نساء عفرين المفقودات و"غصن الزيتون" التركي

نساء عفرين المفقودات و"غصن الزيتون" التركي


05/09/2020

دايفيد ليبسكا

في غضون أسابيع من غزو تركيا لمحافظة عفرين السورية في يناير 2018 ضمن عملية عسكرية أطلق عليها "غصن الزيتون"، أفادت هيئات دولية عن جرائم حرب ارتكبها المتمردون السوريون المدعومون من تركيا، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري والتشريد وقطع المياه والكهرباء ومصادرة الممتلكات ونهبها.

ومع انتقال الجيش التركي إلى شنّ عمليات توغل أخرى في سوريا، تشتت انتباه العالم عن عفرين، مما سمح لانتهاكات حقوق الإنسان بالتضاعف إلى حدّ انعدام سيادة القانون، حسب الباحثة ميغان بوديت.

حسب الموقع الإلكتروني الذي تديره بوديت، "نساء عفرين المفقودات"، أكّد مراقبون محليون اختطاف 52 امرأة على يد مقاتلين سوريين مدعومين من تركيا في عفرين سنة 2018. ومع 55 حالة حتى أغسطس، قد تسجّل السنة الحالية 82 عملية بزيادة تقارب 60 في المائة، وسط تأكيدات الجماعات الحقوقية بأن هذه الفظائع بلغت ذروتها.

وقالت بوديت لموقع أحوال تركية: "إن هذا الوضع يخلق بيئة غير صالحة للعيش. أدى هذا الاحتلال غير الشرعي إلى تعاسة المدنيين الذين كانوا يعيشون هناك".

وفي سعيها للقضاء على وجود الأكراد على طول حدودها، انتزعت تركيا أجزاء من المنطقة الكردية السورية المعروفة باسم روج آفا في عفرين سنة 2018 شمال شرق البلاد، مع هجومها العسكري الذي ندّد به عدد من الدول. وترى أنقرة في مجلس سوريا الديمقراطية الذي يقوده الأكراد، والذي يشرف على روج آفا، وذراعه العسكري، قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي قاد تمردا في جنوب شرق تركيا لعقود.

وواصلت الولايات المتحدة، حليف تركيا في الناتو، شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مما ساعد على استمرار الوجود الكردي في روج آفا، التي حظيت بإشادة على نطاق واسع لتنوعها العرقي ومساواتها بين الجنسين. وعلى الرغم من تسليح تركيا لمقاتليها بالوكالة وتدريبهم للقتال في سوريا ، إلا أنها لم تتمكن إلى حدّ كبير من السيطرة عليهم في عفرين والشمال الشرقي.

تراقب ميغان بوديت، التي تخرّجت من جامعة جورجتاون والتي تدرس الحركة النسائية الكردية السورية ، احتلال تركيا لعفرين وقررت التركيز على عمليات الاختطاف، مما دفعها إلى إطلاق موقعها الالكتروني في يوليو.

وقالت: "نرى العديد من هذه التقارير المزعجة عن اختطاف نساء، وإجبارهن على الزواج من أعضاء الجماعات المسلحة، وتعرضهن للتعذيب والعنف الجنسي وجميع أنواع الفظائع، ولم يكن هناك اهتمام بهذا الأمر. نرى في مكان كان في يوم من الأيام مركزا مستقرا وسلميا لتحقيق مكاسب في حقوق المرأة وحقوق المجتمعات الدينية والعرقية المختلفة في شمال سوريا، تعرض النساء لهذه الفظائع. هذا أمر مرعب". 

ومع ذلك لم يكن ذلك مفاجئا. فقبل التوغّلات التركية في كل من عفرين وشمال شرق سوريا، أعرب الرئيس رجب طيب أردوغان عن أمله في أن تتمكن تركيا وحلفاؤها من طرد السكان الأكراد المحليين واستبدالهم باللاجئين العرب الذين غمروا بلاده من مختلف أنحاء سوريا. لذلك، اتُّهمت تركيا بالتطهير العرقي حيث أُجبر عشرات الآلاف من الأكراد واليزيديين على مغادرة المناطق التي تسيطر عليها.

ويؤكد ارتفاع عدد عمليات الاختطاف تأثير السيطرة التركية الإشكالي. ففي سنة 2014 ، أصدرت روج آفا سلسلة من القوانين التي زادت من حماية المرأة، بما في ذلك تجريم العنف القائم على الجنس وضمان حضور مراقب لحقوق الإنسان في المحاكمات والإجراءات التشريعية ذات الصلة. قالت بوديت: "كل هذا غير موجود في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة"، مشيرة إلى نظام القضاء الذي نادرا ما يعاقب الرجال الذين يرتكبون جرائم العنف ضد النساء.

وتابعت: "من المرجح أن يمضي هؤلاء الرجال في حياتهم بحرية في عفرين، بعد أن أصبحت تحت سيطرة تركيا ".ويعكس هذا الأخبار الواردة من تركيا، حيث قفز عدد النساء المقتولات من 121 في 2011 إلى 474 في 2019، وفقا لمجموعة "وي ويل ستوب فيميسادز" المراقبة، في حين زاد عدد النساء التركيات اللاتي تعرضن للعنف بنسبة 50 في المائة منذ 2015، حسب بيانات وزارة الداخلية نفسها.

في الأسابيع الأخيرة ، كانت الحكومة التركية تدرس ما إذا كانت ستنسحب من اتفاقية إسطنبول، التي تعدّ أكبر ميثاق عالمي لمنع العنف ضد المرأة، مع استمرار تعرض العديد من الرجال لعقوبات بسيطة على جرائم العنف ضد النساء. وقالت بوديت إن الأمر الذي من شأنه أن يكون مفاجئا هو إذا ما أبدت تركيا قلقها من عمليات الاختطاف، وبالاستعانة بمصادر يُنظر إليها على أنّها مؤيدة لروجافا ومعادية لها وغير سياسية، وثّقت بوديت 173 حالة اختطاف منذ بدء الاحتلال التركي، وكانت معظم الضحايا من النساء الكرديات. وقد وجّه الاتهام في51 تقريرًا من بين 132 تقريرا، تتعلق بارتكاب جرائم، إلى الجيش والشرطة المدنية، ويخضع كلاهما إلى الجيش الترك.

وكانت فرقة الحمزات الموالية لتركيا هي المسؤولة عن أكبر عدد من عمليات الاختطاف في عفرين، بتورطها في 15 حالة على الأقل. وفي زيارة لقاعدة ذلك الفصيل العسكرية الجديدة في حلب الأسبوع الماضي، أبرزت سكاي نيوز كيف كان العلم التركي مرفوعا مع علم المعارضة السورية.

بالنسبة إلى بوديت، فإنها تُرجع عمليات الخطف وانتهاك الحقوق في عفرين نتيجة لآراء حزب العدالة والتنمية الحاكم بشأن النساء والأكراد وكذلك النظام الإداري ونظام العدالة الذي أسسته تركيا. 

وقالت: "أعتقد أن هيكل الحكم المدعوم من تركيا يساهم في ذلك كثيرا مع غياب العقوبات والرقابة".  وأشارت بوديت إلى القتل الوحشي للسياسية الكردية الصاعدة هفرين خلف في أكتوبر الماضي على يد المتمردين السوريين الذين تدعمهم تركيا، والذي وصفته وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية بأنه عملية ناجحة في مكافحة الإرهاب.

قالت بوديت: "هكذا رأت تركيا اغتيال شخص لم يسبق له أن حمل سلاحا في حياته." وبينما كانت تركيا تضغط على اليونان، في الأشهر الأخيرة، في شرق البحر المتوسط ، بدأت انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها المتمردون التابعون لها في عفرين في جذب المزيد من الاهتمام. ففي مايو، نشرت 20 منظمة حقوقية سورية رسالة مفتوحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان التابعة لها لتؤكد أن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الأفارقة بلغت فظاعة قصوى. وفي تقرير نُشر الشهر الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأميركية المحققين العسكريين أن حكومة المعارضة السورية الناشطة في المناطق التي تسيطر عليها تركيا لم "تعتقل أو تلاحق أو تحاسب أي أعضاء متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات قانون النزاعات المسلحة." 

ويوم الأحد الماضي، نشرت الممثلة الخارجية لمجلس سوريا الديمقراطية في الولايات المتحدة، سينام محمد، صورة آرين دالي حسن، وهي أيزيدية سورية اختطفتها فرقة الحمزات في فبراير، وطالبت بفدية لا تستطيع الأسرة دفعها. قد تكون حياة حسن في خطر فقبل سنة قُتل طفل يبلغ من العمر 10 سنوات مصاب بمتلازمة داون في عفرين مع والده وجده بعد أن عجزت عائلته عن دفع الفدية البالغة 10 آلاف دولار. 

تقيد تركيا الوصول إلى المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها، وبالتالي كان العالم يعتمد على التقارير المحلية بشكل شبه كامل. وغالبا ما تخضع هذه التقارير للرقابة. وتبقى التقارير الإنسانية أو الصحفية الموثوقة حول الحياة في عفرين قليلة. ويساعد هذا في تفسير سبب اختفاء 109 امرأة في عفرين، لا نعلم ما إذا كنّ أحياء أو أمواتا، أو محتجزات في المنطقة، أو في أماكن أخرى في سوريا، أو يواجهون المحاكمة في تركيا، كما تقول بعض التقارير.

تقول بوديت: "الأشخاص الوحيدون الذين يعرفون مكانهم هم السلطات في عفرين، أي الجيش الوطني السوري والحكومة التركية والحكومة المدنية المعارضة. نحن بحاجة إلى مواصلة الضغط والمطالبة بالمزيد من المساءلة والتحقيق".

عن "أحوال" تركية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية