مكالمة بايدن للسيسي: ماذا تعني وما هي الدلالات؟

مكالمة بايدن للسيسي: ماذا تعني وما هي الدلالات؟


23/05/2021

كأول تواصل رسمي على مستوى الرؤساء، تلقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مكالمة هاتفية من نظيرة الأميركي، جو بايدن، عنوانها الرئيسي مناقشة سُبل التهدئة في فلسطين المحتلة، والتعجيل بالوصول لإيقاف إطلاق النار وتثبيته.

وبحسب بيان البيت الأبيض عن المكالمة، فإن الرئيسين اتفقا على استمرار التواصل بشكل مستمر فيما يخص إيقاف إطلاق النار في قطاع غزة، وكذلك عدداً من الملفات والقضايا الثنائية وذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وبحسب المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، فإن المكالمة تطرقت لما أسما بـ” التحركات التي تتسم بالاتزان والحكمة من اجل تحقيق الأمن والسلام للمنطقة باسرها، وهو ما يرسخ دور مصر التاريخي والمحوري في الشرق الأوسط وشرق المتوسط وأفريقيا لدعم الاستقرار وتسوية الأزمات، وهو الدور الذي تدعمه وتعول عليه الادارة الامريكية في المساهمة في احتواء التصعيد الحالي ووقف العنف”.

سياق التواصل بين واشنطن والقاهرة منذ دخول جو بايدن للبيت الأبيض يمكن رصده على مستويين:

الأول: ويتعلق بمتغيرات العلاقات الثنائية بين البلدين، وكيفية تسييرها في عهد الإدارة الجديدة، ولاسيما المتغيرات المرتبطة بضبط التباينات السياسية وفق عوامل مثل ملف حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وأهمية تمايز موقف إدارة بايدن عن سابقتها لاعتبارات داخلية وانتخابية. 

الثاني: ويرتبط بخارطة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وموقع مصر منها، ويغلب عليه الطابع المؤسساتي/الاستراتيجي بغض النظر عن شخوص الإدارات الأميركية المتعاقبة والتباينات والخلافات فيما يخص العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تقاطع محددات مصالح واشنطن مع مصالح القاهرة النابعة من محددات أمنها القومي، وكيفية إدارتها عبر محاور أحدها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات المصرية الإسرائيلية.

وكخلفية مباشرة لهذه الخطوة الأميركية، والتي من شأنها التأكيد على دور مصر الإلزامي فيما يتعلق بالتصعيد أو التهدئة في فلسطين المحتلة، فإن قرار القاهرة بتخصيص 500 مليون دولار لإعادة الإعمار في غزة، قد جاء كتدرج لرد فعل الأولى على تعنت إسرائيل برفض مبادرات التهدئة على مدار الأسبوع الماضي، ومن ثم حتمية تدخل أميركي داعم لسيناريو التهدئة المصري من باب تقليص الخسائر السياسية والأمنية التي لحقت بتل أبيب.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي، يأتي القرار المصري وكواليس إخراجه على هامش مؤتمر باريس كمتغير نوعي؛ حيث أنه للمرة الأولى يتم تفعيل ورقة إعادة الإعمار كتوجه سياسي وليس تكتيك طارئ، واحتمالية أن يكون ذلك عبر حوامل إقليمية ودولية لن تقتصر على مصر فقط، وهو سقف لم تبلغه تحركات القاهرة من قبل، ربما كان الهدف منه تسريع المباركة الأميركية على وساطة التهدئة وفرضها أميركياً على نتنياهو، تمهيداً للعودة لطاولة المفاوضات وما سُميَ بـ”عملية السلام” وحل الدولتين.

ماذا يعني وماهي الدلالات؟

 التبدل من رفض وتعنت نتنياهو القبول ببنود الوساطة والتهدئة المصرية خلال الأسبوع الماضي، إلى القبول بها أمس الأول، يشير إلى مصادقة إدارة بايدن على دور وجهود مصر كممر إلزامي وحيد للتهدئة في فلسطين المحتلة، خاصة مع عجز أي وسيط إقليمي أخر القيام بدور القاهرة بما يتسق مع توجهات الإدارة الأميركية الجديدة فيما يخص سياساتها الخارجية، وتحديداً في الشرق الأوسط.

كذلك يأتي الاتصال في سياق تحرك أميركي على مختلف المستويات والاتجاهات، للحيلولة دون توسع دائرة الحرب وإطالة مداه الزمني، خاصة مع ميل التوازنات اقليمياً ودولياً وحتى داخل الحزب الديموقراطي، لغير صالح نتنياهو وحكومته المتأرجحة، المنبثقة بصعوبة عن انقسام في الطبقة السياسية الإسرائيلية أحد محاوره كيفية وأولويات إدارة العلاقات الإسرائيلية العربية، ولامعقولية تهميش دور القاهرة وعمان فيها لحسابات نتنياهو الانتخابية.

التحرك الأميركي عكس أيضاً التوجه الغالب لإدارة بايدن في مباشرة سلم أولويات سياساتها الخارجية في الشرق الأوسط، طبقاً لمحددات مصالح واشنطن الاستراتيجية الكلاسيكية، وعلى رأسها أمن إسرائيل وأمن الملاحة.

كذلك تشي التوجهات الأميركية أن تحقيق السابق سيتم بالتعاون مع شركاء اقليميين كلاسيكيين كذلك، وتحديداً مصر والأردن، حيث ارتبط دور البلدين عضوياً ووظيفياً بالمحدد الأول؛ فبالتوازي مع مكالمة بايدن للسيسي، أجرت نائبة الأول، كامالا هاريس، اتصالاً بالعاهل الأردني، عبدالله الثاني، تناولا خلال سُبل تثبيت التهدئة في فلسطين المحتلة، لاسيما مدينة القدس، وذلك كأحد فاعليات ما أسماه كل منهما بـ”التعاون الوثيق وتعزيز الشراكة وضمان الاستقرار الإقليمي”.

وبالنسبة للمحدد الثاني، فإن دور مصر يتسع لاعتبارات جيوسياسية، ليشمل ما أسمته مختلف البيانات الرسمية الأميركية في الشهور الأخيرة، بـ”الجهود المشتركة والتعاون في تأمين الملاحة”، لاسيما البحر الأحمر وشرق المتوسط وقناة السويس، لاسيما مع ربط القاهرة أمن الملاحة والاستقرار الإقليمي بمحددات أمنها القومي، وعلى رأسها ملف سد النهضة.

يذكر أن أول تحرك رسمي من إدارة بايدن تجاه مصر جاء عبر مصادقته على صفقة أسلحة متنوعة، لاسيما البحرية منها، والتي قد أقرها البنتاجون في وقت سابق، وهو ما يدل على أن هناك تلاقي بين القاهرة وواشنطن في المدى المتوسط لاستعادة المؤسساتية كنمط لإدارة العلاقات والمصالح المشتركة بينهما.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية