مصطفى مشهور... ظل سيد قطب في تنظيم الإخوان

مصطفى مشهور... ظل سيد قطب في تنظيم الإخوان

مصطفى مشهور... ظل سيد قطب في تنظيم الإخوان


06/04/2025

ما كاد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ينتهون من مراسم دفن جثمان المرشد الرابع للجماعة، محمد حامد أبو النصر، حتى نادى فيهم المستشار مأمون الهضيبي أن هلمّوا لتقديم البيعة للمرشد الخامس، الحاج مصطفى مشهور، فيما أطلق عليها، "بيعة المقابر"، وهي طريقة للبيعة تخالف لائحة مكتب الإرشاد.

ذكر الواقعة أمير الجماعة الإسلامية في السبعينيات، عضو جماعة الإخوان المسلمين السابق ومؤسس حزب الوسط، أبو العلا ماضي، في سلسلة مقالات نشرها موقع الحزب، بعنوان "مصطفى مشهور... شخصيات عرفتها"، جاء فيها: "عند وفاة السيد حامد أبو النصر في نهاية كانون الثاني (يناير) 1996، اختير الأستاذ  مصطفى مشهور مرشداً بطريقة غير لائحية، حين أعلن المستشار مأمون الهضيبي ما عُرف بـ "بيعة المقابر"، ولو لجأ إلى الطريق اللائحي لتمَّ اختيار الأستاذ  مصطفى مشهور مرشداً أيضاً، فقد كان هو المرشد الفعلي، وله قبول عند معظم قيادات الجماعة في ذلك الوقت، واحتار الناس لماذا فعل المستشار مأمون الهضيبي ذلك!".

مبايعة مصطفى مشهور حدثت بطريقة غير لائحية حين أعلن مأمون الهضيبي "بيعة المقابر".

الرجل الثاني في النظام الخاص

يضيف أبو العلا ماضي في مقالاته أنّ المرشد الخامس للجماعة وُلد في 15 أيلول (سبتمبر) عام 1921 في قرية "السعديين" مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية في دلتا مصر، وتُوفي في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2002 عن عمر تجاوز (81) عاماً بقليل.

دخل مشهور الكُتَّاب في قريته مدة سنتين، ثم المرحلة الأولى من التعليم، ثم دخل المرحلة الثانوية في مركز منيا القمح مدة سنتين، ثم أكمل المرحلة الثانوية بالقاهرة والتحق بعدها بكلية العلوم، جامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليّاً"، وتخرج فيها عام 1942، وعُيِّنَ بعد تخرُّجه بالأرصاد الجوية بوظيفة "متنبّئ جوي"، ونُقل إلى الإسكندرية ليقضي سنة تحت التمرين، ثم عاد إلى القاهرة لممارسة عمله كمتنبّئ جوي، وفي عام 1954م أُبعد إلى مطروح، واعتُقل هناك، وأُودع في السجن الحربي.

تعرف الحاج مصطفى مشهور بالإخوان عام 1936 أي وهو طالب بالمرحلة الثانوية حين وصل إلى القاهرة، وذهب إلى مقر الإخوان بالحلمية، واستمع للمرشد الأول حسن البنا في درس الثلاثاء الأسبوعي، ولم تحدِّد المصادر تاريخ انضمامه بالضبط للإخوان بعد تعرُّفه عليهم، وأيضاً لم تذكر أيُّ مصادر أيَّ نشاط له في تشكيلات الجماعة العلنية المعروفة.

المرشد الخامس لجماعة الإخوان المسلمين: مصطفى مشهور

غير أنّ مشهور كان الرجل الثاني في التنظيم الخاص للجماعة، إلى جوار (4) آخرين، كما ذكر محمود الصباغ في كتابه: "حقيقة النظام الخاص ودعوة الإخوان المسلمين"، وهم بالترتيب نفسه الذي أورده الصباغ في كتابه: عبد الرحمن السندي، ومصطفى مشهور، ومحمود الصباغ، وأحمد زكي، وأحمد حسانين. وجاءت عضوية مشهور في النظام الخاص، الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يزال طالباً في الجامعة، بعد أن انضم للجماعة وهو طالب في الثانوية.

قضية السيارة الجيب

بدأت رحلة مصطفى مشهور مع الاعتقالات التي وصلت إلى قضائه (19) عاماً في السجن عام 1948، عندما قبض عليه في القضية المشهورة بأدبيات الإخوان تحت اسم، "قضية السيارة الجيب"، ويقول عنها أحمد عادل كمال في كتابه "النقط فوق الحروف": إنّ مجموعة من النظام الخاص كانت تتلقى دروساً في بيوت أعضائها حول مختلف أنواع الأسلحة، ولا سيّما المسدسات والقنابل اليدوية والمتفجرات والقنابل والتوصيلات الكهربائية لتفجير الشحنات الناسفة. كذلك كانت هناك رسائل ومطبوعات خاصة بتلك الدراسات، هذا فضلاً عن التقارير التي كان يحررها إخوان النظام لهدف من الأهداف أو عملية من العمليات، يقول عادل كمال في كتابه: "هذه الأوراق والعديد من الأسلحة التي ذكرناها كانت في حاجة إلى مكان لتحفظ فيه. وكنا قد استأجرنا شقة بحيّ الدمرداش وضعت هذه الحاجيات في إحدى حجراتها...، "ثمّ رئي التخلص من هذه الشقة".

اتفق أعضاء النظام الخاص على نقل الأوراق والأسلحة إلى شقة أخرى بالعباسية، واستخدموا في عملية النقل سيارة جيب كانت مملوكة للنظام الخاص، وأثناء نقل الأوراق شكّ مخبر في البوليس السرّي في المجموعة الواقفة أسفل الشقة وهي تضع أوراقها في السيارة، وقام بمهاجمتهم والقبض عليهم.

ورغم أنّ مصطفى مشهور لم يكن ضمن تلك المجموعة إلا أنّ حظه السيّئ وضعه سجيناً في تلك القضية، ويقول كمال: "هنا مرّ من المنطقة مصطفى مشهور أحد المسؤولين الـ (5) عن النظام يحمل حقيبة جلدية بها مجموعة خطيرة من أوراق النظام، وتصايح به الناس أنّه هو الهارب المطلوب، وقبضوا عليه، وشهد الشهود الذين استحضرهم البوليس أنّه كان معنا في السيارة!".

مشهور الرجل الثاني في التنظيم الخاص للجماعة، إلى جوار (4) آخرين، كما ذكر محمود الصباغ.

النظام الخاص والصدام من المرشد الثاني للإخوان

قضى مشهور (3) سنوات في السجن على خلفية السيارة الجيب، خرج بعدها في مرحلة عاصفة من تاريخ جماعة الإخوان؛ إذ قرر مرشد الإخوان الثاني المستشار حسن الهضيبي حلّ النظام الخاص، وبدأ بالفعل في إبلاغ أعضاء النظام الخاص بقرار الحل، واستخدم في إبلاغهم بالقرار عضو النظام الخاص سيد فايز، وكان رد السندي وأعضاء النظام الخاص هو اغتيال فايز بعبوة ناسفة أرسلوها إلى منزله، وأورد القصة كاملة والتحقيقات فيها محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، وعلى خلفية عملية الاغتيال فُصل من الجماعة (3) من الـ (5) المسؤولين عن النظام، ولم يكن من بينهم مشهور وأحمد حسانين، لأنّه لم يثبت عليهما الاشتراك في عملية الاغتيال.

تبلور جماعات العنف الديني

تعرّض مشهور للسجن مرة أخرى عام 1954، على خلفية "حادث المنشية" الذي حاولت فيه جماعة الإخوان اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ثم تعرّض للاعتقال مرة ثالثة عام 1965 على خلفية قضية محاولة إحياء جماعة الإخوان، والمتهم فيها سيد قطب، وقضى مشهور على خلفية ذلك الاعتقال (10) سنوات في السجن، شهد فيها أهم مرحلة من تاريخ جماعات الإسلام السياسي التي شهدت تبلور جماعات العنف الديني، والنموذج لذلك "جماعة المسلمين"، المشهورة إعلاميّاً باسم "جماعة التكفير والهجرة"، التي أسسها داخل المعتقل عضو جماعة الإخوان السابق شكري مصطفى، بذلك شهد مشهور مرحلة النظام الخاص داخل جماعة الإخوان المسلمين، وشهد أيضاً تحولات تنظيم 1965 داخل السجون، وهما أشهر جناحين نسب إليهما التطرف داخل جماعة الإخوان المسلمين.

قسم الشباب والجامعات

شهدت مرحلة السبعينيات تحولاً كبيراً في تاريخ جماعات الإسلام السياسي المعاصرة، وأفرد لها النظام الحاكم في مصر مساحة كبيرة جداً للعمل في الشارع دون أيّ معوقات، وشهدت تلك المرحلة أيضاً خروج الأعضاء السابقين في تلك الجماعات من المعتقلات، وكان أبرز من أفرج عنهم مصطفى مشهور، ويقول عنه الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي ثروت الخرباوي، في دراسة بعنوان "مصطفى مشهور المجهول": "واحد من أكبر التكفيريين في العصر الحديث، وكلّ أدواته هي قدراته التنظيمية، وهو واحد من أبرز رجال النظام الخاص الذين مارسوا الاغتيالات في فترة الأربعينات".

عضو جماعة الإخوان المسلمين السابق ومؤسس حزب الوسط: أبو العلا ماضي

ويقول أبو العلا ماضي في سلسلة مقالاته: "بدأ رجال النظام الخاص الذين بقوا في الجماعة -وعلى رأسهم مصطفى مشهور، وأحمد حسانين، وكمال السنانيري، والدكتور أحمد الملط، والحاج حسني عبد الباقي وآخرون- تولِّي مهمَّة إعادة بناء الجماعة والسيطرة على قيادتها بعيداً عن آخر تشكيل لمكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية للجماعة أو من بقي منهم حيّاً".

يضيف ماضي: "تولَّى مصطفى مشهور قسماً مهمّاً في الجماعة أطلقوا عليه الشباب والجامعات، وتُعتبر الجامعات المكان الذي كان فيه حركة إسلامية طلابية مستقلة، وأراد الإخوان أن يضمُّوا أفرادها إلى الجماعة".

صعود الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية دفع الإخوان إلى محاولة الاستفادة من انتشار فكر التيار الديني بين الشباب، عن طريق استقطاب هؤلاء الشباب إلى الجماعة، واللافت للانتباه أنّ اثنين أُسندت المسؤولية إليهما لاستقطاب الشباب إلى الجماعة، الأوّل مصطفى مشهور، وكان مسؤولاً عن شباب الصعيد، وأسهم بشكل كبير في استقطاب العديد من أعضاء الجماعة الإسلامية بالصعيد للانضمام لجماعة الإخوان، والثاني كمال السنانيري، الذي كان مسؤولاً عن ضم أعضاء الجماعة الإسلامية بالقاهرة، وطبقاً لما ذكره عبد المنعم أبو الفتوح في كتابه "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"، فإنّ المسؤول عن تجنيده كان كمال السنانيري، ويتضح أنّ إسناد تلك المهمة كانت لاثنين من أبرز أعضاء النظام الخاص لجماعة الإخوان!

لعب مصطفى مشهور دوراً متميزاً في تنظيم وإعادة هيكلة وتقوية التنظيم العالمي.

التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين

يشير أبو العلا ماضي في سلسلة مقالاته إلى أنّه عند أحداث التحفظ الشهيرة التي قام بها الرئيس السادات، أخبر أحد أطراف الدولة الأستاذ مصطفى مشهور نيّة أجهزة الدولة اعتقاله، فسافر إلى الكويت ثم إلى ألمانيا قبيل الاعتقالات بأيام.

مكث مشهور منذ نهاية عام 1981 حتى عام 1986 ما بين الكويت وألمانيا، وإن كانت الفترة الأطول بألمانيا، وفي هذه الفترة أسَّسَ لأوّل مرة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، واعتمد لائحةً له، وذلك في عام 1982.

ذكر موقع "بوابة الحركات الإسلامية" عن ذلك التأسيس: "ولعب مصطفى مشهور بشكل خاص دوراً متميزاً في تنظيم وإعادة هيكلة وتقوية التنظيم العالمي، لذا يراه محللون بمثابة الأب الروحي للتنظيم. وهذا الدور الذي لعبه مشهور، حتى قبل أن يصبح مرشداً عامّاً للجماعة، كان يتجاوز في سلطته على مقاليد التنظيم سلطات المرشد العام عمر التلمساني، وبعده حامد أبو النصر، وبات غير خفي أنّ كل خيوط التنظيم تبدأ وتنتهي عند الرجل الحديدي مشهور".

عند وفاة السيد حامد أبو النصر المرشد الرابع للجماعة في نهاية كانون الثاني (يناير) 1996، بويع مصطفى مشهور مرشداً، واستمر المرشد الخامس في موقعه حتى وفاته في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

الصفحة الرئيسية