مخاطر المشروع "الإسلامي الحركي"

مخاطر المشروع "الإسلامي الحركي"


22/12/2020

سالم سالمين النعيمي

بدأ تفخيخ الفكر الإسلامي منذ أن تم التعامل مع الدين الإسلامي كفكر يُسخَّر لكسب معارك الرأي، ومن ثم كتدُّرج تاريخي طبيعي فتح الباب على مصراعيه للتنظير الأيديولوجي، وهو ما كان بمثابة الانطلاقة الحقيقية الأولى لتغذية راديكالية التفكير والتأويلات، التي جاءت لاحقاً لتفسير مقاصد الشريعة، وركوب الموجة من قِبل من أخذوا على عاتقهم تباعاً قيادة المشروع الإسلامي الحركي. وكانت الأزمات التي مرت بها الأمة الإسلامية أرضاً خصبة، وخاصة أطروحات مرحلة الإفلاس القيمي والأخلاقي الذي تمرُّ به الأمة، وأن من يملك القيم هو الإسلام وحده، وأن المسلمين فشلوا مراراً في ترجمة البعد النظري وتحويله إلى واقع تطبيقي، لأن المشروع الإسلامي المثالي- من وجهة نظر مروجي هذه الأطروحات- لم ير النور، ولكي يحدث ذلك لا بدَّ أن «تتربع» حركات الإسلام السياسي على سِدّة الحكم.
وتعتقد التنظيمات الإسلامية الحركية أن ما يحدث للأمة هو مجرد انحراف قابل للتعديل. وقد تعددت أشكال المطالبات، ما بين إصلاح الدين نفسه وإصلاح الأخلاق والتعليم و.. والقائمة تطول، وذلك من أجل إعادة النظر في مقومات الأمة، ونسف مفهوم الأرض والجغرافيا كمحدد لمفهوم الأمة، والدعوة إلى نظام يتسم في طياته ببعد إمبريالي، وهو ما تراهن عليه الحركات الإسلامية؛ نظراً لتعطش الجماهير المسلمة إلى عودة المجد الغابر الذي يشغل حيزاً كبيراً من وجدانها وأحلامها. وترى هذه الجماهير في كل من يعيد إليها بصيصاً من الأمل في ذلك - ولو كان في حقيقته وهماً خادعاً- بطلًا أسطورياً يقف في وجه الطوفان. وحتى لو قتل هذا البطل أو ارتكب المجازر، يبقى التعاطف غير المعلن مع صورة البطل المخلِّص. وهذه هي المساحة، التي تعمل عليها جميع التنظيمات - بغض النظر عن الدافع والمنطلق والثقافة التي تأتي منها- في سعيها إلى التأسيس لمجتمع خاص داخل المجتمع الأكبر، كما هو حادث في بعض الدول الإسلامية اليوم، والدعوة إلى القطيعة مع مفاهيم الدولة بنسختها الدستورية، وتقسيم العالم إلى معسكرين: أولهما معسكر المدافعين عن الحق والفضيلة وحراس الدين، والثاني معسكر المناهضين لكل ما هو فاضل وأخلاقي.
وفي الفكر الحركي، يُعتبر أفراد المجتمع غير المنتمين إلى هذه التنظيمات - سواء من المسلمين أو من غيرهم - مناهضين لرسالة الدين الحق، وعصاة لتعاليم الشرع، وصولاً إلى إخراجهم من الملة واعتبارهم كفاراً لا ذمة ولا عهد لهم، وهو ما تؤمن به كذلك الدول التي تبنت فكراً حركياً، وأصبحت حكوماتها أقرب إلى التنظيمات الحركية، وإنْ كانت متأثرة أكثر من التنظيمات التقليدية بالإسلام التقدمي. ولفهم الإسلام الحركي في جانبيه السُني والشيعي، يجب الرجوع إلى أدبيات الفكر الثوري المتأسلم ذي الطابع التقدمي اليساري التوجه، والذي انبرى لسد ثغرة حاجة الإسلام إلى مواكبة التحولات الكبرى في العالم، وفشل الإسلام والمسلمين في التأثير في هذا الواقع الجديد. ولم يقابل ذلك وجود مفكرين في جانب مؤسسات التصدي لمواجهة هذا التيار الذي يختفي خلف ساتر التغريب والحداثة في المظهر والطرح، في مشهد في غاية التعقيد في عصر العالم الافتراضي.
ومتى تطور فكر تلك الفئة، وتم ربط العقائد بهموم الناس اليومية والتكيف مع المسلم العصري الذي يقف في منتصف الطريق بين العبادة وممارسات الحياة من جانب والمواطن الكوني من جانب آخر، فسوف تتحول المعركة حينها من العقول إلى القلوب إلى الشارع، وهو ما نخشاه. ومعضلة استحالة الفصل بين الحضارات اليوم، وحتمية العيش المشترك، وفهم آلية التجنيد العكسي من قبل الإسلام الحركي لعناصر من أصحاب الديانات والأيديولوجيات المختلفة كوسيلة تحقق غاية، وهو التنجيد عبر الحضارات وبين سطور الثوابت. ولهذا لربما كانت العلة والمعلول في داخل الذات الإسلامية كثقافة، ومراجعة هياكل المنظومة النقدية الإسلامية.

عن "الاتحاد" الإماراتي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية