هجرة الأدمغة التركية تتزايد في عهد أردوغان

هجرة الأدمغة التركية تتزايد في عهد أردوغان


11/02/2021

هاجر ما مجموعه 330289 شخصا من تركيا في 2019، وفقا لهيئة الإحصاء الرسمية. وقد كان الحديث عن هجرة الأدمغة في تركيا منتشرا لعدد من السنوات.

أعرف من تجربتي الشخصية ومن القصص المتناقلة كيف تبدو هجرة الأدمغة. إذ أن شريكتي والعديد من أصدقائها منفيون طوعيا من تركيا. وأعرف كثيرين من خريجي أفضل الجامعات في تركيا، بما في ذلك جامعة بوغازجي (البوسفور)، التي تتعرض حاليا لهجوم الحكومة والصحافة اليمينية التركية يوميا.

بعد احتجاجات منتزه غيزي في 2013، بدأ العديد من الشباب المتعلمين والتقدميين سياسيا في تركيا يتحدثون عن مغادرة البلاد. ومع محاولة الانقلاب في 2016، نظروا إلى رد الحكومة القمعية والسلطوية، وتطهير القطاع العام من المعارضين، وقرروا أن الفرص في قطاعات الأعمال أو الثقافة أو المؤسسات الأكاديمية أو الخيرية لم تكن مهيّأة لأمثالهم ولأولئك الذين لا يدعمون الحكومة التركية.

نشر حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي شارك الرئيس رجب طيب أردوغان في تأسيسه، جذوره في جميع أنحاء الدولة وعبرها وفي جميع أنحاء قطاع الأعمال. وإذا لم تكن داعما مطيعا للحكومة، لن تكون فرصك في تركيا كبيرة.

أردت معرفة أسباب مغادرة تركيا، وطلبت من البعض ملء استبيان دون أن أطلب هوياتهم حتى أتمكن من فهم أسباب هجرة الأدمغة في تركيا بشكل أفضل. وتلقيت 129 ردا حتى الآن. ولن أتظاهر بأن هذه البيانات تشكل عينة تمثيلية من المنفيين في تركيا وأسباب مغادرتهم حقا، لكنها تعطي لمحة عن جزء من هذه المجموعة الكبيرة من الأتراك الذين يعيشون في الخارج.

ومن الجدير بالذكر أن 49.2 في المئة من المستجوبين تراوحت أعمارهم بين 30 و40 سنة، و67.2 في المئة بين 25 و40. ومن المؤكد أن هذا يعدّ سلبيا بالنسبة للاقتصاد التركي، فقد دفعت البلاد لتعليم هؤلاء الأشخاص، الذين لا يرون الآن مستقبلهم في تركيا، والذين أخذوا مهاراتهم ورؤوس أموالهم إلى الخارج. وقد تعتقد أن هذا النزوح الجماعي للمتعلمين والمنتجين اقتصاديا سيثير قلق الحكومة التركية، لكنها تزيد الوضع سوءا بمهاجمة الطلاب في جامعة البوسفور المرموقة.

ذكر 47 من أصل 129 من الأشخاص (36 في المئة) قلة الفرص التعليمية كسبب رئيسي للمغادرة، وحددوا بحثهم عن فرص تعليمية أفضل في أماكن أخرى في إجاباتهم. كما ذكر ما مجموعه 16 من 129، أو 12 في المئة، على وجه التحديد المغادرة لمتابعة درجة الماجستير أو الدكتوراه. كما ذكر 32 مشاركا، أو 24 في المئة، الحكومة أو الرئيس أردوغان أو الضغوط السياسية بشكل عام كسبب رئيسي للمغادرة، بينما ذكر 28 مشاركا، أي 21 في المئة، أسبابا اقتصادية للمغادرة. وذكر 18 مشاركا، أو 14 في المئة، أسبابا اجتماعية.

ربما كانت بعض الأسباب الاجتماعية الأكثر إثارة للاهتمام. فقد ذكر عدد من الأشخاص الشعور بأن هويتهم الاجتماعية أو السياسية أو الجنسية غير مقبولة في المجتمع. وقدّم أحد المستجيبين سبب مغادرته على أنه عدم قبول المجتمع له كشخص مثلي الجنس. وقال: "سئمت إخفاء هويتي حتى أمام أصدقائي المقربين".

كتب آخر: "في فقاعتي الصغيرة كنت سعيدا وربما أكثر سعادة مما أنا عليه في الوقت الحالي. لكنني كنت أتعرض للإهانة باستمرار، فشعرت بالحاجة إلى إجراء تغيير."

 وتمحورت جل الردود على السؤال "ماهو أكثر شيء تفتقده في تركيا؟" حول الأسرة والطعام والثقافة والطقس.

لا شك في أن هجرة الأدمغة التركية تؤثّر على الاقتصاد والمجتمع في البلاد. ومن بعض النواحي، يعد هذا تكرارا مثيرا للاهتمام لما حدث في تركيا قبل قرن، عندما أدى العنف الطائفي واضطهاد حكومة تركيا العثمانية إلى مغادرة مئات الآلاف من المسيحيين. وقد تفاقم هذا بسبب التبادلات السكانية التي تلت الحرب العالمية الأولى، عندما أدت هجرة اليونانيين الجماعية إلى انخفاض كبير في العمال المهرة ورجال الأعمال، مما أضعف التنمية الاقتصادية التركية خلال الستينات أو السبعينات.

تبقى تكاليف القمع السياسي الاقتصادية باهظة. فعندما اعتمدت المؤسسة الكمالية التركية سلطتها لقمع المحافظين المتدينين والأكراد، كان الضحايا في الغالب من الطبقة العاملة الذين لم يكن لديهم خيار مغادرة تركيا. ولكن، أصبح المثقفون والليبراليون والبرجوازيون والأتراك المتغرّبون هم الذين يتعرضون لهجوم الحكومة. ولديهم قدرة أكبر على مغادرة البلاد.

ولم يقتصر الأمر على تجفيف الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا، بل رأينا بعض رأس المال المملوك للأتراك يغادر البلاد أيضا، مما يزيد من تفاقم عجز ميزان المدفوعات التركي ويقلل من قيمة الليرة التركية.

تواصل الحكومة التركية استهداف المؤسسات الليبرالية مثل جامعة البوسفور، لأسباب تشمل تشتيت الانتباه عن الوضع الاقتصادي المزري. لكن هذا سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية المتزايدة في تركيا، حيث  لن تنجح كل الأساليب التي تستخدمها الحكومة.

اكتسب حزب العدالة والتنمية سمعة طيبة بفضل الأداء الاقتصادي الذي سجّلته البلاد خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكنها تشوّهت بسبب الكارثة الاقتصادية التي خلقها في العقد الماضي والتي كان من الممكن تجنبها.

عن "أحوال" تركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية