مساعٍ لأسلمة أوروبا... هل أدركت النخب الغربية الحاكمة خطورة جماعة الإخوان؟

مساعٍ لأسلمة أوروبا... هل أدركت النخب الغربية الحاكمة خطورة جماعة الإخوان؟

مساعٍ لأسلمة أوروبا... هل أدركت النخب الغربية الحاكمة خطورة جماعة الإخوان؟


13/04/2025

أعاد تقرير لوزارة الداخلية الفرنسية، حول الإسلام السياسي، وحركة الإخوان بالبلاد ونشاطها الذي يهدد "تماسك المجتمع الفرنسي"، أعاد الحديث عن احتضان بعض الحكومات الأوروبية للإخوان المسلمين. 

وعلى مدى (4) عقود رحّبت الحكومات الأوروبية بمئات القادة الإسلاميين في بلدانها. بعضهم فعل ذلك لأسباب سياسية واستراتيجية، والبعض الآخر مدفوعاً باعتبارات حقوقية. لكنّ المؤكد أنّ نوايا هؤلاء الوافدين "الغريبين" لا علاقة لها بتوقعات السلطات الأوروبية ودوافعها. 

ووفق مقالة للكاتب عمار مرياش نشرها المركز العربي لدراسات التطرف، فإنّ هؤلاء الإسلاميين يستغلون بخبث الحريات التي تضمنها الديمقراطيات الغربية التي يبغضونها بشدة. والأسوأ من ذلك أنّهم لا يتورعون عن نشر خطاب انفصالي بين المسلمين المقيمين في الغرب، وتشجيعهم على المطالبة بحقوق "حصرية" محددة، وفي نهاية المطاف تطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعاتهم.

وأكد الكاتب أنّ هدف الإخوان المسلمين هو أسلمة هذا الغرب الذي لا يبالي بمخططاتهم الدنيئة، لقد ارتكب الكثيرون في الغرب أخطاء فادحة في تحليلهم للطبيعة الإيديولوجية للإخوان المسلمين؛ ممّا أدى إلى سوء فهم لأهدافهم الحقيقية، لدرجة أنّ العديد من العلماء والسياسيين في أوروبا اعتبروهم مسلمين معتدلين قادرين على التعايش مع القيم والقوانين الديمقراطية الحديثة.

وأشار مرياش إلى أنّ قناع الاعتدال المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين خدع العديد من الأوروبيين والأمريكيين، الذين اطمأنوا لخطاب "ناعم" و"ودود" لا علاقة له بالخطاب الإسلاموي الأصلي، الذي صيغ باللغة العربية واستهدف في البداية أنصار الجماعة، ثم المسلمين بشكل عام. 

أشار مرياش إلى أنّ قناع الاعتدال المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين خدع العديد من الأوروبيين والأمريكيين

وتابع الكاتب: "تتجلى هذه الازدواجية اللغوية بوضوح عند التمعن في كتابات الإخوان المسلمين شبه التصالحية المنشورة بالفرنسية، والأفكار الهدامة والعنيفة التي ينشرونها على مواقعهم الإلكترونية وفي صحفهم العربية. وقد استخدم الإخوان المسلمون الجزائريون هذا الأسلوب، على سبيل المثال، خلال حملاتهم الانتخابية في تسعينيات القرن الماضي، حين خاطبوا القراء الناطقين بالفرنسية بمفردات أقرب إلى العلمانية، بينما استخدموا خطاباً يمجّد التطرف والمتطرفين عند مخاطبتهم القراء الناطقين بالعربية".

وأضاف مرياش: نجحت هذه الحيلة حتى وقوع الهجمات الدامية في فرنسا وأوروبا على يد الجهاديين. حينها وجد السياسيون والباحثون والصحفيون وغيرهم من مروّجي "إسلام التنوير" أنفسهم أمام إنكارهم الخاص. وخصصت أقليّة منهم وقتاً لفحص الوجه الحقيقي لهذه الجماعة، وطريقة عملها، ومواقفها، وأفعالها عبر التاريخ. وأخيراً أُميط اللثام عن حقيقة جماعة الإخوان المسلمين من خلال الكتب والتحقيقات والتقارير والمقالات الصحفية التي تُشرّح وتحلل خطابها، كاشفة عن فاشية بعض قادتها وحلفائهم في الغرب، الذين يديرون العديد من المساجد والمراكز الثقافية المزعومة.

ارتكب الكثيرون في الغرب أخطاء في تحليلهم للطبيعة الإيديولوجية للإخوان، لدرجة أنّ علماء وسياسيين في أوروبا اعتبروهم مسلمين معتدلين قادرين على التعايش.

وقال مرياش: "هكذا بدأ الرأي العام في الغرب يكتشف شيئاً فشيئاً العالم المظلم والهياكل السرّية لجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا، جدّ طارق وهاني رمضان. وما إن انكشف أمرهم، حتى لجأ الإخوان إلى التخفي، مستخدمين التقية؛ أي التعامل بالنفاق والمراوغة، محاولين بكل الوسائل تمييز أنفسهم عن الجهاديين، وتجميل صورتهم. لكن دون جدوى، لأنّ صلاتهم السرّية بالجماعات الإسلاموية العنيفة، ومخططاتهم، ومؤامراتهم، وتورطهم في الاغتيالات، وتعاونهم مع الرايخ الثالث، أصبحت الآن معروفة وموثقة.

وأضاف الكاتب السياسي: "كشف محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين (2004-2010)، عمّا يخطط له أتباع حسن البنا على مدى عقود، قائلاً: "هدف الإخوان المسلمين هو إقامة دولة إسلامية عالمية. نحن ـ المسلمين ـ نهاجر إلى جميع أنحاء العالم، وما زال أمامنا طريق طويل قبل أن نتمكن من السيطرة على أوروبا".

وتابع صفوت حجازي، أحد أبرز مفكّري الإخوان المسلمين، يلخص مشروع الإخوان بعبارات واضحة: "على قارئ كتابات الإخوان ألّا يغيب عن باله أمران: الخلافة والهيمنة على العالم. نعم، سنكون يوماً ما سادة العالم".

وقال: في تحريضه المسلمين المقيمين في الغرب على التعصب الطائفي، يطرح يوسف القرضاوي حجة غريبة، داعياً المسلمين في الغرب إلى "الاقتداء باليهود" بالانعزال في غيتوهات!: "قلت لإخواننا في الخارج: حاولوا أن تُنشئوا لأنفسكم مجتمعاً صغيراً في المجتمع الكبير، وإلا ستذوبون في الغرب كما يذوب الملح في الماء، وما أنقذ اليهودية في القرون الماضية هو مجتمعها الصغير المعروف باسم غيتو اليهود. حاولوا أن يكون لكم مجتمعكم الخاص".

صفوت حجازي، أحد أبرز مفكّري الإخوان المسلمين

وبالرغم من تشديد الإجراءات لمواجهة التنظيم داخل المجتمعات الأوروبية منذ عام 2021 في ضوء استراتيجية شاملة أقرّها الاتحاد الأوروبي لمواجهة الإرهاب والتطرف، عقب هجمات دامية استهدفت عدة عاصم أوروبية، وثبت تورط عناصر منتمية لتنظيمات إسلامية بها، بالرغم من هذه الإجراءات الصارمة لمواجهة التوغل الإخواني، إلا أنّ الجماعة ما تزال تمثل خطرًا محدقًا على المجتمعات الأوروبية بوجه عام، فيما تتوالى التحذيرات الأمنية والاستخباراتية من  مغبة التواجد الإخواني داخل دول أوروبا.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، يتكون البناء التنظيمي داخل جماعة الإخوان من مجموعة من الخلايا تشكل الأسرة التنظيمية النواة الأولى، وتتكون الأسرة عادة من (4 -7) أشخاص، ينتخب أحدهم نقيباً للأسرة ويمثلها أمام رئيس الشعبة الإخوانية، وهي رتبة تنظيمية أعلى، وتتلقى الأسرة برنامجاً تربوياً عبارة عن برنامج ثقافي وجزء اجتماعي يشمل التعارف والتفاهم والتكافل وبرنامج تربوي، والأهم برنامج رياضي أقرب إلى التدريبات العسكرية، يختص بالشباب والنشء بحسب المراحل العمرية المشاركة فيه، وتعرف المجموعة المشاركة في هذا البرنامج الأخير باسم "الكتيبة" نسبة إلى المجموعات العسكرية في الجيوش.

ويشبه البناء التنظيمي لجماعة الإخوان الشكل الهرمي، يترأسه المرشد العام، يليه مكتب الإرشاد ثم مجلس الشورى العام، يليه القطاعات واللجان والمكاتب الإدارية، ويمثل التنظيم الدولي بلائحة منفصلة ملحقة باللائحة المنظمة لعمل الجماعة المركزية في مصر، وبناء مستقل يترأسه مرشد الإخوان أيضاً، لكنّ المشرف عليه هو أمين التنظيم الدولي وله مجلس شورى منفصل.

التقديرات تؤكد أنّ "الإمبراطورية المالية" لجماعة الإخوان في أوروبا تتنوع ما بين البنوك والاستثمارات المالية والشركات، والتجارة الحلال، و"الأوف شور".

وتعمل جماعة الإخوان داخل أوروبا تقريباً وفق الآلية نفسها التي تمارسها في دول الشرق الأوسط من حيث شكل البناء التنظيمي والهيكل الداخلي، وكشف تقرير تلفزيون ولاية بافاريا الألمانية تفاصيل عن "الخلايا السرّية" التي يشكّلها تنظيم الإخوان، لتسهل عمل عناصره وتجذب المزيد من التابعين، والتي تُعرف بـ "الأُسر". وأكد "المكتب الاتحادي لحماية الدستور" في ولاية شمال الراين وستفاليا وجود ما يُعرف بـ "خلايا الأُسرة" في أوروبا الغربية.

وحول المنظمات والمؤسسات التابعة للإخوان، التي تمّ تأسيسها في الدول الأوروبية تحت غطاء القانون لكنّها تعمل وفق أهداف التنظيم وعلى تحقيق أجندته الخاصة، وبحسب المعلومات المتاحة في هذا الصدد، تُعدّ أبرز تلك المؤسسات الرابطة الإسلامية في بريطانيا، والمجلس الإسلامي البريطاني، والهيئة الدينية الإسلامية في النمسا، والتجمع الإسلامي في ألمانيا، ومنظمة "رؤية" الألمانية، ومنظمة المرأة المسلمة في ألمانيا، والمجلس الإسلامي في برلين، والمركز الإسلامي في ميونيخ.

أمّا حول الشبكات المالية للإخوان، فقد قال المركز العربي في دراسة له: إنّه بالرغم من عدم توافر أرقام دقيقة ومحددة حول "الإمبراطورية المالية" لجماعة الإخوان في أوروبا، إلا أنّ التقديرات تؤكد أنّها شبكة ضخمة متعددة الأوجه، تتنوع ما بين البنوك والاستثمارات المالية المصرفية والشركات في مختلف القطاعات، والتجارة الحلال، و"الأوف شور"، ويقصد بـ "الأوف شور أنّها "شركات يتم تأسيسها في دولة أخرى غير الدولة التي تمارس فيها جماعة الإخوان نشاطها، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير يجعلها بعيدة عن الرقابة، وهو ما جعلها تنجح حتى الآن في عدم لفت أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونية التي تطارد هياكل تمويل الإرهاب، في كل أنحاء العالم"، وتُعدّ من أهمّ الروافد التمويلية لجماعة الإخوان.

فهل أدركت النخب الغربية الحاكمة خطورة جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى لأسلمة العالم؟ وهل ستدرك الطبيعة الشمولية والتوسعية للحرب الإيديولوجية التي تشنّها على الغرب والبشرية جمعاء؟.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية