مَن عطّل التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟

مَن عطّل التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟


02/12/2020

مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، انطلقت المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بهدف تسوية النزاع البحري بين الطرفين، حيث انتهت الجولة الأولى، منتصف الشهر ذاته، وذلك بعد نجاح الوساطة الأمريكية، في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، والذي تمكن من الوصول لصيغة تجمع بين الطرفين على طاولة المفاوضات، ومن ثم، البحث عن أفق سياسي للمشكلات المتجذرة.

أزمة الحدود البحرية.. تقنية أم سياسية؟

ويتصل النزاع بين لبنان وإسرائيل في ما يخص ترسيم الحدود، حول شكل وطريقة تقسيم المساحة البحرية، البالغ حجمها نحو 860 كيلو متر مربع، وقد تم تحديدها إلى عشر مناطق، بينما يدور القسم الأكبر من الخلاف على المنطقة رقم 9، إلى جانب مناطق أخرى، لاسيما وأنّ كل طرف يسعى نحو الاستحواذ على المساحات البحرية الممكنة، داخل مناطقه الاقتصادية الخالصة.

اقرأ أيضاً: لبنان: "فيتو" مسيحي ضد تعديل قانون الانتخابات النيابية

وبينما تصر إسرائيل على أنّ ترسيم الحدود البحرية، يجب أن يكون بزاوية 90 درجة، متاخمة لحدودها، فإنّ لبنان يرفض ذلك الأمر بالجملة، ويطالب بحقه في أن يكون خط الترسيم امتداداً مباشراً للحدود البرية اللبنانية.

وساهم الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية، في تصعيد حدة الصراعات الإقليمية بين لبنان وإسرائيل، إضافة إلى رفع وتيرة المشكلات السياسية والاقتصادية داخل لبنان، بوجه خاص، الأمر الذي يبرز الأهمية القصوى لتلك المفاوضات بالنسبة للأطراف المنخرطة فيها؛ خاصة وأنّ الوضع المأزوم في لبنان، إثر انفجار مرفأ بيروت، قد حلحل الموقف التقليدي لحزب الله، وحلفائه، باتجاه إسرائيل، كما أنّ الولايات المتحدة التي خاضت تسع جولات في بيروت لبدء عملية السلام والتفاوض، قبل نحو شهرين، تستهدف انتزاع الدور الفرنسي المتنامي، ومنافسته على المساحات التي يتحرى تشكيلها وتوظيفها لصالحه في لبنان، سياسياً واقتصادياً.

بينما تصر إسرائيل على أنّ ترسيم الحدود البحرية، يجب أن يكون بزاوية 90 درجة، متاخمة لحدودها، فإنّ لبنان يرفض ذلك الأمر بالجملة

وبالتالي، فإنّ شركة توتال الفرنسية التي حصلت على ترخيص بخصوص التنقيب عن الغاز، في القسم رقم 4، داخل المياة الإقليمية اللبنانية، وذلك مع شركتين أخريين، إحداهما روسية والثانية إيطالية، منذ العام 2018، سوف يتقلص دورها أمام شركة "شيفرون" الأمريكية، تبعاً للدور الأمريكي؛ إذ تتولى الشركة الأمريكية مهمة التنقيب عن النفط والغاز، في شرق المتوسط، وتملك نحو 40% من حصة التنقيب في حقل ليفياثان، و25% في حقل أفروديت بإيطاليا.

أرباح مالية ونفوذ إقليمي

وبحسب التقديرات الاقتصادية، فإنّ لبنان في حال الترسيم سيكون بمقدوره أن يستخرج بقيمة 6 مليار دولار سنوياً غازاً طبيعياً، وذلك في الأقسام البحرية المتنازع عليها.

وفي غضون ذلك، تم الإعلان عن تعليق جولة التفاوض بين لبنان وإسرائيل، والمزمع إجراؤها، مطلع الشهر الجاري؛ إذ نفى الناطق الرسمي بلسان وزارة الطاقة الإسرائيلية، يوني عوزيري، في حديث لقناة "الحرة" الأمريكية "أن يكون الجانب الإسرائيلي قد طلب من الجانب اللبناني تأجيل المحادثات حول ترسيم الحدود البحرية، والتي كان مقرر عقدها الأربعاء المقبل"، وأضاف: "لا أستطيع تحديد الموعد الجديد الخاص بالمفاوضات، في الوقت الحالي".

وكشفت وكالة رويترز للأنباء، أنّ الجانب الأمريكي قد أبلغ، رسمياً، لبنان بتأجيل جولة التفاوض المرتقبة، خلال الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر)، وذلك بسبب رفض إسرائيل للمقترحات اللبنانية، وتابعت: "الوسطاء الأمريكيون أبلغوا الجانب اللبناني بالتأجيل، وسيجرون اتصالات ثنائية مع الطرفين".

اقرأ أيضاً: لبنانيون يسخرون من وزير الصحة.. ما علاقة حسن نصر الله؟

ومن جهته، قال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، بخصوص تجميد المفاوضات الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، إنّ "الأمر يعود بالكامل إلى لبنان وإسرائيل، لاتخاذ قرار بشأن إطار العمل والتوقيت الذي يعتقد كل منهما أنّه مناسب للمفاوضات الجارية حول ترسيم الحدود البحرية"، مشدداً على أنّ "قضية الحدود هي قرار على إسرائيل ولبنان أن يتخذاه، فيما تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بالوساطة والتسهيل بناء على طلب الجانبين".

ما وراء الثنائي الشيعي؟

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الكاتب والسياسي اللبناني، شارل جبور، إلى أنّ ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لم يكن في أيّ لحظة موضوعاً تقنياً، كما تصوره الأطراف السياسية المحلية بلبنان، إنّما هو سياسي بامتياز؛ إذ لم يفرج رئيس مجلس النواب اللبناني، نبية بري، عن الاتفاق الإطاري بعد نحو عشر سنوات من التفاوض، إلا بناء على جملة من الشروط السياسية الواضحة، جاءت عشية الانتخابات الأمريكية، وذلك في محاولة لتقديم هدية للرئيس دونالد ترامب، في حال فاز.

الكاتب والسياسي اللبناني شارل جبور

بيد أنه "مع ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، والتي كشفت عن تقدم جو بايدن، لم يعد الثنائي الشيعي في حاجة للاستمرار بهذا التفاوض، أو استعمال هذه الورقة التي يعتبرها ورقة ضغط ثمينة، يريد فقط أن يقايض على أساسها"، يقول جبور.

الكاتب أسعد بشارة لـ"حفريات": ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لم يكن بين دولتين، إنّما كان مع حزب الله، صاحب القرار في بدء المفاوضات

ويردف الكاتب والسياسي اللبناني، أنّه بعد عقد كامل من المفاوضات، قد تم الإفراج عن الاتفاق الإطاري، وهو أمر محل تساؤل، والإجابة عنه تنفي بكل وضوح مزاعم الثنائي الشيعي التي تحصر التفاوض بخصوص ترسيم الحدود البحرية، عند المسألة التقنية، بينما ترفع كل الاعتبارات السياسية، مضيفاً: "أؤكد أنّ لا رهان على هذا الترسيم الذي يحاول الثنائي الشيعي تصويره على أنّه مجرد أمر تقني، بينما هو سياسي محض؛ فالتفاوض جاء بفعل قرار سياسي، والاستمرار فيه هو للأسباب ذاتها، ومن ثم، فإنّ الوصول لحل يخص ترسيم الحدود البحرية، يحتاج لأفق عملي وجاد، الأمر الذي تنبذه حركة أمل وحزب الله، بسبب التعاطي معه كمناورة سياسية براغماتية، وورقة ضغط شكلية".

لبنان باعتباره ساحة مناورة إيرانية

يتفق والرأي ذاته، الصحافي والمحلل السياسي اللبناني، أسعد بشارة، والذي يقول إنّ ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لم يكن بين دولتين، إنّما كان بين الأخيرة وحزب الله، صاحب القرار في بدء المفاوضات، وكان واضحاً أنّ الحزب هو صاحب المبادرة، وقد تولى إدارته رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، وهو أمر غريب جداً أن يعلن عبر رئيس مجلس النواب عن الاتفاق الإطاري الخاص بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وليس من خلال رئيس الجمهورية، أو وزارة الخارجية.

الكاتب والسياسي اللبناني أسعد بشارة

ويضيف بشارة لـ"حفريات": "على ما يبدو أنّ الترسيم البحري، ليس مرتبطاً في ذهنية تلك القوى السياسية بمصلحة لبنان، حتى تأتي شركات النفط لتبدأ التنقيب، إنّما يتصل بإيران التي تعتبر لبنان أحد أوراق الضغط الخاصة بها، للتفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة، ومن ثم، فإنّ ملف المفاوضات يتأرجح على إيقاع الوضع الإقليمي الصعب، الذي يشهد ارتباكاً كبيراً، واشتباكاً عنيفاً، بين إدارة ترامب وطهران".

اقرأ أيضاً: حتى لا يتم تقديم لبنان جائزة ترضية لإيران!

وماحدث مع الوفد اللبناني الذي ذهب للمفاوضات، أنّه سعى إلى مطالب أعلى من المتفق عليها في الاتفاق الإطاري المفترض النقاش حوله، بحسب المصدر ذاته، وتتمثل مطالبهم في الحصول على نسبة أكبر من الحصة المتنازع عليها، وتبلغ نحو 860 متراً في الحدود البحرية بين البلدين؛ إذ طالبوا بـأكثر من 2500 متر، ولبنان لديه بالطبع مصلحة في حصوله على أكبر قدر من المساحة البحرية، لكن من الواضح في هذا السياق، أنّ ملف الترسيم يؤدي دوراً وظيفياً بين وكلاء طهران، في لبنان، ليحقق مصالحها؛ فكما كان قرار المفاوضات هو من حزب الله، فبالتبعية، جاء قرار الوصول بالمفاوضات إلى نهاياتها من الحزب ذاته، ولأهدافه الخاصة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية