فتحت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا المثيرة للجدل الباب أمام العديد من التكهنات، خاصة في ظل التصريحات المتضاربة التي صدرت من الجهات كافة، واختلف المراقبون في تحليل أهداف وتداعيات هذه الحادثة، بين من ذهب إلى أنّها "مسرحية" ترمي إلى إفساد العملية السياسية في البلاد، والتي تبذل السلطة الجديدة جهوداً لدفعها نحو السلام، ومن يرى أنها جاءت لتلقي الضوء على الخلل الأمني في طرابلس الواقعة تحت حكم الميليشيات.
من جهته، قال وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا في أول تصريح له بعد محاولة الاستهداف المزعومة: إنه نجا من محاولة اغتيال "مخططة جيداً" أمس، أطلق خلالها مسلحون النار على موكب سياراته في العاصمة طرابلس، رغم تشكيك قوة مسلحة في روايته قالت إنّ أفرادها كانوا طرفاً في ذلك.
فتحي باشاغا يؤكد أنه نجا من محاولة اغتيال "مخططة جيداً"، قُتل خلالها أحد حراسه وأحد المهاجمين
وأضاف باشاغا في تصريح لوكالة "رويترز": إنّ سيارة بدأت في التعدي على موكبه وفتح أشخاص داخل السيارة النار، ما أدى إلى تبادل لإطلاق النار قتل فيه أحد حراسه وأحد المهاجمين.
وقال: إنه لم يكن حادثاً وقع بطريق المصادفة، وإنما عملية "مخططة جيداً"، مضيفاً: إنّ حراسه طاردوا السيارة التي انقلبت، وأنهم اعتقلوا شخصين أحدهما مطلوب لدى الشرطة.
بالمقابل، ذكر جهاز دعم الاستقرار الذي أنشأه رئيس حكومة الوفاق المنتهية ولايته فايز السراج هذا العام، في بيان نُشر على الإنترنت، أنّ حراس باشاغا فتحوا النار على إحدى سياراته أثناء مرورها بجانب موكبه.
وعلى خلفية محاولة اغتيال وزير خارجية حكومة الوفاق فتحي باشاغا شهدت العاصمة الليبية طرابلس أمس اشتباكات بين ميليشيات مسلحة.
ونقلت شبكة "سكاي نيوز" عن مصادرها قولهم: إنّ مسلحين من مدينة الزاوية (90 كيلومتراً غرب طرابلس) اقتحموا مكتباً تابعاً لباشاغا في منطقة جنزور التي ينتمي لها وزير الداخلية، وهو مؤشر خطير يعكس التوتر في مناطق غرب ليبيا.
وتحركت ميليشيات من مدينة الزاوية نحو منطقة غوط الشعال للدفاع عن ذويهم، وفي المقابل أعلنت الميليشيات التابعة لمصراتة النفير في منطقة ليست بعيدة، وفق المصادر، الأمر الذي كاد يتحول إلى اشتباكات واسعة داخل وقرب طرابلس.
وأوضحت مصادر نقلت عنها صحيفة "بوابة الوسط" الليبية أنّ وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش، وهو من أبناء الزاوية، تلقى "اتصالات من أطراف عديدة" من أجل التدخل لإقناع ميليشيات مدينته "بالتراجع والعودة إلى أماكن تمركزاتها".
جهاز دعم الاستقرار: إنّ حراس باشاغا فتحوا النار على إحدى سياراته أثناء مرورها بجانب موكبه
وذكرت قناة "العربيةط في خبر عاجل لها قبل ساعات أنّ وزير الداخلية الليبي باشاغا غادر العاصمة الليبية التي شهدت انفلاتاً أمنياً ووصل إلى مصراتة.
وفي السياق ذاته، شكّك المحلل السياسي ورئيس مؤسسة "سلفيوم" للأبحاث والدراسات جمال شلوف، في رواية وزارة الداخلية وفي جديّة العملية وطريقة ارتكابها، وقال: إنه "ليس من المنطقي أنّ سيارة مسلّحة تحمل شعار إدارة رسمية تحاول اغتيال باشاغا بإطلاق الرصاص على سيارته المصفحة في رتل يضمّ عشرات السيارات المصفحة والمدجج بالأسلحة".
وأشار شلوف، الذي وصف الحادثة بـ"المسرحية الغبيّة" في منشور نشره عبر صفحته، إلى أنّ بيان الإدانة السريع الذي صدر من السفير الأمريكي في ليبيا هو "رسالة موجهة للسلطة الجديدة بأنّ الولايات المتحدة تدعم استمرار باشاغا في منصبه لاستكمال مشروع مواجهة الميليشيات المسلحة وتفكيكها"، مضيفاً: إنّ الحادثة "كانت بمثابة الفرصة التي استغلها السفير للتعبير عن دعم واشنطن لباشاغا، خاصة بعد تداول أنباء عن رفض بعض قادة الجماعات المسلحة في مصراتة استمراره في منصبه على رأس وزارة الداخلية".
ومن جانبه، اعتبر المحلل السياسي أبو يعرب البركي أنّ الحادثة هي "محاولة لإرباك المشهد السياسي وخلق ذريعة لتفجير الوضع ميدانياً، وبالتالي انتكاس التوافق الليبي واستمرار فايز السراج وحكومته وبقاء باشاغا في المشهد"، مضيفاً أنّ ما حصل في جنزور هو بمثابة "المحاولة الأخيرة لتعقيد المشهد والعودة إلى المربع الأول".
وكشف البركي وجود محاولات تهدئة بعد انفلات الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس عقب اقتحام ميليشيات الزاوية لميدان الشهداء رداً على مقتل أحد منتسبيها على يد حراس باشاغا، لافتاً إلى أنّ "تواصل الهدوء يعني أنّ العملية السياسية التي تقودها السلطة التنفيذية الجديدة ستمضي إلى الأمام في تنفيذ البرنامج الذي انتخبت من أجله".
اقرأ أيضاً: مرتزقة أردوغان ما يزالون في ليبيا.. فهل يعرقلون الحل السلمي؟
ويقول المحلّل السياسي فرج فركاش: إنه بغض النظر عمّا إذا كانت الحادثة محاولة اغتيال أو سوء فهم وتنسيق أمني، فإنها جاءت لتؤكد "الضرورة الملحّة والعاجلة لتوحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، عبر تفكيك وإعادة دمج الكتائب والمجموعات المسلحة، التي في ظاهرها مشرعنة من قبل وزارتي الداخلية والدفاع وفي باطنها ولاءات جهوية وإيديولوجية".
وتابع: إنّ فشل وزير الداخلية فتحي باشاغا في تنفيذ مشروع تفكيك ودمج الميليشيات المسلحة وبناء المؤسسات الأمنية والعسكرية رغم الدعم الأمريكي، سيكون بمثابة الدافع لنقل العاصمة والمقار الإدارية للحكومة القادمة إلى مدينة سرت عوضاً عن طرابلس، رغم عدم جاهزية سرت وعدم خلوّها إلى حدّ الآن من المرتزقة والقوات الأجنبية، إضافة إلى عدم تشكيل القوّة الأمنية المشتركة التي اتفقت عليها اللجنة العسكرية 5+5.
وأشار فركاش إلى أنّ حادثة إطلاق النار التي تعرّض لها موكب وزير الداخلية فتحي باشاغا قد تتكرر مستقبلاً، وتنذر بإدخال العاصمة طرابلس في حرب أخرى يبدو أنّ الليبيين في غنى عنها، خاصة في هذا التوقيت الحسّاس الذي تمرّ به الأزمة الليبية.
يعرب البركي: الحادثة محاولة لإرباك المشهد السياسي وخلق ذريعة لتفجير الوضع ميدانياً لإنهاء التوافق الليبي
وتسلط هذه العملية المسلّحة التي شهدتها منطقة جنزور، وما نتج عنها من توتر أمني بالعاصمة طرابلس وتهديدات متبادلة بين ميليشيات الزاوية والميليشيات المنضوية تحت إمرة وزارة الداخلية، تسلط الضوء على أحد أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة وتتمثل في سبل كبح جماح الميليشيات المنتشرة في طرابلس وفي مدن الغرب الليبي وإعادة دمجها إضافة إلى توحيد الأجهزة الأمنية.
وتأتي محاولة الاغتيال وتبعاتها في الوقت الذي تستعد فيه حكومة الوفاق لإفساح المجال لحكومة انتقالية جديدة اختيرت من خلال عملية تقودها الأمم المتحدة تستهدف توحيد فصائل ليبيا المتحاربة.
وباشاغا شخصية قيادية من مدينة مصراتة في غرب ليبيا، وترشح لرئاسة حكومة الوحدة دون أن يفلح في مسعاه هذا، لكنه أعرب علناً عن دعمه للإدارة الجديدة.
وكان باشاغا قد تعهد، بصفته وزيراً للداخلية، بكبح جماح المجموعات المسلحة التي تمسك بزمام السلطة على الأرض في غرب ليبيا منذ انتفاضة 2011 وتحظى غالباً بوضع رسمي في إطار وزارتي الدفاع والداخلية.
وعلى صعيد المواقف الدولية دان مبعوث الأمم المتحدة يان كوبيس الحادث، ودعا إلى إجراء تحقيق، وقال على "تويتر": إنّ "مثل هذه الأعمال المتهورة تهدد الاستقرار والأمن وتهدف إلى عرقلة العملية السياسية".
من جهته، أعرب السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند عن غضب الولايات المتحدة من محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني الليبية فتحي باشاغا، في العاصمة طرابلس.
وذكر بيان للسفارة الأمريكية أنّ السفير نورلاند تحادث هاتفياً مع باشاغا، وقال: "إنّ تركيز الوزير باشاغا على إنهاء نفوذ الميليشيات المارقة يحظى بدعمنا الكامل"، داعياً إلى إجراء تحقيق سريع لتقديم المسؤولين عن محاولة الاغتيال إلى العدالة.
وأشار البيان إلى أنّ "نورلاند قدّم تعاطفه مع عضو حراسة باشاغا الذي أصيب في الحادثة".