السودان: هل فشلت المبادرة الثلاثية في حلحلة المأزق السياسي؟ ما السيناريوهات المستقبلية؟

السودان: هل فشلت المبادرة الثلاثية في حلحلة المأزق السياسي؟ ما السيناريوهات المستقبلية؟


16/06/2022

قبيل ساعات من موعد انعقادها الذي كان مقرراً الأحد الماضي، أعلنت الآلية الثلاثية المشكلة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد السودانية، تأجيل جلسات الحوار بين القوى السياسية إلى أجل غير مسمى، وهو ما قرأه مراقبون بأنه فشل مسبق، نتج عن تعنّت غير مبرر من جانب بعض القوى السياسية التي أعلنت مقاطعة الحوار.

وحسبما قال المسؤول الإعلامي ببعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فادي القاضي لـ"العربية"، جاء القرار لتقييم ودراسة المعطيات الراهنة وتقييم الاحتياجات للعملية السياسية.

وبالرغم من جهود المبادرة في محاولة تجاوز المأزق السياسي المتفاقم في السودان منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بين المكونين، المدني والعسكري، منذ حل حكومة عبد الله حمدوك، وما تبعها من تصعيد لحالة الاستقطاب، إلا أنّ غالبية القوى السياسية أبدت رفضاً للحوار بشكل مسبق.

وأعلنت غالبية الأحزاب في السودان، رفضها المشاركة في الحوار الذي دعت إليه الآلية الثلاثية. وكان أبرز تلك الأحزاب تيار الحرية والتغيير، الذي يضم مجموعة من المكونات السياسة السودانية، تعد الأكبر في البلاد.

وفي المقابل رحبت بعض القوى السياسية والمثقفين في البلاد بالمبادرة واعتبروها مخرجاً من المأزق السياسي خاصة أنها تجري برعاية دولية وإقليمية.

وبحسب المراقبين، لا تحظى الآلية الثلاثية بثقة لدى المدنيين أو العسكريين على السواء، حيث يعتبرها البعض تكراراً لأزمة انتكاسة الاتفاق السياسي بين رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

لماذا تفشل مبادرات حل الأزمة؟

الباحث السياسي السوداني، في مركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية، مدى الفاتح، يقول لـ"حفريات" إنّ "هناك عدداً من المبادرات التي تحاول اختراق الأزمة السياسية الحالية في السودان لكن جميعها يبدو حتى الآن بعيداً عن النجاح".

أعلنت غالبية الأحزاب في السودان، رفضها المشاركة في الحوار الذي دعت إليه الآلية الثلاثية

وحول أسباب فشل تلك المبادرات في إيجاد مخرج للأفق السياسي المنغلق، يرى الفاتح أنّ أبرزها يتمثل في النظر إلى الأزمة باعتبارها صراعاً ينحصر بين المكونين المدني والعسكري، لكنها في جوهرها ترتبط بالصراع فيما بين المدنيين، حيث يرفض الكثير من تياراتهم وأحزابهم التعامل مع قوى الحرية والتغيير على كونها ممثلتهم والمتحدثة باسمهم.

بالمقابل، "تتعامل قوى الحرية والتغيير مع غيرها من الأطراف السياسية باستعلاء وتصف نفسها بالمتحدثة برغبات الشارع وآماله، كما تستفيد من المظاهرات التي تخرج في الخرطوم بين حين وآخر وتقوم بتوظيفها قائلة إنها مظاهرات داعمة لها، على الرغم من أنّ الجماهير الغاضبة كثيراً ما كانت توضح أنّ هذه القوى لا تمثلها"، على حد قول الفاتح.

ويشير الفاتح أيضاً إلى الاختلاف في الرؤى بين القوى المدنية حول ما حدث في تشرين الأول (أكتوبر)، ففي حين تعتبره قوى الحرية والتغيير وأنصارها "انقلاباً"، إلا أنها تتعامل مع السلطة الحالية بشكل طبيعي، وكأنها حزب منتخب وذو شرعية، وهو أمر به تناقض كبير، ولا تقبله تيارات سياسية أخرى.

تطرح المبادرة الثلاثية، 5 محاور رئيسية لحل الأزمة الراهنة في السودان من خلال اختيار رئيس الوزراء، وترتيبات دستورية، وتنظيم الانتخابات، وتحديد برنامج عمل يلبي احتياجات المواطن السوداني، وإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي

ويضيف الفاتح أنّ "هناك فريقاً ثالثاً من القوى المدنية تتخذ موقفاً مختلفاً تماماً، وتعتبر أنّ ما حدث كان أمراً تصحيحياً للوضع، وأنه ساهم بشكل كبير في إفساح مجال التعددية السياسية، والتنافس على مساحات جديدة، كات سابقاً تحت سيطرة قوى الحرية والتغيير وحدها.

ويتابع الفاتح: "العقدة اليوم هي في إصرار الحرية والتغيير على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يشمل إعادة السيطرة المطلقة على المشهد السياسي وهو ما لا توافق عليه التيارات السياسية المناوئة لها والحركات المسلحة التي شملها اتفاق جوبا، إضافة إلى مجموعات إقليمية (جبهة الشرق)".

وينوه: "إذا لم تتواضع قوى الحرية والتغيير وترضى بالمشاركة في اتخاذ القرار، بما يتيحه وزنها الحقيقي وجنباً إلى جنب مع المجموعات السودانية الأخرى، فإنّ الأزمة ستكون مرشحة للتطاول".

ما أهمية المبادرة الثلاثية؟ 

تطرح المبادرة الثلاثية، بحسب الباحث المختص بالشأن الأفريقي صلاح خليل، 5 محاور رئيسية لحل الأزمة الراهنة في السودان من خلال اختيار رئيس الوزراء، وترتيبات دستورية، وتنظيم الانتخابات، وتحديد برنامج عمل يلبي احتياجات المواطن السوداني، وإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي.

 مدى الفاتح: هناك عدد من المبادرات التي تحاول اختراق الأزمة السياسية الحالية في السودان لكن جميعها يبدو حتى الآن بعيداً عن النجاح

كما طرحت المبادرة الثلاثية، العديد من المحاور من ضمنها: تحديد الأجندة والقضايا محور الخلاف بين المكونين العسكري والمدني، وتشكيل حكومة تكنوقراط قبل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة بين المكونين العسكري والمدني والمضيّ قدماً تجاه حل الأزمة السياسية في السودان برعاية دولية، والحد من حالة الاستقطاب الحاد والشديد بين القوى السياسية من جهة والمكون العسكري من جهة أخرى، ووقف إراقة الدماء في الشارع السوداني في ظل ارتفاع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات في العديد من المدن السودانية.

ما السيناريوهات المستقبلية؟ 

وفق ما أورده خليل في دراسته المنشورة على موقع المركز المصري للفكر والدراسات تحت عنوان: "تحركات دولية: تداعيات المبادرة الثلاثية على الأزمة السودانية"، هناك تحديات جسيمة في ظل الانقسام الحالي داخل السودان، حيث تتمسك المؤسسة العسكرية بمكتسباتها وفقاً للوثيقة الدستورية، بينما يستغل التيار المدني الزخم في الشارع السوداني.

كما أنه لا توجد آلية للضغط على الأطراف المختلفة باستثناء الضغوط الأمريكية وبعض الضغوط الأوروبية، لكنها في النهاية ضغوط تعبر عن مصالح أطرافها وليس مصلحة السودان بحسب الدراسة ذاتها. 

صلاح خليل: تحتاج معالجة الأزمة إلى الكثير من الإجراءات، من أهمها بناء الثقة بين المكونات السودانية

ويرى خليل أنه "إذا فشلت المبادرة الثلاثية، أو لم تُكلل بالنجاح، فستكون نتيجتها غير مؤثرة بين الأطراف السودانية".

وبحسب خليل، تحتاج معالجة الأزمة إلى الكثير من الإجراءات، من أهمها بناء الثقة بين المكونات السودانية.

ويتابع: "على الرغم من أنّ الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، تجد ترحيباً من جميع السودانيين، والجميع يقر بأنه لا يمكن لطرف أن يُقصي المكون الآخر. وفيما يخص تكملة مرحلة السلام، يجب علينا أن نشير بوضوح إلى تسييس النزاعات بين المجتمعات المحلية في دارفور، ويتم استخدامها من قبل الفاعلين السياسيين في إظهار حالة عدم الأمن وأن انعدامه ناجم عن ضعف قدرة الدولة في بسط الأمن والاستقرار".

وأخيراً يقول خليل إنه "مع مرور الوقت دون الوصول إلى تسوية سياسية أو اختراقات ملموسة للأزمة السودانية، سوف تزداد الأوضاع الداخلية سوءاً، لعدم وضع حد للخلافات بين الفرقاء السودانيين، ولا سيما إذا فشلت المبادرات الوطنية نتيجة عدم الثقة واتساع الفجوة بين القوى الشبابية والقوى السياسية السودانية التي قدمت تلك مبادرات الوطنية، وأصبح الشارع هو الذي يقود القوى السياسية، ولكن الشارع يفتقد للقيادة التي تبلور رؤيته وأهدافه الموحدة للوصول إلى المبتغى".

 

مواضيع ذات صلة:

السودان: هل بات الإفراج عن عمر البشير قريباً؟

الإخوان المسلمون في مصر والسودان والصومال.. تقدير موقف

-  هل باتت البعثة الأممية أداة وصاية على السودان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية