هل أخطأ ترامب في إنهاء الحملة ضد الحوثيين؟

هل أخطأ ترامب في إنهاء الحملة ضد الحوثيين؟

هل أخطأ ترامب في إنهاء الحملة ضد الحوثيين؟


29/05/2025

طارق العليان

اعتبر الباحث ويل أيه. سميث، الزميل في برنامج "إعادة تصوّر الاستراتيجية الأمريكية الكبرى" بمركز ستيمسون البحثي الأمريكي، قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن خطوة صحيحة، من الناحية الاستراتيجية. 

وقال سميث في مقاله بموقع مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية إن حملة "الفارس الجسور"، التي أطلقتها الولايات المتحدة، كانت مجازفة مكلفة، لم تحقق تغييراً يُذكر في ميزان القوى، بل فاقمت من المخاطر وكشفت حدود القوة الجوية الأمريكية أمام جماعة متمرسة في القتال غير النظامي.

عملية عسكرية باهظة الثمن

وأُطلقت أمريكا حملة عسكرية في منتصف مارس (آذار) تحت عنوان "الفارس الجسور" لردع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ومنع استهدافهم لإسرائيل. لكن الحوثيين لم يكونوا يستهدفون السفن الأمريكية عند بدء الحملة، بل وحتى بعد إنفاق قرابة مليار دولار. فقد أسفر إعلان ترامب عن وقف الحملة عن عودة الأمور إلى نقطة البداية: استمرار الحوثيين في مهاجمة إسرائيل، دون أن يتعرضوا للقوات الأمريكية.

وأشار الكاتب إلى أن النتائج الميدانية للحملة كانت محدودة للغاية. فبالرغم من الضربات الجوية المتواصلة لأكثر من شهر، لم تنجح الولايات المتحدة في فرض تفوق جوي. كما أن الحملة لم تستهدف القيادة العليا للحوثيين بشكل فعال، ولم تؤثر جوهرياً على قدراتهم العسكرية في البحر الأحمر أو باتجاه إسرائيل. 

وحذّرت تقييمات استخباراتية أمريكية من أن الحوثيين قادرون على إعادة تشكيل قدراتهم بسرعة، وهو ما أكده مسؤول أمريكي عقب وقف إطلاق النار بقوله إن الجماعة "لا تزال تحتفظ بقدرات كبيرة".

ولا يعد هذا الفشل مفاجئاً، إذ يشير سميث إلى أن التجارب السابقة أثبتت مراراً أن التفوق الجوي وحده غير كافٍ لتحقيق أهداف سياسية، لاسيما ضد جماعات مسلحة غير نظامية مثل الحوثيين. فالجماعة كانت قد صمدت أمام قصف التحالف السعودي لسنوات، وابتكرت وسائل ناجحة لحماية وتوزيع أسلحتها وتفادي الاستنزاف. وبالتالي، لم يكن بالإمكان القضاء على قدرتها في تهديد الملاحة الجوية عبر الجو فقط.

مخاطر استراتيجية وتصعيد غير محسوب

وإلى جانب محدودية الفاعلية، رأى الكاتب أن الحملة تعارضت مع التوجه العام لترامب بالانسحاب من الشرق الأوسط. فقد تم تخصيص موارد مهمة كان من الأولى توجيهها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، بما في ذلك نشر حاملتي طائرات وأنظمة دفاعية متقدمة مثل "باتريوت". 

أسهمت الحملة في استنزاف مخزون الذخائر باهظة الثمن، إذ كانت الولايات المتحدة تستخدم صواريخ تكلفتها 2 مليون دولار لاعتراض طائرات مسيّرة لا تتعدى قيمتها 2000 دولار، وهو نمط غير مستدام ألقى بعبء إضافي على القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية.

الأخطر من ذلك، حسب الكاتب، هو خطر "انزلاق المهمة" نحو أهداف أكثر اتساعاً، وما يرافقه من احتمالات التصعيد. وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن القيادة المركزية الأمريكية اقترحت خطة لحملة تمتد بين 8 إلى 10 أشهر، وتتضمن عمليات اغتيال "على غرار ما قامت به إسرائيل ضد حزب الله". كما ناقشت واشنطن احتمالية دعم قوات يمنية مناهضة للحوثيين على الأرض، مما كان ليزجّ بالولايات المتحدة في أتون حرب أهلية معقدة.

فضلا عن ذلك، كان شبح المواجهة مع إيران يلوح في الأفق، حيث هدد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، في مايو (أيار) بضرب طهران رداً على دعمها للحوثيين. 
ولفت الكاتب النظر إلى أن مثل هذا التصعيد من شأنه تقويض مفاوضات الملف النووي ويقرّب الولايات المتحدة من حرب شاملة. وتشير تقارير إلى أن المخاوف من انهيار المفاوضات النووية دفعت المبعوث الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، إلى الضغط باتجاه التهدئة.

ضغوط سياسية لاستئناف الحملة

ورغم قرار التراجع عن الحملة، لا تزال الدعوات إلى استئناف الضربات تتصاعد، حتى من داخل صفوف حلفاء ترامب. فقد انتُقد الاتفاق لكونه لا يشمل إسرائيل، ولأنه أُبرم في وقت لا تزال فيه القدرات العسكرية للحوثيين قائمة. 

وحذر سميث من الانجرار خلف هذه الضغوط، مؤكداً أن استئناف الحملة سيكون تكراراً لخطأ استراتيجي أثبتت التجربة فشله. والأجدى، برأيه، هو البحث عن حل جذري يكمن في إنهاء الحرب في غزة، التي قال الحوثيون مراراً إن هجماتهم تهدف للضغط من أجل وقفها، علماً بأنهم أوقفوا هجماتهم خلال وقف إطلاق النار في يناير (كانون الثاني). وبالتالي، فإن إنهاء الحرب في غزة يخدم المصالح الأمريكية، وقد يكون السبيل الأمثل لكبح جماح الحوثيين.

ترامب أنهى حملة فاشلة.. وهذا يُحسب له

وأوضح الكاتب أن ترامب يستحق النقد لإطلاقه الحملة من الأساس، إلا أنه يشيد بشجاعته في الاعتراف بعدم فاعليتها واتخاذ قرار التراجع. في بلد كثيراً ما تمنع فيه حسابات "تكلفة الغرق" والخشية من فقدان المصداقية السياسية القادة من التراجع عن قرارات خاطئة، يُحسب لترامب أنه تخلّى عن حملة عديمة الجدوى، في لحظة تحتاج فيها السياسة الخارجية الأمريكية إلى مزيد من الواقعية والبراغماتية. 

والتحدي الأكبر الآن، وفق الكاتب، هو التمسك بخيار التراجع، وعدم الرضوخ للدعوات المتزايدة إلى الانخراط مجدداً في حرب مكلفة وغير مجدية في الشرق الأوسط.

موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية