محاولات مستميتة للعودة إلى المشهد.. ما مستقبل حركات الإسلام السياسي في المنطقة؟

محاولات مستميتة للعودة إلى المشهد.. ما مستقبل حركات الإسلام السياسي في المنطقة؟

محاولات مستميتة للعودة إلى المشهد.. ما مستقبل حركات الإسلام السياسي في المنطقة؟


04/11/2024

تزايد الحديث خلال الفترة الأخيرة عن مستقبل الحركات الإسلامية، التي تمثل الإسلام السياسي بالمنطقة، خوصا بعد انقضاء عام على "طوفان الأقصى"، الذي استغلته هذه الحركات من أجل إثبات وجودها والعودة إلى المسهد السياسي من جديد في عدد من الدول التي انتهى فيها أو كاد.

وقد اُقيمت عدة ندزات فكرية، في هذا الغرض، ونشر عدة مفكرين آراءهم في المسألة، وأجمعت كلها على أن تحولات الجماعات الإسلاميّة قد اختلفت مِن بلاد إلى أخرى، منها سُلمت لها الإدارة وفشلت، فتراجعت عن شعارها "الإسلام هو الحلّ"، وما عادت تنادي به حتّى همساً، ومنها من مكنتها الظّروف، فصارت مهيمنة بأجنحتها المسلحة، حتى صار وجودها كارثةً على النَّاس.

الحركات الدِّينيّة والحقل السّياسيّ: أيُّ مصير؟

والأسبوع الماضي، عقد منتدى "أصيلة" بالمغرب ندوته "الحركات الدِّينيّة والحقل السّياسيّ: أيُّ مصير"؟، شدد خلالها المتدخلون على أن مشاركة التيارات الإسلامية في الحكم، بعدد من البلدان العربية، أظهرت أن مشاكل الواقع شيء والشعارات شيء آخر. 

واعتبروا أن التجربة أظهرت أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية لديها نوع من التضخم والفائض النظري. ودعا متدخلون إلى تجاوز الأزمات لضمان الاستقرار وتحقيق التنمية. وشددوا على أنه كلما ازدادت الدولة نجاحًا كلما قل خطر الإسلام السياسي، الذي ينمو في الأزمات.

كما طرحت الندوة أن الجماعات الدينيّة لا تستطيع الاستمرار دون الأسلمة، لافتة الأنظار إلى التَّعبير السّياسي المغلف بالشّعور الدّينيّ، فبعد فقدان التّمكن، صاروا إلى كتابة الحيطان، واستخدام الأجهزة لإثارة المشاعر، على سبيل الدَّعوة، في المحلات العامة، ووسائط النَّقل، وكلُّها وسائل للأسلمة.

طرحت الندوة أن الجماعات الدينيّة لا تستطيع الاستمرار دون الأسلمة لافتة الأنظار إلى التَّعبير السّياسي المغلف بالشّعور الدّينيّ

وهذا النّشاط لم يكن بريئاً مِن محاولة إثبات الوجود، والعودة إلى تجديد الصّحوة الدّينية، التي انحسرت عن مدن اعتبرتها عَقْر دارها، مثلما الحال في الثَّمانينيات. أخذت تنفذ هذه المظاهر بإدارة حزبيّة، فمَن يعترض يُشار إليه بعداوة الدّين، على أنّ الإسلام لا وجود له إلا عبر خطابهم.

لا مكان للإسلام السياسي

في الأثناء، اعتبر المفكر العراقي الإسلامي، رحيم أبو رغيف الموسوي، أنه لا مكان للإسلام السياسي الذي يدعو إلى أيديولوجية الإقصاء والتهميش وفرض الأحكام الشرعية بالقوة، في مستقبل المنطقة العربية والإسلامية، وذلك خلال مقابلة أجرتها معه شبكة رووداو الإعلامية، الجمعة.

 المفكر العراقي الإسلامي: رحيم أبو رغيف الموسوي

وقال الموسوي، في الحوار، إن الدولة لا هي كافرة ولا هي مؤمنة، الدولة إنما وظيفتها ومهمتها مجموعة مؤسسات دستورية فيها مواطنة وقانون ودستور ومؤسسات تقيم العدل بين رعاياها وتراعي إلى حد كبير العدالة الاجتماعية، كما تراعي تطبيق القوانين وتحقق الرخاء والخدمات، هذه هي الدولة.

 أما دولة يتفاقم فيها الفقر والجوع والأمية وتخنق بها الحريات فهذه ليست دولة. فعندما تذهب نحو سن وتشريع قوانين ذات جانب طائفي أو حتى قومي، فهذا سيسيئ إلى مفهوم المذهب الجمعي للدولة، مذهب العقل الجمعي للدولة.

ما بعد طوفان الأقصى 

من جانبه تحدث المفكر المصري محمد بشاري عن ما بعد “طوفان الأقصى”، وقال إنه لا يمثل فقط حدثًا عابرًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل يطرح تساؤلات مهمة حول واقع ومستقبل الحركات الإسلامية، التي لطالما لعبت دورًا بارزًا في الحياة السياسية والاجتماعية في العالم العربي

المفكر المصري: محمد بشاري

واعتبر البشاري، في مقال نشره موقع "صدى البلد" المصري، أن قد هذا الحدث يبدو بالنسبة للبعض فرصة للإسلاميين لاستعادة نفوذهم، مؤكدا أن “طوفان الأقصى” يمثل فعلا محاولة جديدة للإسلاميين لاستعادة الزخم الشعبي من خلال استغلال مشاعر الغضب تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في القدس، متسائلا: هل يمكن لهذا الغضب أن يكون كافيًا لاستعادة نفوذ الإسلاميين في المشهد السياسي؟ في ظل التحولات العالمية والمحلية، يبدو أن هناك مسافة بين الإسلاميين والجماهير التي أصبحت أكثر انشغالًا بالاستقرار والتنمية، بعيدًا عن الأيديولوجيات التقليدية.

تجد الحركات الإسلامية نفسها اليوم في موقف يتطلب إعادة التفكير في استراتيجياتها. المحاولات السابقة لفصل العمل الدعوي عن السياسي، كما حدث في المغرب، لم تكن كافية لاستعادة الثقة الشعبية. بل إن هذه الحركات تحتاج إلى إعادة تقييم عميقة لمواقفها، خاصة بعد ارتباط بعض فصائلها بالعنف والإرهاب

تأويلات مثل “الحاكمية” و”الجاهلية”، التي تروج لها الجماعات المتطرفة، تشوه صورة الإسلام، وتستغل مشاعر الغضب الشعبي لأغراض تخريبية، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التأويلات جزءًا من الإسلام السياسي، أم مجرد تحريفات تخدم أجندات معينة.

“طوفان الأقصى” يمثل فعلا محاولة جديدة للإسلاميين لاستعادة الزخم الشعبي من خلال استغلال مشاعر الغضب تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في القدس

الفضاء الإلكتروني، من جانب آخر، أصبح أداة مهمة في هذا العصر، حيث تعتمد الحركات الإسلامية عليه بشكل كبير لتعويض تراجعها في الميدان السياسي التقليدي. منصات التواصل الاجتماعي توفر فضاءً لتعبئة الجماهير، خاصة بين الشباب. 

تونس مثال

هذا ويعيش الإسلام السياسي في تونس أزمة خانقة على جميع المستويات تنظيميًا وسياسيًا، وبالرغم من ارتفاع الأصوات التي ترى أن الأزمة مرتبطة بالحكومة التونسية الحالية، فإن الأزمة أعمق من ذلك بكثير، وقد أظهرت تجربة الحكم تناقضات فكر الهيمنة وضعفه وكشفت حدوده ومطباته، بحسب كتاب حديث لأستاذة الحضارة بجامعة منوبة زينب التوجاني.

وعلى الرغم من الفشل الهيكلي والتنظيمي، فإن الإسلام السياسي في تونس لا يزال حاضرًا في النقاشات الثقافية والايديولوجية. ليس فقط لطول عقود عديدة في الأذهان، ولكن أيضًا لكونه جزءًا متجذرًا من ثقافة التونسي اليومية. ولا يزال فاعلًا في تونس حاملًا لمشاريع التفهيم والفقه العقيم، ولا يمكن المراهنة عليه في الإصلاح العميق بسبب تعارضه مع مفاهيم العصر والتجدد والاختلاف.

لأن الدولة التونسية استقرت تجد نفسها اليوم على الرغم من الصعاب، فإنه لا مستقبل للإسلام السياسي فيها،  وهذا ما يعني أن الأرضية التي انتعش فيها الإسلام لم تعد قابلة لاحتضانها باسمه، وفقا لما ورد في الكتاب.

يُذكر أن متاعب حركة النهضة بدأت عندما نجح الرئيس قيس سعيد في تفعيل المادة الـ80 من الدستور السابق ليطيح البرلمان والحكومة اللذين كانت تهيمن عليهما الحركة آنذاك، وقد أدى ذلك إلى استقالة نحو 110 قياديين بالحركة من ضمنهم نواب سابقون ووزراء سابقون احتجاجاً على استفراد رئيس الحزب، راشد الغنوشي، بالقرار ووضع عقبات أمام إقامة المؤتمر الـ11 له.

وفتح ذلك الباب أمام سلسلة ملاحقات قضائية في حق قيادات بارزة من الحركة على غرار الرئيس التاريخي للحركة راشد الغنوشي ونائبه علي العريض والعقل المدبر للحركة نور الدين البحيري بسبب عديد من القضايا مثل "التآمر على أمن الدولة"، كما شملت الإجراءات التي أضعفت الحركة بصورة كبيرة غلق مقرها المركزي وتطويقه من قبل أفراد الأمن، مع بدء أبحاث في شأن تلقيها تمويلات من الخارج والمساهمة في تسفير التونسيين نحو مناطق القتال مثل سوريا للانضمام إلى جماعات إرهابية وغير ذلك.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية