في تطور جديد للأزمة السودانية، وفي محاولة لاحتواء الموقف المعقد، أعلنت سبع فصائل سودانية مسلحة الخميس 9 حزيران (يونيو) الجاري، إعلاناً تأسيسياً في دولة النيجر، أطلق عليه قوى المسار الديموقراطي؛ بهدف تحقيق السلام الشامل في السودان، واستكمال المرحلة الانتقالية، في ظل حكومة كفاءات مستقلة.
الفصائل الموقعة على الإعلان، أصدرت بياناً مشتركاً، طالبت فيه بـ"استكمال عملية السلام الشامل، ووقف الحرب ومعالجة آثارها؛ عبر مخاطبة جذور المشكلة السودانية". وطالب البيان بــ "تشكيل حكومة انتقالية قومية، من كفاءات يتوافق عليها الجميع، تقوم بمهام وقف الحرب والتدهور الاقتصادي والأمني، وكتابة دستور دائم؛ يؤسس لهياكل ومستويات الحكم، ويحدد هوية الدولة السودانية ووحدتها، ويعترف بتعدد الأعراق والثقافات والأديان".
جهود أمريكية سعودية
من جهتها، قالت السفارة الأمريكية في العاصمة الخرطوم، إنّ التيار الديموقراطي في السودان اجتمع مع جنرالات البلاد لأول مرة منذ الانقلاب العسكري العام الماضي، فيما قد يشير إلى انفراجة، فيما يتعلق بمحاولات إعادة البلاد إلى المسار الصحيح نحو التحول الديمقراطي.
وضم الاجتماع الذي عقد في وقت متأخر من يوم الخميس 11حزيران (يونيو) الجاري، في العاصمة الخرطوم، قوى إعلان الحرية والتغيير، إلى جانب ممثلين عن المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وقالت السفارة الأمريكية، في بيان لها، إنّ المحادثات ركزت على حل المأزق السياسي الحالي، وتمّ اللقاء بوساطة من السفارة السعودية. وأضاف البيان: "نشكر المشاركين على مشاركتهم الصريحة والبناءة، وعلى استعدادهم لإنهاء الأزمة السياسية، وبناء سودان سلمي وعادل وديمقراطي".
جدير بالذكر أنّه مع تولي الجيش السوداني زمام الأمور في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، رفض التيار المطالب بالديموقراطية الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وأصرت قوى الحرية والتغيير على نقل السلطة أولاً إلى حكومة مدنية، وإنهاء العنف ضد المتظاهرين، والإفراج عن جميع المعتقلين، وإبعاد تيار الإخوان المسلمين عن المشاركة في الحكم.
اجتماع غير رسمي
عقد الاجتماع الذي وصفته قوى الحرية والتغيير بأنّه "غير رسمي"، في مقر إقامة السفير السعودي علي بن حسن جعفر، بالعاصمة الخرطوم، وقالت قوى الحرية والتغيير إنّها وافقت على "وضع خريطة جديدة للطريق، بالتشاور مع مجموعات مدنية أخرى، للتباحث حول كيفية إنهاء المأزق السياسي الحالي"، بحسب البيان الذي أصدرته.
وكانت الجبهة قد قاطعت سابقاً المحادثات العسكرية – المدنية، التي انطلقت في وقت سابق تحت رعاية البعثة السياسية للأمم المتحدة في السودان، والاتحاد الأفريقي، والمجموعة الإقليمية للهيئة الحكومية للتنمية، التي تضم ثماني دول في شرق أفريقيا. وانتقدت مشاركة الجماعات الموالية للجيش، والإسلاميين المتحالفين مع النظام السابق.
من جهة أخرى، قالت الأمم المتحدة إنّ المحادثات التي تهدف إلى إنهاء المأزق السياسي المستمر في السودان بدأت منذ الأربعاء 8 حزيران (يونيو) الجاري، على الرغم من أنّ التحالف الرئيسي المؤيد للديمقراطية في البلاد يقاطعها؛ بسبب تصدي الشرطة المستمر للمحتجين على الحكم العسكري منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
فولكر بيرتيس: العملية التفاوضية سوف تناقش البرنامج الانتقالي، بما في ذلك تعيين رئيس وزراء مدني، ووضع ترتيبات لصياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية
وتجري جهود السلام المشتركة بوساطة البعثة السياسية للأمم المتحدة في السودان، والاتحاد الأفريقي، ومجموعة الدول الثماني الإقليمية، ويهدف هذا الجهد إلى إقناع الجنرالات ومجموعة من الجماعات السياسية والاحتجاجية، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
جدير بالذكر أنّ المحادثات بدأت باجتماع تمهيدي في العاصمة السودانية الخرطوم، شارك فيه عسكريون ومدنيون، وذلك بعد شهور من المناقشات المنفصلة مع مجموعة من الجماعات، بما في ذلك الجيش، والحركة المؤيدة للديمقراطية.
من جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتيس، إنّ "العملية التفاوضية سوف تناقش البرنامج الانتقالي، بما في ذلك تعيين رئيس وزراء مدني، ووضع ترتيبات لصياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية".
بدوره رحب اللواء عبد الفتاح البرهان، الذي يرأس مجلس السيادة الحاكم بالمحادثات؛ باعتبارها "فرصة تاريخية لاستكمال المرحلة الانتقالية". بحسب تعبيره.
وفي خطاب ألقاه إلى الأمة السودانية، حثّ البرهان كل الفصائل على المشاركة في المحادثات، وتعهد بأن ينفذ الجيش نتائجها. وقال: "نحن ملتزمون تماماً بالعمل مع الجميع؛ لإنهاء الفترة الانتقالية في أقرب وقت ممكن؛ بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة".
الدكتور محمد الفرجاني، الباحث في التاريخ المعاصر والشؤون العربية، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّه قبيل هذه المحادثات، زارت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، مولي في، السودان في الفترة من 5 إلى 9 حزيران (يونيو) الجاري، والتقت بقادة عسكريين ومدنيين في الخرطوم؛ لدعم عملية التفاوض، وحثت جميع الأطراف على الانضمام إلى المحادثات؛ للتخطيط لمسار انتقالي، بقيادة مدنية، من أجل المضي قدماً نحو تحقيق التحول الديموقراطي في السودان.
وكشف الفرجاني عن امتناع قوى إعلان الحرية والتغيير عن حضور الاجتماعات في البداية، قبل أن تحضر ربما تحت الضغط الأمريكي، لكنّها أصرت أن تكون المباحثات غير رسمية، وطالبت في الوقت نفسه بأن تؤدي المباحثات إلى قيام سلطة ديمقراطية مدنية، منتقدة مشاركة الجماعات الموالية للجيش والإسلاميين المتحالفين سابقاً مع نظام عمر البشير.
محمد الفرجاني: السودان يمر بأزمة حقيقية، حيث تأتي هذه المحادثات في ظل استمرار الحملة الأمنية العنيفة ضدّ الاحتجاجات المناهضة للحكم العسكري في الخرطوم
الفرجاني لفت إلى أنّ السودان يمر بأزمة حقيقية، حيث تأتي هذه المحادثات في ظل استمرار الحملة الأمنية العنيفة ضدّ الاحتجاجات المناهضة للحكم العسكري في الخرطوم، حيث لقيت فتاة تبلغ من العمر خمسة أعوام مصرعها يوم الثلاثاء الماضي، عندما دهستها سيارة للشرطة أثناء مطاردة المتظاهرين، وبذلك يرتفع إجمالي عدد القتلى بين المتظاهرين منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2021، إلى نحو 101 شخص، على الأقل، بحسب تقارير طبية.
ويبقى أمام الجميع فرصة جديدة، بحسب الفرجاني، لتجاوز المصالح الشخصية، من أجل عبور هذا النفق الضيق، وسط تربص الإخوان المسلمين، ومن على شاكلتهم، وبالتالي فإنّ وضع خريطة جديدة للطريق، ربما يقطع الطريق أمام هؤلاء، في ظل وجود جدول زمني محدد، يضمن المكون العسكري تنفيذه.
مواضيع ذات صلة:
- الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً
- السودان: هل فشلت المبادرة الثلاثية في حلحلة المأزق السياسي؟ ما السيناريوهات المستقبلية؟
- "التيار الإسلامي العريض".. ما دلالات العودة المتلونة لإخوان السودان؟