"منتدى الإسلام في فرنسا": هل يُعيد تنظيم العلاقة بين المسلمين والدولة الفرنسية؟

"منتدى الإسلام في فرنسا": هل يُعيد تنظيم العلاقة بين المسلمين والدولة الفرنسية؟


13/03/2022

باسم راشد

أطلقت الحكومة الفرنسية في 5 فبراير الماضي «منتدى الإسلام في فرنسا» Forum de l'Islam en France" (FORIF)" بهدف إعادة تنظيم شؤون الديانة الإسلامية، وليحل بديلاً عن «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)» كمحاور رسمي بين الحكومة والمجتمع الإسلامي

تُلقي هذه الورقة الضوء على دوافع إطلاق هذا المنتدى، ودلالات ذلك، وفرص وتحديات نجاحه في ظل الانقسامات القائمة بشأنه حالياً.

الدوافع والدلالات

توجد عدة دوافع وراء سعي الحكومة الفرنسية لإطلاق منتدى الإسلام في فرنسا؛ لعل أبرزها الآتي: 

1. وضْع إطار جديد لتنظيم شؤون الديانة الإسلامية؛ وذلك عبر تجديد أساليب الحوار مع مُمثلي الديانة الإسلامية، وفقاً لما أعرب عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير داخليته جيرالد دارمانان، خاصةً بعد التوترات والسجالات الشديدة التي شهدها العام الماضي بشأن مشروع قانون "ترسيخ مبادئ الجمهورية" أو ما عُرِفَ بقانون "مكافحة الانفصالية". 

2. مُعالجة إخفاقات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM): فقد عانى هذا المجلس، الذي تأسس عام 2003 على يد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، من خلافات داخلية بين أعضائه أصابته بحالة من الجمود، فضلاً عن تصاعد الانتقادات له واتهامه بالفشل في تمثيل الجاليات المسلمة المتنوعة في فرنسا، وتأثُّر أجندته بمموِّليه الخارجيين، خاصةً الجزائر والمغرب وتركيا. لذلك جاء إطلاق منتدى الإسلام في فرنسا لتعزيز نهجٍ لا مركزيٍّ يعكس واقع الجاليات المسلمة المتنوعة في فرنسا، وتحديداً من خلال توسيع نطاق الأطراف المعنية، بدلاً من وجود هيئة مركزية واحدة.  وقد سبق تأسيس المنتدى، حوارٌ وطني عُقدت أولى فعالياته في العامين 2016 و2017، وضمت ممثلين مسلمين على المستوى المحلي، ومستوى المقاطعات. وأعقب ذلك اجتماعات إقليمية للإسلام في فرنسا، مهَّدت جميعها لإطلاق "منتدى الإسلام" بوصفهِ منصةً جديدةً تُعالج الإخفاقات السابقة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

 3. تنقية الإسلام الفرنسي من التطرف: يمثل "منتدى الإسلام" استكمالاً للجهود الفرنسية لمحاولة تخليص الإسلام الفرنسي من جميع أشكال التطرف والعنف؛ وبرز ذلك في أجندة الهيئة الجديدة، وفي تكوينها نفسه الذي يضم مجموعة متنوعة من رجال الدين والعلمانيين والنساء للمساعدة في قيادة أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية.

وعطفاً على ما سبق، يُمكن القول إن أهم دلالات إطلاق هذا المنتدى، يتمثَّل في الآتي:

1. يعكس المنتدى الجديد محاولة من الرئيس إيمانويل ماكرون لمغازلة تيارات اليمين المتطرف من ناحية، وبعض المسلمين الرافضين للمجلس الفرنسي السابق من ناحية أخرى، قُبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في أبريل المقبل لدعم حزبه الوسطي، خاصةً أن ظهور المنتدى للضوء بهذه الطريقة كان بمثابة "تطور مفاجئ" للمتابعين لملف الإسلام في فرنسا. 

2. تشكيل الحكومة الفرنسية هيئة جديدة لتنظيم الديانة الإسلامية، يُمثِّل اعترافاً ضمنياً بفشل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أسسته الدولة أيضاً، وكان المحاور الرئيس لها في المسائل المتعلقة بالعبادة والشعائر الإسلامية. 

3. واقع التطورات التي حدثت في فرنسا في السنوات الأخيرة وجرى ربطها بالمسلمين المتطرفين، أسهمت بشكل كبير في إعادة النظر في مُسبِّبات التطرف وداعميه، لذا فإن "منتدى الإسلام" يُعد محاولة واضحة لتخفيف حدة هذا النفوذ الخارجي لبعض الدول على المؤسسات الإسلامية داخل فرنسا، وهو ما عكسته تصريحات سابقة لوزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين لصحيفة Le Parisien في 31 يناير الماضي، والتي أكَّد فيها أن "الواقع قد تغير. فأكثر من نصف المسلمين في بلادنا فرنسيون ولدوا في فرنسا. وقناعتنا العميقة هي أن تنظيم الإسلام يجب أن يتم في فرنسا، ومن أجل مسلمي فرنسا". 

التكوين والأجندة الرئيسة

يتشكل ثُلثا "منتدى الإسلام" من مسؤولي منظمات وأئمة وأشخاص منخرطين في المجتمعات المسلمة المحلية، والثُّلث المتبقي من شخصيات ذات تمثيل على المستوى الوطني، على أن يكون ربع ممثلي المنتدى من النساء. وقد اختارت الحكومة الفرنسية جميع المشاركين في المنتدى من قوائم أعدتها السلطات المحلية، ومن بينهم الرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنور كبيباش، وعميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ، وعميد مسجد ليون كامل قبطان والمفكّر حكيم القروي. 

وسينعقد المنتدى سنوياً، في موازاة مؤتمرات المناطق التي ستنعقد في صيغة جلسات عمل منفصلة لمناقشة الموضوعات المطروحة وتقديم تقاريرها وتوصياتها النهائية للمنتدى، للتواصل مع الحكومة بشأنها واتخاذ قرارات نهائية لتنفيذها.

وبدا ملحوظاً أن الاجتماع الأول للمنتدى، الذي عُقِد في 5 فبراير الماضي، كان بمثابة خارطة طريق تضمنت أربعة محاور رئيسة. الأول، تنظيم دور الأئمة، والعمل على إعادة وضع تعريف واضح لمهامهم؛ حيث لا توجد في فرنسا هيئات محلية لتعيين الأئمة وتدريبهم، لذلك تتم الاستعانة بأئمة من الخارج، وهو ما يُعزز النفوذ الخارجي في المساجد والجمعيات الإسلامية. ومن المتوقع أن يلعب "المجلس الوطني للأئمة" الذي تأسس في عام 2020، دوراً محورياً في تدريب وترخيص الأئمة من داخل فرنسا بدلاً من الاستعانة بالخارج.

وركَّز المحور الثاني على تشكيل سلطة دينية جديدة لمواكبة عمل المرشدين المسلمين في الجيش والسجون والمستشفيات. فيما بحث المحور الثالث سُبل توفير حماية للمساجد ومكافحة الأعمال المناهضة للمسلمين. أما المحور الأخير فقد خُصِّص لكيفية تطبيق قانون "مبادئ الجمهورية"، وتحديداً فيما يتصل بنقل الجمعيات الإسلامية والمساجد من قانون عام 1901 إلى قانون عام 1905، بما يحصر دورها في الشعائر والعبادات، ويُقوِّض مسألة تلقيها مساعدات وممارسة أنشطة غير دينية. وقد أُضيف موضوع خامس يتعلق بشفافية تمويل العبادة الإسلامية، وذلك لتفادي الأموال الخارجية، واتخاذ مبادرات لتنظيم الحج ومصادر الدخل الأخرى مثل المنتجات الحلال، ووافق وزير الداخلية الفرنسي على هذه المبادرة.

ردود الفعل

أثار إطلاق "منتدى الإسلام" الكثير من الجدل داخل فرنسا؛ حيث تباينت الآراء بين المؤيدين الذين يرونه مبادرة إيجابية لتطوير العلاقة بين المسلمين والدولة الفرنسية، والمُعارضين الذين لا يرون فيه تغييراً حقيقياً في النظرة الفرنسية "الاستعلائية" تجاه المسلمين. 

وتركز ملامح تأييد تأسيس هذا المنتدى، في أنه سيُسهِم في تنظيم شؤون الديانة الإسلامية في فرنسا بشكل أفضل، كما أنه يستجيب لحالة التنوع الأوسع لدى المسلمين الفرنسيين الذين يصل عددهم إلى 5 ملايين نسمة، بما يجعلهم ثاني أكبر ديانة في البلاد. إلى جانب أنَّ المنتدى سيدعم تدريب الأئمة داخل فرنسا بدلاً من جلبهم من الخارج بأيديولوجيات وأفكار لا تتناسب مع قيم الدولة العلمانية، ولا مع تطورات المجتمع الفرنسي الداخلية.

وبالنسبة للجانب المُعارِض، فقد طَرَحَ بعض التحفظات المهمة تجاه هذا المنتدى؛ تركزت أولاً في أن تأسيس منتدى جديد بديلاً للمجلس الفرنسي السابق يُعد تكريساً للتوجه المستمر للدولة الفرنسية للتعامل مع المسلمين من منطلق الديانة لا المواطنة، ويعكس ذلك استمرار التمييز المؤسسي التي يعاني منها المسلمون الفرنسيون، بمن فيهم أبناء الجيل الرابع المولودين في فرنسا، وهو التمييز الذي يُحمِّل المجتمع المسلم بأسره المسؤولية عن العنف السياسي والإرهاب، ما ينعكس على حياتهم اليومية؛ بداية من تعرضهم لعمليات التحقق من الهُوية من قِبَل الشرطة، إلى التمييز في البحث عن عمل، فضلاً عن الضغط الاجتماعي والسياسي للتنديد بالعنف باسم الإسلام كلما وقع.

وانصرف ثاني التحفظات إلى التشكيك في نوايا السلطات الفرنسية من تأسيس منتدى الإسلام؛ إذ أشار البعض إلى أنه يندرج ضمن مساعي إحكام الرقابة البوليسية التي تريدها الدولة على المؤسسات ودور العبادة الإسلامية، خاصةً بعد موافقة البرلمان الفرنسي العام الماضي على قانون تعزيز الرقابة على المساجد والمدارس والأندية الرياضية، والذي بموجبه أُغلِق العديد من المساجد والجمعيات الإسلامية.

وأخيراً، رفض كثيرون محاولات الحكومة الفرنسية تضخيم خطر الإرهاب والتطرف وغيره لتبرير مساعيها في تقديم ما يمكن تسميته "نسخة فرنسية من الإسلام" تتوافق مع قيم الدولة ومقوِّماتها العلمانية الأساسية، بدلاً من محاولة تأمين واحتواء مسلمي الدولة باعتبارهم مواطنين فرنسيين كاملي الحقوق والواجبات. وبدت خطورة هذا الأمر في أن هناك توجهاً داخلياً آخذاً في الصعود، ينتقد تركيز الدولة على المسلمين فقط في حين لا يتم اتخاذ إجراءات مماثلة تجاه بعض مُعتنقي الديانات الأخرى برغم تطرُّف بعضهم وارتكابهم أعمال عنف، وذلك انطلاقاً من مبدأ علمانية الدولة، وأن دستورها لا يُقر بدين رسمي لها، لكن من المفترض أنها تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وهو ما يزيد من الانقسام داخل المجتمع.

استنتاجات

الوضع المأمول أن يُسهم "منتدى الإسلام في فرنسا" في إعادة تنظم العلاقة بين الدولة الفرنسية والمجتمع الإسلامي بطريقة أكثر فعَّالية تستجيب لحالة التنوع لدى هذا المجتمع، وتعالج مشكلاته الرئيسة بما يتوافق مع قيم الدولة الفرنسية وأمنها. 

أما الوضع الحقيقي فيشير إلى أن حالة الانقسام تجاه هذا المنتدى ستقوِّض بالضرورة فعَّاليته، وستزيد من تشكيك المجتمع المسلم في قدرته على الاستجابة لاحتياجاتهم. وحتى لو نجح المنتدى لاحقاً في معالجة إخفاقات سابقِهِ فيما يتعلق بالتمويل وتدريب الأئمة، إلا أنَّه سيظل يمثل، بالنسبة للمجتمع المسلم، تكريساً للرؤية الفرنسية المعتادة التي تتعامل مع المسلمين من منطلق الديانة لا المواطنة، وأن المنتدى سيكون أقرب للحكومة الفرنسية، التي تختار جميع أعضائه، منه إلى المسلمين أنفسهم، بما قد يُعرقل تنفيذه لدوره المنوط به.

عن "مركز الإمارات للسياسات "

الصفحة الرئيسية