نبيل عبد الفتاح: المحبطون وجدوا في أيديولوجيا التوحّش ملاذاً نفسياً

الإرهاب والتطرف

نبيل عبد الفتاح: المحبطون وجدوا في أيديولوجيا التوحّش ملاذاً نفسياً


11/03/2018

قال المفكّر والباحث المصري، الدكتور نبيل عبد الفتاح إنّ المحبطين وجدوا في أيديولوجيا التوحّش ملاذاً نفسياً، وفقاً للدراسات التحليلية التي تناولت بعض مواقع التطرف الديني، وعلى رأسها تنظيم داعش. وأشارت الدراسات إلى أنّها تقدّم من خلال اللغة الرقمية والمرئية الفيلمية، مثيرات وإغواءات لبعض العناصر المستهدفة، أوروبياً وعربياً، من الشباب والفئات الصغيرة، من الجنسين، للانخراط في التنظيم. وأضاف أن ذلك يتم بغرض التجنيد الافتراضي، سيما من بين أبناء الجيل الثالث، من ذوي الأصول العربية والإسلامية، الذين فشلت سياسات الاندماج الأوروبي، خاصة، في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، في دمجهم في النظام الاجتماعي.

وأكد صاحب "المصحف والسيف"، في حديثه لصحيفة "حفريات" على هامش محاضرة عقدها المعهد الثقافي الفرنسي مؤخراً، بمؤسسة الأهرام المصرية، أنّ هؤلاء الشباب يعانون الإحباط والعزلة، في ضواحي المدن الفرنسية والبلجيكية، وهناك آخرون أوروبيون، وبعض ذوي الأصول الأجنبية من المتمردين على النظام الاجتماعي الرأسمالي، يعانون من الاغتراب، وبعضهم يحملون رؤى وأفكار ومشاعر فوضوية؛ حيث وجدوا في التوحّش ملاذاً يمكّنهم من الثأر من الرأسمالية المتوحشة".

التطرف يعبّر عن نفسه، من خلال العزلة أو السلبية، أو الانسحاب في مرحلته الأولى ثم محاولة الثأر

وفيما يتّصل بمقترحاته العملية لمواجهة التطرف وجذوره، قال عبد الفتاح: "إنّ إصلاح المنظومة التربوية والدينية التأويلية، يحتاج إلى إرادة سياسية، نحو التجديد أو الإصلاح الديني والتربوي في بعض البلدان العربية، القادرة على إنجاز ذلك من خلال كبار المثقفين المفكرين والمتخصصين في العلوم الاجتماعية، وبلا إرادة سياسية، تغدو الحاجة إلى التجديد أو الإصلاح للفكر، والخطابات الدينية، محض شعار نمطي في خطابات اللغو السياسي الشائعة في عالمنا العربي".

وبخصوص المحاضرة التي حملت عنوان "السياسة الدينية والتربوية في مواجهة التطرف العنيف: مقترحات عملية"، تطرّق عبد الفتاح إلى تأطير الجانب النظري لموضوعه، وضبط المصطلحات والمفاهيم، وتعريفاتها بدقّة، فيما يتصل بالتطرف الديني، والعنف والتشدد، عند جماعات وقوى الإسلام السياسي، بحسب ما وردت في أدبيات الأمم المتحدة والعلوم الاجتماعية، والإحاطة بالأسباب والشروط، المؤدية إلى ظاهرة العنف الديني، وتقديم مقترحات عملية لمعالجتها، بما في ذلك الإصلاح السياسي والديني والتربوي.

وذكر المحاضر تعريفات عديدة للتطرف، تختلف بحسب النظرة لظواهره، والتخصص الذي ينطلق منه بعض الباحثين، ناهيك عن بعض العمومية، والغموض الذي يعتري هذه التعريفات على تعدّدها؛ فالنزعة الشائعة إعلامياً ورسمياً، تركّز على المنظمات السياسية الدينية، ذات الخطابات الأيديولوجية الراديكالية والسلوكيات العنيفة الإرهابية، وبعض أيديولوجيا التكفير الديني، ويشيع هذا الفهم للتطرف، وهو اتجاه لا يتّسم نسبياً بالدقة والانضباط الإصلاحي.

عناصر إرهابية من تنظيم داعش"أرشيفية"

ما هو "التطرف"؟

يشمل التطرف الديني، منظومة الأفكار والمعتقدات المذهبية، والتفسيرات والتأويلات الدينية، المتسمة بالحدّية، التي ترافقها أنماط التشدّد والتزمّت في الخطاب الديني، كما في السلوك والزيّ، وفي اللغة اليومية المستخدمة، التي تحمل موارد دينية، مستمدة من مصادر لغوية أصولية قديمة، مرتبطة بمفردات وعبارات نمطية، وتناصات مع نصوص دينية.

أوضح عبد الفتاح معنى التطرّف قائلاً: هو "مجموعة الأفكار، التي تمثّل خروجاً على التيار السائد، المقبول في المجتمع، وعلى النظام المنصوص عليه، في الدستور، على نحو يترتب على تنفيذه تغيّر جذريّ في الأوضاع".

كما ذكر تعريفاً آخر، هو: "تبنّي الفرد لمواقف متشددة في مواجهة بعض القضايا الاجتماعية التي يهتم بها المتطرف، كما يعرف التطرف أيضاً، بأنّه خروج على القواعد الفكرية، والقيم والمعايير، والأساليب السلوكية الشائعة في المجتمع، بحيث نجد أنّ التطرف يعبّر عن نفسه، من خلال العزلة أو السلبية، أو الانسحاب في مرحلته الأولى".

استمرت ظواهر العنف، طوال حكم الرئيس مبارك، حتى عام 2011، في ظلّ وصول الإخوان والسلفيين إلى السلطة

وعرج عبد الفتاح على رؤية أوسع تجاه التطرف، فعدّه غير مقتصر فقط على أشكاله السياسية والسلوكية العنيفة؛ بل له جانب اجتماعي، يتّسم بالتغير في بعض أشكاله ومضامينه، التي قد تتصادم مع أنماط السلوك والقيم وأساليب التفكير، السائدة في المجتمع، في مرحلة تاريخية محددة؛ وبعض هذا الفكر والسلوك المتطرف، قد يتصادم مع موروث جماعة ما، أو مكوّن ما من مكوّنات المجتمع، العرقية والدينية والمذهبية أو القومية أو اللغوية أو المناطقية.

وبخصوص هذه النقطة تحديداً، يقول عبد الفتاح: "نحن أمام مفهوم فضفاض، ومفرط في غموضه وتحديده، إزاء ما يطلق عليه التيار السائد، على المستويات القيمية والمعيارية والفكرية والمعتقدية والسلوكية".

 ظهر التطرف الديني بطيئاً، منذ هزيمة حزيران (يونيو) 1967 ثمّ تمدّد في أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973

"سلع" العنف لدى الجماعات الدينية

يوضح الباحث المتخصص في شؤون حركات الإسلام السياسي، أنّ هذا النمط من الخطاب الديني المكتوب أو الملفوظ، في الخطاب اليومي ومصادره، يرمي إلى الاستعلاء على أنماط التدين الشعبي ومروياته، وعلى نمط الخطابات الدينية الأصولية الرسمية، من فقهاء ودعاة ووعاظ المؤسسة الدينية الرسمية.

وأنّ هذا النمط روّج له وكرّسه، المنتمون للجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، والجماعات السلفية الجهادية، وغيرها، ودعاة الطرق، وسلعهم الخطابية والرمزية.

بلا إرادة سياسية تغدو الحاجة للتجديد والإصلاح للفكر والخطاب محض شعار في خطابات اللغو السياسي الشائعة في عالمنا العربي

إنّ أشكال التطرّف المظهري، تاريخياً، وجدت تمظهراتها في ثورات الشباب الأوروبي، عام 1968، وفي تمرد جيل السبعينيات، بحسب الباحث، أمّا سياسياً، فقد وجدت تمظهراتها في بعض الجماعات الأيديولوجية الماركسية، من الماوية إلى التروتسكية، وقبل وبعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وفي أفكار وخطابات وسلوكيات بعض الفوضويين.

كما ظهر التطرف الديني بطيئاً، منذ هزيمة حزيران (يونيو) 1967، ثمّ تمدّد في أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وتوظيف النظام الساداتي المكثف للإسلام في بناء شرعيته السياسية، وفي التعبئة والحشد والتبرير، وعبر تحالفاته مع الإخوان المسلمين، ثمّ دعمه للجماعات السلفية بعد توتّر علاقاته مع الإخوان، وتوظيفه للمؤسسة الدينية الرسمية، وذلك في سياسته الدينية، التي رمت إلى تهميش اليسار الماركسي والناصريين والليبراليين.

 

 

ظاهرة العنف.. الشروط والأسباب

أدّت البيئة المحافظة دينياً، وحركة القوى الإسلامية السياسية، والمؤسسة الدينية الرسمية ونزوعها المحافظ، والنزاعات الطائفية وتوتراتها مع المؤسسة القبطية الأرثوزكسية، إلى بروز الجماعات الإسلامية الراديكالية العنيفة؛ كحزب التحرير الإسلامي، المعروف بجماعة الفنية العسكرية، في بدايات حكم السادات، وجماعة "المسلمين"، المشهورة إعلامياً بالتكفير والهجرة، والتوقف والتبين، والقطبيين، والجماعة الإسلامية، والجهاد.

إصلاح المنظومة التربوية والدينية التأويلية يحتاج إلى إرادة سياسية نحو التجديد أو الإصلاح الديني والتربوي

استمرّت ظواهر العنف، طوال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى الربيع العربي، عام 2011، في ظلّ وصول جماعة الإخوان والسلفيين، إلى السلطة في المرحلة الانتقالية الأولى والثانية، ثم انفتح الباب واسعاً على كلّ أشكال التطرف الديني، المظهري والسلوكي، إضافة إلى العنف الاجتماعي بحمولاته الطائفية، ومن خلال توظيف الإخوان المسلمين والسلفيين للإسلام، في التعبئة الدينية والسياسية، ضدّ الأطراف السياسية الأخرى، والإفراج عن المحكومين من الجماعات الإسلامية، في قضايا العنف والإرهاب.

ووضع دستور2012، الذي تضمن نصوصاً، تمنح رئيس الجمهورية، وجماعة الإخوان والسلفيين، إصدار قوانين ذات محمولات دينية، تؤثر سلباً في طبيعة الدولة الحديثة في مصر.

ومن ناحية أخرى؛ عدّ عبد الفتاح، ممارسات الإخوان والجماعات السلفية، ذات الطابع الطائفي والتمييزي، ومحاولة بعض السلفيين القيام بأعمال الحسبة، والقضاء العرفي، في المجال العام، وفشلهم في إدارة الدولة وأجهزتها والانقلاب الدستوري، الذي شكّله إعلان 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، الدستوري المكمّل، أدّى إلى انفجار أحداث 30 حزيران (يونيو) 2013 الجماهيرية واسعة النطاق.

وفي إطار هذا التغير السياسي، برز دور المؤسسات الدينية، الإسلامية والمسيحية الرسمية، والسلفيين، وقوى أخرى، في عزل رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي، ووضع دستور جديد للبلاد 2014.

ولادة العنف وإجهاض الدولة الوطنية

ترتّب على التغيير السياسي، وانتخاب عبد الفتاح السيسي، رئيساً جديداً للبلاد، استمرارية بعض أشكال العنف السياسي، من خلال الوجوه الدينية التقليدية؛ مثل الإخوان، والجديدة مثل؛ أنصار بيت المقدس في سيناء (ولاية سيناء)، بعد تبعيتها لداعش، وقد واجهته أجهزة الدولة الأمنية والقوات المسلحة بصرامة؛ حيث استعادت الدولة هيبتها، وانخفضت نسبياً معدلات العنف الإرهابي، عن ذي قبل.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية