هل تتحول إثيوبيا لجمهورية ديمقراطية تتجاوز الاستقطابات الإثنية؟

إثيوبيا

هل تتحول إثيوبيا لجمهورية ديمقراطية تتجاوز الاستقطابات الإثنية؟


04/03/2020

قرّر حزب "الازدهار" الجديد، الذي يقوده رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، تنظيم مسيرات تأييد حاشدة في عدد من الأقاليم الإثيوبية، في محاولة منه لتأكيد حضوره في الأوساط الشعبية، لا سيما بعد الانتقادات  التي وجهتها له النخب والأحزاب السياسية الإثيوبية، ووصفته بـ "حزب البيروقراطية الإدارية" الذي تأسس في أحضان السلطة عبر تطويع إمكانات الدولة ومقدرات النظام، دون العودة إلى القواعد الشعبية، لا سيما أنّه تحوّل من ائتلاف أحزاب حاكمة، تمثّل خمس مناطق فيدرالية إلى حزب واحد، بطرح وطني فضفاض، ليصبح وريثاً، غير شرعي، للسلطة في وقت قياسي.

الدستور الحالي يكرّس أنموذجاً يمكن تطبيقه لمجموعة دول تتمتع بالاستقلالية، وترتبط بوثيقة كونفيدرالية، يمكن حلّها أو الخروج منها

        
والواقع أنّ إثيوبيا ما تزال تعيش، منذ أكثر من ثلاثة أعوام، على وقع التجاذبات السياسية والاجتماعية والفكرية، الهادفة إلى إحداث تغيير جذري يتجاوز حالة العقود الثلاثة الماضية، لبناء جمهورية ديمقراطية جديدة؛ فبعد الاحتجاجات الكبرى التي قادها شباب الأورومو (إحدى أكبر القوميات الإثنية الإثيوبية)، وأفضت إلى دفع رئيس الوزراء السابق، ولدماريارم دسالينج، للاستقالة، وصعود رئيس الوزراء الحالي، آبي أحمد علي، لأعلى منصب في الدولة الفيدرالية، وفق توافقات تمت بين أحزاب المعارضة والنشطاء في الحراك من جهة، والائتلاف الحاكم من جهة أخرى، والساحة الإثيوبية تشهد جملة من الأحداث السياسية، التي ينزع بعضها نحو العنف، لا سيما تجاه أعضاء الحزب الذي ظلّ قائداً للائتلاف الحاكم لثلاثة عقود مضت.

شباب الأورومو (إحدى أكبر القوميات الإثنية الإثيوبية)

فيدرالية إثنية أم كونفدرالية ناجزة؟
لعلّ أبرز نقاط الخلاف السياسي الذي طفا على السطح بعد إنجاز عملية التغيير، التي حدثت في آذار (مارس) 2018، هو ذلك المتعلق بتعريف النظام السياسي الإثيوبي، الذي تمّ إرساء دعائمه في منتصف تسعينيات القرن الماضي، إثر سقوط نظام الكولونيل الدموي، منجستو هيلي ماريام، على وقع الثورة المسلحة التي قادها تنظيم "جبهة تحرير تجراي"، والذي خلف الكولونيل في الحكم.

اقرأ أيضاً: لماذا دعا إثيوبيون إلى إسقاط آبي أحمد وأحرقوا كتابه؟

فالدستور الإثيوبي، الذي تمّ إقراره عام 1994، ودخل حيّز التنفيذ في آب (أغسطس) 1995، يُعرّف النظام السياسي بأنّه "نظام فيدرالي قائم على معيار التعددية الإثنية"، وتنصّ ديباجته على عبارة "نحن شعوب إثيوبيا"، كما تنصّ الفقرة 4 من المادة الـ 39 من الدستور على حقّ الشعوب/ المجموعات الإثنية في تقرير مصيرها، بما في ذلك حقّ الانفصال، وإعلان دولٍ مستقلة عن الجغرافيا السياسية والتاريخية الإثيوبية، متى قررت تلك الشعوب ذلك!

ويرى السياسي الإثيوبي، الدكتور لدتوا أيالو، منسق أحزاب التكتل الفيدرالي المعارض؛ أنّ "النظام السياسي السابق أنجز، عام 1994، دستوراً كونفيدرالياً وليس فيدرالياً كما يطلق عليه"، ويضيف لدتوا، في إفادته لـ "حفريات"؛ أنّ "الدستور الحالي يكرّس أنموذجاً يمكن تطبيقه لمجموعة دول تتمتع بالاستقلالية، وترتبط بوثيقة كونفيدرالية، يمكن حلّها، أو الخروج منها، في أيّ وقت، وهذا يتناقض مع التعريفات الأكاديمية والسياسية، المتعلقة بالنظم الفيدرالية؛ ففي النظم الفيدرالية لا يمكن طرح مسألة الانفصال كخيار لأيّ من أقاليم الدولة، كما أنّ مبدأ السيادة ثابت وليس متغيراً".

اقرأ أيضاً: هل يكرّر يهود إثيوبيا في إسرائيل تجربة جنوب إفريقيا للتخلّص من العنصرية؟
ويرجع لدتوا دواعي إقرار هذه الصيغة الدستورية "إلى الخلفية التاريخية، للتنظيم الذي أطاح بنظام منجستو، ووصل للحكم بقوة السلاح؛ فهو تنظيم مسلح قام بالأساس بهدف الانفصال، وإنجاز مبدأ تقرير مصير لإقليم التجراي (الإقليم الشمالي لإثيوبيا)، وعندما تمكّن من السيطرة على مقاليد السلطة في عموم إثيوبيا، أقرّ دستوراً يسمح له بالحكم وتطويع المقدرات الوطنية لصالح مشروع الانفصال في حال خروجه من السلطة". 
ويؤكّد لدتوا أنّ حزب "جبهة تحرير التجراي"(TPLF)، لم يكن وحده في إقرار هذه الصيغة، بل ساندته في ذلك مجموعة من التنظيمات القومية المسلحة، التي تحمل طرحاً انفصالياً لأقاليم الأروميا والعفر وغيرها، في إطار ما يسمى "ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا".  
ويوضح لدتوا لـ "حفريات"؛ أنّ "الـ 27 عاماً الماضية، التي حكم فيها هذا الائتلاف كانت كفيلة لترسيخ فكرة السياسة الإثنية التي تمّ تبنيها على حساب السياسات الوطنية، التي تحافظ على قدسية السيادة الوطنية، ووحدة الشعب وأقاليم الدولة".

اقرأ أيضاً: بعد مرور عام على اتفاقية السلام التاريخية.. كيف تبدو الأوضاع بين إريتريا وإثيوبيا؟

ويعترف لدتوا بأنّ "سياسات الأنظمة السابقة، لا سيما نظامَي الملكَين هيلي سلاسي ومنجستو، مثّلت جزءاً من المشكلة، عندما تبنت نظماً شديدة المركزية، وعبثت بالتنوع الإثني واللغوي والديني، الذي تزخر به إثيوبيا، وكانت سبباً في بروز تيارات انفصالية قائمة على المظالم الإثنية"، ويردف لدتوا: "إلا أنّ وصول هذه التيارات للحكم قد ضاعف الأزمة عبر تبنيها سياسات عززت واقع التشظي الإثني".
هناك شروط جوهرية للخروج من الأزمة السياسية الحالية

الدستور أولاً ثم الانتخابات
ويرى لدتوا أنّ "هناك شروطاً جوهرية للخروج من الأزمة السياسية الحالية، أهمها تبني نظام فيدرالي حقيقي، يأخذ في الاعتبار كلّ المظالم الإثنية واللغوية، ويحافظ في الوقت ذاته على مبدأ السيادة الوطنية كثابت"، ويؤكد أنّ "هذا يتطلب عقد هيئة تأسيسية لإقرار دستور جديد، تشارك فيه كلّ الأحزاب والتيارات السياسية والمجتمع المدني، والنخب الأكاديمية، والشخصيات الوطنية"، ويضيف لدتوا: "مسؤولية الهيئة التأسيسية لا تقتصر على مهمة اقتراح دستور وطني فيدرالي، بل أيضاً تشكيل حكومة انتقالية لمدة عامين، تقوم على أساس توافق وطني واسع، وتكون مهمتها الأساسية ترسيخ المبادئ الدستورية الجديدة، وإدارة المرحلة إلى تنظيم انتخابات برلمانية، في أجواء مستقرة، بعيداً عن حالات الاستقطابات الإثنية الراهنة". 

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن أكبر القوميات والأعراق في إثيوبيا؟
ولا يرى لدتوا "أيّة فرصة للخروج من الأزمة، في حال الذهاب إلى الانتخابات في ظلّ الظروف الحالية، لأنّها ستنظم وفق بنود الدستور المرفوض شعبياً، وفي حال خسارة أحزاب الائتلاف الحاكم سابقاً، في هذه الانتخابات، فبإمكانها الاستناد على بنود الدستور والمطالبة بالانفصال".
الظرف السياسي لا يسمح بتعديل الدستور
من جهته، يرى القيادي في جبهة تحرير التجراي، قيتاشو ردا؛ أنّ "الظرف السياسي الراهن لا يسمح باقتراح دستور جديد، أو حتى تعديل الدستور الساري، ذلك أنّ الإدارة الحالية لا تملك شرعية انتخابية، حيث إنّ رئيس الوزراء الحالي تمّ تنصيبه بشكل استثنائي وطارئ، دون تنظيم انتخابات شعبية، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق، نتيجة الأزمة السياسية، بالتالي ليست هناك شرعية مؤسسية لتعديل الدستور".

ويضيف قيتاشو، لـ "حفريات": "إذا اعتمدنا فرضية أنّ هذا الدستور مرفوض شعبياً، فالحلّ هو الذهاب إلى الانتخابات لتأسيس شرعية جديدة، يكون بمقدورها إقرار دستور جديد، فمن يدعي أنه مسنود شعبياً عليه إقناع الناس بانتخابه، عبر طرح برنامج انتخابي يقترح فيه تغيير الدستور وشكل النظام السياسي القائم".

اقرأ أيضاً: كيف تقرأ النخب الإثيوبية مبادرة آبي أحمد في السودان؟

ويؤكد قيتاشو أنّ "هناك تناقضاً واضحاً في طرح التيارات المطالبة بتغيير الدستور، على أكثر من مستوى؛ الأول يتمثل في ادّعاء الشعبية، وفي الوقت ذاته رفض الآلية التي تؤكد أو تنفي هذا الادّعاء، وهي الانتخابات، والثاني في ادّعاء أنهم فيدراليون وفي الواقع يتبنون مواقف تعزّز الطرح المركزي".

ردّة عن نضالات الشعوب الإثيوبية
ويرى قيتاشو؛ أنّ "هناك توجهاً عاماً في الدولة يسعى للعودة إلى نظام الأحادية- المركزية، ويحاول الانقضاض على مكتسبات القوميات الإثيوبية، التي تحققت بفضل النضالات الطويلة، التي أطاحت النظام الديكتاتوري، عام 1991، وأسست لفيدرالية القوميات، وعلى رأس هؤلاء حزب "الازدهار"، الذي أسّسه رئيس الوزراء آبي أحمد".

اقرأ أيضاً: إثيوبيا تعتذر بعد نشر خريطة أزيل الصومال منها
ويعتقد قيتاشو؛ أنّ "الحزب الجديد يفتقد للشرعية الانتخابية والسياسية، فهو يدير الدولة دون تفويض شعبي؛ حيث إنّ انتخابات عام 2015، فاز بها ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا، الذي لم يعد موجوداً، بينما تمّت قرصنة شرعيته لحساب حزب جديد، لم يحظَ، حتى الآن، بخوض أيّ استحقاق انتخابي"، ويؤكد قيتاشو أنّ الثورة على الأنظمة السابقة، خاصة نظامَي هيلي سلاسي ومنجستو، "كانت من أجل القضاء على مظالم التهميش والإقصاء القومي، التي تبناها النظام المركزي المستبد، وأنّ أيّة عودة نحو الأنظمة المركزية تعدّ بمثابة ردة، عن نضالات أجيال من الإثيوبيين".

يسعى الحزب الذي يقوده آبي أحمد إلى إيجاد حلفاء في الأقاليم التي توصف بـ "الصعبة"، كإقليمَي أروميا والتجراي

وفي ردّه على سؤال "حفريات" حول خيار الانفصال عن إثيوبيا، الذي لوّح به حزبه "جبهة تحرير التجراي"، على لسان أمينه العام، يقول قيتاشو: "مبدأ تقرير المصير القومي للشعوب الإثيوبية، حتى الانفصال، حقّ دستوري أقرته المادة 39 من الدستور الساري، وبالتالي فإنّ تطبيقه يظلّ أمراً دستورياً، ناهيك عن التلويح به كشارة إنذار، والواقع أنّ ما سيدفع شعب التجراي إلى تفعيل هذا الحقّ يتوقف على طبيعة تعامل الحكومة المركزية مع الحقوق القومية، ومكتسبات النضال السياسي، فإذا ما تمّ الالتفاف على تلك النضالات، حينها لا يحقّ لأحد أن يلومنا إن لجأنا لهذا الخيار القانوني".

الازدهار... حزب ولد بـ "شوارب"!
رغم أنّ حزب رئيس الوزراء، آبي أحمد، يعدّ الوريث، غير الشرعي، لأحزاب الائتلاف الحاكم؛ حيث قرّر المجلس التنفيذي للائتلاف، في نهاية العام الماضي، التحوّل الى حزب وطني واحد؛ فإنّ خروج الحزب الأبرز في التكتل، الذي حكم لأكثر من 27 عاماً مضت، وبقاءه خارج الصيغة المستحدثة (الحزب الجديد)، فضلاً عن انضمام أحزاب وتيارات وشخصيات سياسية معارضة، ظلت خارج دائرة السلطة، للحزب الذي أطلق عليه اسم "الازدهار" دفع الشارع الإثيوبي إلى التندر وإطلاق عبارة "الحزب الذي ولد بشواربه"؛ حيث يعدّ الآن الحزب الحاكم والمسيطر على معظم التشكيلات البيروقراطية للدولة، كما أنّ معظم التوقعات تشير إلى إمكانية فوزه في الانتخابات البرلمانية، المزمع عقدها في شهر آب (أغسطس) القادم.
ويسعى الحزب، الذي يقوده آبي أحمد، إلى إيجاد حلفاء في الأقاليم التي توصف بـ "الصعبة"، كإقليمَي أروميا والتجراي، بينما تمكّن من ضمّ الأحزاب الرئيسة، في أقاليم الأمهرا وصوماليا والجنوب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية