ما يجري في غزة: حل دائم أم لعبة ليغو؟

ما يجري في غزة: حل دائم أم لعبة ليغو؟

ما يجري في غزة: حل دائم أم لعبة ليغو؟


21/01/2025

علي قاسم

معظمنا مارس في مرحلة ما من طفولته لعبة الليغو. كنا نستمتع بتركيب القطع الملونة، إما بهدف إعادة بناء محدد الشكل أو ابتكار أشكال جديدة. هي لعبة بريئة تهدف إلى تنمية الخيال عندما يمارسها الأطفال. ولكن، أن يتحول بلد بأكمله إلى لعبة ليغو بين طرفين أو مجموعة أطراف، يُدمّر ليعاد تركيبه من جديد، فإن اللعبة البريئة تتحول إلى ممارسة سادية وفاشية تُرتكب على مرأى العالم ومسمعه.

باتفاق فضفاض يسمح بتعدد التفسيرات والتأويلات، تتسلل من خلاله حركة حماس لتحكم القطاع من جديد، لتأتي إسرائيل بعد ذلك وتعيد تدمير ما تم بناؤه. نشعر ونحن نتابع ما جرى ويجري أننا أمام لعبة ليغو بين لاعبين كبار، يتم خلالها إعادة إعمار قطاع غزة استعدادا لفصل جديد من الدمار، المشاركون فيها غير عابئين بحقيقة أن من يعيش داخل القطاع بشر من لحم ودم ومشاعر وأحلام.

ليس هذا فقط، بل قد يحلو لطرف مشارك في اللعبة أن يغافل اللاعبين الآخرين ويهدم ما بُني قبل اكتماله.

هذا ما يجري اليوم في اتفاق هو حقل ألغام تشارك فيه أطراف عديدة، سيطر فيه الارتباك والفوضى على المشهد، وبدا كل طرف فيه يتحرك حسب مصلحته.

الإسرائيليون المتضررون من الهدنة، الذين لن يرضيهم سوى إنهاء وجود حماس، ظلوا يناورون حتى الساعات الأخيرة، ولن تتوقف مناوراتهم حتى يتأكدوا من القضاء على تواجد عناصر الحركة في غزة وينفوا قياداتها إلى دول بعيدة عنهم.

ورغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ظلت الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف غزة بعد ثلاث ساعات من بدء العمل به. ولامت إسرائيل حماس على استمرار عمليات القصف، قائلة إن الحركة تأخرت في إرسال أسماء الرهائن الثلاثة الأوائل المزمع الإفراج عنهم، وأن سبب القصف هو استهداف عناصر إرهابية.

وأرسلت حماس، التي قالت إن التأخير كان بسبب عقبات فنية ميدانية، قائمة بالأسماء بعد مرور حوالي ساعتين على موعد التنفيذ المتفق عليه.

ورأى محللون أن تشبث حماس وتمسكها بالتفاصيل هما اختبار لإسرائيل ومدى تجاوبها مع بعض البنود الغامضة في الصفقة والتي تنتظرها أشواط طويلة.

المشاهد والتقارير التي شدّت العالم على مدار 24 ساعة ذكرتني بمسرحية ويليام شكسبير “Much Ado About Nothing” (بالعربية “جعجعة بلا طحن”). وعلى خلاف المسرحية التي انتهت فيها الجعجعة نهاية سعيدة وقرّبت بين قلبين، الجعجعة والتركيز على التفاصيل الدقيقة في غزة ضيعا البنود المهمة في الاتفاق، وحالا دون تقديم جواب لتساؤل يدور في أذهاننا جميعا: ماذا سيحدث في اليوم التالي ومن يدير قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي؟

عدم تقديم أجوبة واضحة سيعرقل إنجاز الخطة الموضوعة للمرحلة الأولى التي أتّفق على أن تتم خلال 42 يوما. وقد لا نرى اكتمال المرحلتين الثانية والثالثة للاتفاق.

هناك مراوغة من إسرائيل وتهرب من تقديم أسماء الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، تقابله مراوغة وتهرب من حماس بعدم الإعلام النهائي عن أسماء الأحياء والأموات من الأسرى. ولا يمكن النظر ببراءة إلى هذا التمسك بالتفاصيل والشكليات من قبل الطرفين. في أفضل الحالات، هو تظاهر بعدم الرضوخ والانصياع لرغبات الطرف الآخر.

واضح أن بنيامين نتنياهو لا يريد إكمال الاتفاق حتى النهاية، على الأقل ضمن الشروط الحالية. وحديثه عن امتلاكه ضوء أخضر للعودة إلى القتال إذا تم خرق الاتفاق يؤكد ذلك. وهو يأمل من وراء عرقلة الاتفاق العودة إلى الحرب، هذه المرة بمباركة من الغرب ومشاركة أميركية. يريد أن يفتح أبواب الجحيم للتخلص نهائيا من حماس.

حماس من جانبها تريد الخروج ببعض المكاسب، ومهما كانت النتائج، واضح أنها غير راغبة بالتخلي عن إدارة قطاع غزة. وهي تعمل عكس نصائح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي كانت تأمل في أن “انزواء الحركة (حماس) ولو بشكل مؤقت سيكون مطلوبا خلال الأيام المقبلة” وفق ما صرح به القيادي في حركة فتح جهاد الحرازين، الذي أكد أن “بقاء حماس في سلطة غزة يمنح الولايات المتحدة وإسرائيل مبررات عدم الانسحاب من القطاع.”

بدلا من الأخذ بنصيحة حركة فتح والانزواء بعيدا عن العيون، كثفت عناصر حماس من انتشارها وظهورها في طرقات القطاع. ورأى محللون فلسطينيون، ومنهم المحلل السياسي عمر عساف، أن اليوم الأول من وقف إطلاق النار “ثبّت عدة معادلات، أولها أن للمقاومة الفلسطينية اليد العليا قبل وبعد الطوفان لأن من ادعى أنه يسعى لتدمير المقاومة والقضاء عليها لم يستطع فعل شيء مما يقول.”

وأيده في الرأي الخبير سليمان بشارات، الذي رأى في الظهور العلني لمقاتلي حماس في الشوارع دليلا على فشل إسرائيل في القضاء على حركة حماس.

فيما رجّح الباحث في الشأن الإسرائيلي هاني أبوالسباع، أن “تلجأ إسرائيل إلى التصعيد في الضفة الغربية المحتلة، لتغطية فشلها في غزة.”

أليس هذا، بالضبط، ما يريده بنيامين نتنياهو وينتظره.. أن يهدم قطع الليغو قبل أن يكتمل البناء.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية