
ترجمة: محمد الدخاخني
في الأسبوع الماضي كان الزعماء الإسرائيليون واللبنانيون والأمريكيون منشغلين بالتصفيق لأنفسهم والإعلان عن اكتمال اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان. وتباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بانتصار إسرائيل وبتحولها إلى القوة المهيمنة بلا منازع في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وأعلن حزب الله عن "نصر إلهي" أعظم من النصر الذي حقّقه في عام 2006. وفي الوقت نفسه كان الزعماء الأمريكيون يهنئون أنفسهم على قيادتهم لتسوية يأملون أن "تعزز السلام والازدهار على نطاق أوسع في المنطقة".
إنّ القول بأنني متشكك في كل هذا أقلّ من الحقيقة. ففي الوقت الحالي على الأقل سوف ينعم اللبنانيون ببعض الراحة من القصف الإسرائيلي المتواصل. وسوف تبدأ القوات الإسرائيلية في الانسحاب من جنوب البلاد. ومع ذلك، فأنا لا أفتح "الشمبانيا" للاحتفال. فقد مات الكثيرون، وزرع الكثير من المرارة، ولم نتعلم أيّ دروس، وما زال العديد من القضايا بلا حل. فعواقب هذه الحرب لها حساباتها، كما هي الحال دائماً.
إنّ الأضرار المادية الهائلة التي لحقت بلبنان وشعبه مذهلة. فقد قتل نحو (4) آلاف شخص وأصيب آلاف آخرون. وتشير تقارير الوكالات الدولية إلى أنّ (1.3) مليون شخص أجبروا على الفرار من منازلهم - بعضهم اضطر إلى ذلك أكثر من مرة - وأنّ أكثر من (100) ألف منزل دُمّر، إمّا بالقصف وإمّا بالجرافات التي هدمت مناطق بأكملها على يد القوات الإسرائيلية في القرى الحدودية.
وفي إعلانه وقف إطلاق النار، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: إنّ الإسرائيليين واللبنانيين يستطيعون الآن العودة إلى منازلهم، باستثناء أنّ مئات الآلاف من اللبنانيين لم تعد منازلهم قائمة. ومن المهم أن ندرك أنّ وقف إطلاق النار مؤقت، وأنّ شروطه غير متوازنة على الإطلاق.
لقد أخطأ حزب الله مرة أخرى، كما فعل في عام 2006. ربما بدا من الجدير أن نبدي تضامننا مع الفلسطينيين في غزة. ولكنّ حزب الله كان بذلك يركل عش دبابير لا تعرف قسوته حدوداً ولا يواجه أيّ قيود. وقد ردّت إسرائيل وكأنّها تتمتّع بإفلات تامٍّ من العقاب، منتهكة بذلك كل معايير القانون الدولي والسلوك المتحضر.
في هذه المرحلة، لا شك أنّ حزب الله قد ضعف. فهو سيضطر إلى الانتقال إلى الشمال من نهر الليطاني. كما خسر ادعاءه بأنّه رادع مخيف ضد الهيمنة الإسرائيلية. ويبقى أن نرى إلى أيّ مدى سوف يتمكن من استخدام وجوده المسلح كحرس يحمي النظام البائس في لبنان.
وبغضّ النظر عن وقف إطلاق النار، يعاني لبنان من مشاكل داخلية لا بدّ من معالجتها، ولكن الآن، في أعقاب هذه الحرب، أصبحت احتمالات معالجتها أقل.
صحيح أنّ حزب الله يلعب دوراً في الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية. ولكن من الخطأ أن ننظر إلى الأمر من هذا المنظور فقط. إنّ ما أدى إلى ولادة هذه الحركة هو المشاكل الداخلية في لبنان. فحزب الله يمثل مجتمعاً من الشيعة يشعر بالظلم والغبن لأنّه لم يُعامل بشكل منصف في الشؤون اللبنانية. كما عانى الشيعة من عواقب حرب إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي انتهت باحتلال الجيش الإسرائيلي لقراهم لأكثر من عقدين من الزمان. ومع إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها في عام 2000، نمت مكانة حزب الله.
لقد اشتكى العديد من الشيعة من حرمانهم من حقوقهم، وهم غير راغبين، خاصة بعد ما تحملوه مؤخراً، في قبول وضع التبعية.
وبينما من المهم، كما يقول البعض، أن "يلم لبنان شتاته" وينتخب رئيساً جديداً ويشكل حكومة، فإنّ هذا ليس كافياً على الإطلاق. بل لا بدّ من الإصلاح ووضع حد للنظام الطائفي الفاسد الذي عفى عليه الزمن. وسواء ألقينا اللوم على حزب الله في هذه الحرب أم لا، فإنّ عدم تنفيذ إصلاح حقيقي سوف يؤدي إلى نشوء توترات واضطرابات من شأنها أن تستمر في تعريض تعافي البلاد للخطر.
كان من المخيف والمزعج أن نستمع إلى نتنياهو وهو يتفاخر بنجاحاته العظيمة في تحدي الرأي العام العالمي والانتصار، كما وصف الأمر، ضد كل أعداء إسرائيل. وقد ذهب إلى أبعد من ذلك بالتهديد بمواصلة استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تُضاهى لضمان أمن إسرائيل وهيمنتها. ولكن هنا أيضاً ثمّ حسابات يجب القيام بها.
وكما تعلمنا من الحروب الماضية، هناك جروح لا تلتئم.
حتى الآن، يبدو أنّ نتنياهو ومعظم الناخبين الإسرائيليين لم يتعلموا أيّ درس على الإطلاق. فالثقة العمياء بالنفس، التي شجعها الدعم الأمريكي، تحولت إلى شعور سرطاني بالقدرة على الإفلات من العقاب. ويواصل الإسرائيليون حملتهم الوحشية في غزة وعزمهم على تدمير حماس. ولكن من الواضح بشكل متزايد أن ّهذا ليس هدفهم الوحيد. فهناك أيضاً تصفية الوجود الفلسطيني في معظم غزة وإقامة نظام دائم هناك. وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية ينوي الإسرائيليون إخضاع وضم المزيد من المناطق وتوسيع وجودهم الاستيطاني.
قد يبدو الجيش الإسرائيلي مهيمناً، ولكن من المؤسف أنّ الإسرائيليين ليسوا أكثر أماناً. وحتى الآن يقعون ضحية للمقاومة التي يولدها الغضب إزاء سياسات الاحتلال الوحشية. ولن يشعروا بالأمان أو يحققوا قبولاً إقليمياً أوسع حتى يتغيروا. وبالنظر إلى السيطرة التي يتمتع بها اليمين المتطرف على السياسة الإسرائيلية، فإنّ التغيير لن يأتي في أيّ وقت قريب.
وعلى الرغم من أنّ الإخفاقات التي ارتكبتها القيادات اللبنانية والإسرائيلية قد تكون مؤلمة، فإنّ إخفاقات صناع السياسات الأمريكيين أسوأ، لأنّهم يتحملون مسؤولية كبيرة عمّا حدث، وليس فقط خلال العام الماضي.
لعقود من الزمان، غضت الولايات المتحدة الطرف عن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وسياسات الإسرائيليين التي خربت عملية السلام، وساهمت في انهيار الحكم الفلسطيني وصعود حماس، وإخضاع الشعب الفلسطيني، وتمكين اليمين المتطرف في إسرائيل. لكن بدلاً من التحلي بالمسؤولية تجاه هذه الفوضى التي ساعدت في خلقها، تقوم أمريكا الآن بتسليح إسرائيل بكل شراسة وتغطية جرائمها في المحافل الدولية.
إنّ "الصفقة" التي تفاوضت عليها أمريكا بين إسرائيل ولبنان لا تعالج أيّاً من الأسباب الجذرية للصراع، بل تمنح إسرائيل فقط حرية أكبر في متابعة هدفها المتمثل في "السلام الإسرائيلي"، وهو سلام من المؤكد أنّه سوف يؤدي إلى المزيد من الصراع، وليس إلى السلام الإقليمي الأوسع المأمول.
المصدر:
جيمس زغبي، ذي ناشيونال نيوز، 2 كانون الأول (ديسمبر) 2024