الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً


19/06/2022

يبدو أنّ عامل الوقت هو الشيء الغائب عن حوار الآلية الثلاثية في السودان، وهو ما يتطلّب موقفاً حازماً من الآلية للخروج باتفاق سياسي، والتخلي عن محاولة الوصول لاتفاق رضائي، ينال هوى الفريق السياسي الرافض للحوار مع العسكريين؛ وهم مجموعة قحت - المجلس المركزي، وبمعنى محدد الأحزاب السياسية الأربعة التي انفردت بقوى إعلان الحرية والتغيير عقب تدشينها.

إلى جانب ذلك من الضروري إدراك أنّ المحتجين في شوارع الخرطوم لا يمثّلون سوى نسبة محددة من الشعب، كما أنّ المطالبة بحكم مدني، التي ينادي بها هؤلاء، ويمثلهم سياسياً الأحزاب الأربعة التي تُعرف شعبياً باسم "أربعة طويلة" لا تعني تأسيس دولة ديمقراطية، وإنما استبعاد المكوّن العسكري من الفترة الانتقالية، ونقل السلطة إلى هذه الأحزاب وربما غيرها دون انتخابات، وهو الأمر الذي يرفضه الجيش وكثير من القوى السياسية والأهلية التي لا يُقارن وزن أحزاب أربعة طويلة بها من حيث الشعبية.

حوار الآلية الثلاثية

وتعود الأزمة الجارية إلى إجراءات الجيش، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي أطاح فيها بالشراكة مع قوى قحت - المجلس المركزي، التي كانت تهيمن على الحكومة وتشارك في مجلس السيادة وتتولى رئاسة لجنة إزالة التمكين، ولا يمكن وصف إجراءات الجيش بأنّها انقلاب؛ حيث لم تكن السلطة مُنتخبة، بل محاصصة حزبية مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، والتي أيّدت إجراءات الجيش نظراً للخلاف مع قوى قحت - المجلس المركزي.

رؤساء الآلية الثلاثية، يتوسطهم فولكر

وشعبياً، يرى محتجون أنّ ما حدث انقلاب عسكري، ويرفعون مطالب ذات سقف من المستحيل تلبيته، ومنها؛ محاكمة قادة أمنيين وعسكريين، وحكم مدني خالص، ومحاسبة الجيش اقتصادياً، وغير ذلك من المطالب التي تنبع من هيمنة الحس الثوري، والتي تبنتها أحزاب قحت - المركزي، وجعلتها سقفاً لها، فيما عُرف باسم اللاءات الثلاث (لا تفاوض - لا شراكة - لا شرعية).

ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي، محمد تورشين؛ أنّ "تعطيل الحوار الذي أطلقته الآلية الثلاثية يأتي في إطار أنّ قوى قحت - المجلس المركزي، باعتبارها من الفصائل المهمة والمؤثرة، رفضت المشاركة، ولديها تحفظات حول طبيعة الحوار وأجندته والمشاركين فيه؛ حيث إنّها ترفض كلّ الذين شاركوا النظام البائد، سواء عن طريق اتفاق أبوجا أو جوبا، وحتى الحوار الوطني الذي شاركت فيه قوى سياسية في عام 2015".

الحكم المدني يمثل رغبة وإرادة جماهيرية، تتفق حولها كلّ القوى السياسية السودانية، بهدف تعزيز أوضاع حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، فضلاً عن قضايا العدالة

وبحسب حديث الأكاديمي السوداني لـ "حفريات"، فإنّ "الاستمرار في الحوار يعني تعقيد الأزمة، بالتالي، رأت الآلية تأجيله إلى حين، باعتبار أنّ الحوار إذا مضى قدماً وأفرز واقعاً دستورياً جديداً، سيكون هناك رفض واحتجاجات في الشارع تعيق عمل الحكومة الجديدة، ولهذا كان التأجيل خطوةً مهمة وعقلانية".

وتتكوّن الآلية الثلاثية، التي ترعى مفاوضات السودان من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية (يونيتامس)، بقيادة فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الأفريقي، ومبعوث الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيجاد)، وكان فولكر قد طرح مبادرته منفرداً، ثم انضمّ إليها الاتحاد الأفريقي وإيجاد، وقبل ذلك أخفق اتفاق 21 نوفمبر بين حمدوك والجيش؛ بسبب رفض القوى السياسية والمحتجون لأيّة شراكة مع الجيش.

وقامت مبادرة فولكر، التي حملت اسم الآلية الثلاثية، بعد توسيعها على إجراء لقاءات استكشافية مع جميع أطراف الأزمة السودانية، من العسكريين والساسة، ثم الدخول في مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، وصولاً إلى مفاوضات مباشرة، بهدف الوصول لاتفاق سياسي جديد، يُنهي حالة الاحتجاج، ويعيد البلاد إلى مرحلة انتقالية وصولاً إلى الانتخابات.

إخفاق الآلية الثلاثية

ويقول عضو حزب الأمة، برئاسة مبارك الفاضل المهدي، محمد عصام المشرف إنّ "البعثة الأممية تفتقد للخبرة الفنية والمعرفة بالواقع السوداني الاجتماعي والسياسي؛ فلا تعرف من هي القوى السياسية ذات الثقل، ولا تدرك دور الإدارات الأهلية والطرق الصوفية في العملية السياسية، والتي هي مكوّنات أصيلة في تاريخ السودان الحديث".

وتابع لـ "حفريات": "المبادرة أخذت اتجاهاً ومنهجاً خاطئاً؛ لأنّها لم تحلّل أسباب فشل السلطة الانتقالية، ورئيسها فولكر لم يشخّص السبب، إلى جانب أنّ قوى قحت - المجلس المركزي أخفقت في تحديد تطلعات السودانيين من الثورة، ولم يراجعوا الخلل داخل قحت حين انسحبت الأحزاب منها، واقتصرت على أربعة أحزاب، بعد أن كانت تضمّ 70 كياناً، وغاب عنهم أنّ كلّ المراحل الانتقالية التي لا توجد فيها قوة معارضة ذات رؤية إستراتيجية واضحة لإدارة الانتقال الديمقراطي، وصولاً للتحوّل الديمقراطي، كان مصيرها الفشل".

محمد المشرف: المبادرة أخذت اتجاهاً خاطئاً؛ لأنّها لم تحلّل أسباب فشل السلطة الانتقالية

وردّاً على سؤال حول مجريات الحوار، قال السياسي السوداني: "حوار فولكر غير المباشر كان دون مواجهات وسقف زمني محدد، حتى إنّه عقد 110 اجتماعات، والتقى 300 فرد، وتسلّم 32 مبادرة مكتوبة، ولم تكن لديه رؤية لإدارة الحوار، فضلاً عن تأثره بأصدقاء له ينتمون إلى قحت - المجلس المركزي، ولهذا كانت النتائج صفرية".

وأضاف: "لاحقاً بتشكيل الآلية الثلاثية، تمّ عقد حوار غير مباشر، وفق أربعة مواجهات؛ هيكل الحكم الانتقالي، والترتيبات الدستورية، والبرنامج المختصر للفترة الانتقالية، والانتخابات، وتفرّع عن هذه المحاور ثمانية أسئلة وُجهت إلى الجميع، حول؛ وضع الجيش، مجلس السيادة، المجلس التشريعي، الترتيبات الدستورية، برنامج الفترة الانتقالية، معايير تشكيل الحكومة، الأجهزة العدلية، ومفوضية الانتخابات وتحديد موعد الانتخاب".

السياسي محمد المشرف لـ "حفريات": كلّ المراحل الانتقالية التي لا توجد فيها قوة معارضة ذات رؤية إستراتيجية واضحة لإدارة الانتقال الديمقراطي، وصولاً للتحول الديمقراطي، كان مصيرها الفشل

وأردف السياسي المشرف: "تسلّمت الآلية ردوداً مكتوبةً، وهو تقدم كبير في الحوار، وكان من المفترض أن يتبعه صياغة اتفاق سياسي يُقدّم إلى الجميع، لكن، للأسف، ذهبت الآلية الثلاثية نحو الحوار المباشر، ورفضت قوى سياسية الحوار، وتم تعليقه، وهنا أشير إلى حديث فولكر عن افتقاد البعثة الأممية وسائل ضغط على القوى السياسية والعسكرية، ولولا ضغوط دولية وإقليمية من واشنطن والرياض لما كان الحوار انعقد".

ماذا بعد؟

ومن جانبه، يرى الأكاديمي محمد تورشين، أنّ الجيش لديه رغبة جامحة باستمرار الحوار للخروج بموقف دستوري جديد للاستمرار في السلطة، دون الحديث عن قضايا العدالة وتقديم قتلة المتظاهرين والنشاط الاقتصادي للجيش، وغيرها من المسائل التي ظلّت تشكّل خلافاً بين قحت - المركزي والعسكريين.

وذكر أنّ "الحكم المدني يمثل رغبة وإرادة جماهيرية، تتفق حولها كلّ القوى السياسية، بهدف تعزيز أوضاع حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، فضلاً عن قضايا العدالة، ويمكن البناء على ذلك بتقديم شخصية تقود الحكومة لتهيئة البلاد للانتخابات".

وحول خيار الانتخابات لحلّ الأزمة، قال الأكاديمي السوداني: "قبل الآن قد يكون حلّاً، لكنّ القوى السياسية لم تهتم بقضية البناء الحزبي، وتصارعت على السلطة، ولهذا رفضت مبادرة حمدوك الأخيرة التي كانت تتطلب انتخابات تشريعية ليحصل على شرعية في مواجهة الجيش، ورفضتها لأنّها لن تحصل على المكانة الحالية نفسها عبر الانتخابات".

د. تورشين: الانتخابات اليوم تعني فوز الإسلاميين

ولفت إلى أنّ "الانتخابات اليوم تعني فوز الإسلاميين، ولا يمكن إجراؤها خوفاً من نفوذ حزب المؤتمر الوطني المنحل الذي وظف الدولة لمدة ثلاثين عاماً لخدمته".

وحول رؤية حزب الأمة، الذي لم يوقّع على ميثاق قحت، يقول عضو الحزب: "نرى ضرورة تكوين حكومة محايدة تدير البلاد للوصول للانتخابات، وتعمل وفق ثلاثة أهداف: وضع الترتيبات الدستورية، اختيار رئيس وزراء وحكومة مستقلّين ممن لديهم خبرة في الإدارة المدنية السودانية، واستكمال الأجهزة العدلية وتكوين المحكمة الدستورية والمفوضيات المستقلة؛ مكافحة الفساد والعدالة الانتقالية والانتخابات".

وحول احتمال استئناف الحوار، قال محمد المشرف: "لا ينكر الجيش، ولا القوى السياسية، الالتزام بأهداف الثورة، ولهذا يجب وضع مشروع اتفاق سياسي بناءً عليها، وتقديمه إلى الجميع بهدف الاتفاق عليه، منعاً لإهدار الوقت الثمين الذي لا يملكه السودان".

واندلعت الأزمة الحالية، في 25 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد انقلاب/ الإجراءات التصحيحية التي قام بها الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، والتي شملت؛ تعطيل نصوص الوثيقة الدستورية، التي تنصّ على الشراكة بين قحت والعسكريين في إدارة الفترة الانتقالية، وحلّ الحكومة والمجلس السيادي، وعزل ولاة الأقاليم، وإيقاف عمل لجنة إزالة التمكين، وفرض حالة الطوارئ.

مواضيع ذات صلة:

السودان: هل فشلت المبادرة الثلاثية في حلحلة المأزق السياسي؟ ما السيناريوهات المستقبلية؟

الصراع يتجدد في جنوب السودان... ما أبرز السيناريوهات المتوقعة؟

تحذيرات من عودة الإخوان للسلطة في السودان.. ما آخر تحركاتهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية