتها، كما أطلعت الوزيرين على التطورات الخاصة بقضية سد النهضة".

التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن لبحث التدخلات التركية والإيرانية في المنطقة

ومن جانبه، ثمن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الدور المصري باتجاه حل الأزمة الليبية في إطار الرؤية السياسية، مع الوضع في الاعتبار ضرورات الأمن العربي، والذي يتطلب تحقيقه تعاوناً أكبر بين دول الإقليم؛ حيث أكد على موقف الأردن الخاص بـ"ضرورة حماية العراق من تبعات أي خلافات إقليمية؛ إذ إنّ المعركة في العراق هي معركة تكريس استقرار وإعادة إعمار".

"المشرق الجديد"

وصرح وزير خارجية العراق فؤاد حسين، بأنّه تم وضع  إطار لتفعيل التعاون بين وزراء المالية في الدول الثلاث، لجهة تحديد مشاريع بعينها، والتوصل إلى طريقة لتنفيذها، حيث تم التركيز والبحث في آليات التعاون والتنسيق بمجالات الطاقة والكهرباء، وكذا النفط والتعاون الغذائي والدوائي، مشيراً إلى أهمية "البحث في كيفية الاستفادة من الخبرات المصرية والأردنية، بغية إعادة إعمار المدن المدمرة في العراق، ومن ثم بناء آلية يمكنها المساهمة في استمرار الأعمال المشتركة، والتكامل المستقبلي بين الدول الثلاث".

الصحفي أحمد حسن لـ"حفريات": جذب العراق من نفوذ إيران، ناهيك عن نشاطها في عدة دول أخرى، ومثلها تركيا، ينبغي أن يكون ضمن أجندة الحفاظ على المحيط العربي

 

يقوم مشروع "المشرق الجديد" الذي سبق وطرحه الرئيس العراقي، مصطفى الكاظمي، في أعقاء لقاء القمة الثلاثي، قبل شهرين، على أساس الربط بين مصر التي تمثل كتلة سكانية كبيرة، ولديها خبرات في العديد من المجالات، بالإضافة إلى موقعها على البحر المتوسط، والعراق الذي يمتلك موارد نفطية كبيرة، والأردن الذي يملك مزايا اقتصادية جيدة؛ إذ يشير مركز الإمارات للسياسات، إلى أنّ المشروع يركز على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة، في خطة ستكون تدفقات رأس المال والتكنولوجيا فيها أكثر حرية، ويتوقع أن يشجع الدول الأخرى على ضخ استثمارات جديدة في المنطقة.

إقرأ أيضا: الاتحاد الأفريقي يندد ب"التدخلات الأجنبية" في ليبيا,, إلام دعا؟

ويجري بناء التحالف على تفاهمات اقتصادية بين الدول الثلاث، التي يبلغ الناتج المحلي لها معاً نحو 570 مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي، وعليه يرى مركز الإمارات أنّ "القمة الأخيرة حملت مؤشراً على جدية البلدان الثلاثة بالسير قدماً بالتحالف، وذلك من خلال إنشاء سكرتارية دائمة للتنسيق حول ملفات التعاون الثلاثي، إذ ستكون مهمتها تنفيذ ومتابعة ما جرى الاتفاق عليه بين البلدان الثلاثة، وذلك في محاولة لتجنب فشل التجارب العربية السابقة، التي لم يستطع القائمون عليها نقلها من البيانات والتمنيات إلى التطبيق العملي".

الأبعاد السياسية والإقليمية

وأردف المركز في ورقة السياسات المنشورة عبر منصته الإلكترونية: "يرتكز التحالف على عناصر تكاملية، هي النفط والطاقة والنقل وتجارة السلع والعمالة، حيث سيمد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم إلى مصر. وبينما يحصل الأردن على النفط العراقي بسعر أقل من سعر السوق الدولي، فضلاً عن رسوم العبور، تستفيد مصر من عملية تكرير جزء من النفط العراقي على أراضيها، في حين يستورد العراق الكهرباء من مصر، كما يمكنه الاستفادة من الخبرات المصرية في عملية إعادة الإعمار، وستتم الاستفادة من إمكانيات الأردن في مجال النقل، نظراً لامتلاكه قدرات كبيرة في هذا المجال، إضافة إلى تصدير السلع من الأردن ومصر إلى العراق".

كما ينطوي المشروع على بعد جيوسياسي من شأنّه تغيير التوازنات الإقليمية القائمة، وفرض معادلات جديدة مخالفة للسياق الذي سارت عليه المنطقة، منذ بداية القرن الحالي، وهو بداية تاريخ انهيار النظام العربي، وتراجع مكانته وتأثيره في التفاعلات الجارية في المنطقة؛ إذ يستهدف التحالف خلق تكتل عربي قادر على إيجاد توازن موضوعي في المنطقة، وإصلاح الخلل الحاصل في ميزان القوى لصالح الأطراف الإقليمية، إيران وتركيا، التي باتت مشاريعهما تهدد الأمن العربي، إضافة إلى إعادة القوة للجيوبوليتيك العربي الذي يمتلك مزايا إستراتيجية مهمة، دون القدرة على توظيفها في سياق المنافسة والصراع مع تركيا وإيران؛ فالعراق يحتل مرتبة متدنية في علاقاته مع هذين الطرفين، كما أنّ الفوضى التي تسببها تركيا وإيران في العراق تجد صداها في ضعف الأمن القومي لبلدان الجوار العربي.

إقرأ أيضاً: الإخوان وجدل التوازنات الإقليمية: قراءة تحليلية لواقع التنظيم

وإلى ذلك، يرى الصحفي المصري، أحمد حسن، المتخصص في الشؤون السياسية العربية، أنّ ثمة محاولات لوضع أطر جديدة نحو بناء تحالفات بين الدول التي تجمعها مصالح مشتركة على مجموعة من الملفات، السياسية والأمنية والاقتصادية، خاصة في ظل الصراعات والتجاذبات، منذ العام 2011، وحجم التحولات التي جرت في المنطقة العربية، ومن ثم، فمن الضروري الارتكاز على مشروع سياسي طموح يستهدف إعادة الاستقرار، وخفض عمليات التصعيد، وتصفية بؤر التوتر ببعض البلدان.

 ويضيف حسن لـ"حفريات": "أعتقد أنّ التحالف بين مصر والأردن والعراق سوف يتسم بالمرونة، ويمكن أن يترجم على أرض الواقع إلى مجموعة من المصالح في المجالات الحيوية المشتركة، لاسيما الطاقة، وإعادة الإعمار، والقضايا التنموية والكهرباء، ناهيك عن الاصطفاف السياسي والإقليمي، وسط خريطة الصراعات على النفوذ والثروات بالمنطقة".

ويعتقد حسن أنّ "هناك مساحة من التوافق بين الدول الثلاث، من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وهذه الأرضية الثابتة سوف تتيح فرصة بناء صيغ من التعاون التي تحتاج لها المنطقة؛ فجذب العراق من النفوذ الإيراني، ناهيك عن نشاط طهران في عدة دول أخرى، ومثلها تركيا، ينبغي أن يكون ضمن الأجندة العربية للحفاظ على المحيط العربي، وهو ما سوف يتحقق من خلال رؤية مشتركة تتبنى معطيات الأمن القومي، وتضع يدها على التحديات المشتركة، لاسيما متابعة تطورات القضية الفلسطينية، ومحاولات اختطافها بهدف تمريرها في أدوار وظيفية محدودة، بغض النظر عن الشعارات المرفوعة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية